مشروع الخـلافة ومشروع الحضارة الغربية: فرسي رهـان في مضمار سباق
التفاصيل
بقلم: مازن محمود
المشروع الأول: هو مشروع الحضارة الإسلامية
المشروع الثاني: هو مشروع الحضارة الغربية
أما المشروع الأول ( مشروع الحضارة الإسلامية ) فهو مشروع الخـلافة، ويقوده في الأمة الإسلامية حزب التحرير، يعمل في الأمة ومعها، لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد، في دولة واحدة وجيش واحد، ولواء واحد وراية واحدة.
أما المشروع الثاني ( مشروع الحضارة الغربية ) فتتبناه مجموعة الدول الغربية، ويقوده الآن الولايات المتحدة الأمريكية .
فمنذ قيام المشروع الأول مشروع الخـلافة الإسلامية، مشروع الأمة الحقيقي، مشروع نهضتها ومكمن عزتها، وقادة المشروع الآخر يعملون على طمس المشروع الأول وخنقه، محاولين قتله في مهده { وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التوبة 32 ]، أدرك الكفار ومن أول يوم أن مشروع الخلافة، هو المشروع الوحيد الفريد، الذي إن سارت فيه الأمة فإنها لا محالة واصلة إلى هدفها ومبتغاها، فمن أول يوم أجمعت قوى الكفر عامة على التعتيم على هذا الحزب، ومشروعه ووضع الحواجز بينه وبين الأمة، فأخذ الحكامُ العملاءُ بإيعازٍ من الكفارِ بالتنكيلِ بأتباعِ هذا الحزب وبمؤيديه تارة، وبصرفِ أذهانِ المسلمين عن مشروع الخلافةِ وإلهائهم بمشاريع فرعيةٍ، لا تمت بالخلافةِ بصلة تارة أخرى .
{ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } [ابراهيم 46]، وبالرغمِ من كيدهم ومكرهم مع عملائهم ومن شايعهم، إلا أن مشروع الخلافة كان أكبر من الجبال، وكان عصياً فشق طريقه نحو هدفه وغايته، وتجذر في الأمة وأخذ يقوى، ويشتد عوده ويتنامى، حتى غدى اليومَ وبرغم كلِ المعوقات كنارٍ على علم، تحتضنُ الأمةُ فكره ورأيه، وتنشدُ غايتَه، حتى أصبح مشروع الخلافة هو مشروع الأمة الوحيد، فتكوَنَ له رأيٌ عامٌ منبثقٌ عن وعيٍ عام، في أواسط الأمة حتى غدت الخلافةُ مطلباً، وأصبح تحكيم الإسلام هدفاً وغايةً عند جـُلِ الأمة إن لم يكُن عندهم جميعاً، وسقطت مشاريعُ الكفار في الأمة، من قوميةٍ ووطنيةٍ واشتراكية وديمقراطيةٍ، بل ويمكن ُ القولُ أن الناسَ في العالم ألإسلامي أصبحوا جميعاً يدركون، أن هذه كلها مشاريعٌ للكفار، فانحازت الأمة إلى مشروع الخـلافة، وعرفت طريقها وباتت تعرف قادتها الذين يقودونها الى طريق العزة .
فتعـالوا بنـا نرى وننظر إلى طبيعة هذا الصراع، وحقيقة هذا النزال بين هاذين المشروعين، ونرى ماذا يوجد لدى كلٍ منهما من قوى مادية، من عدد وعدة ؟ وكيف كانت حقيقة النزال والصراع، وما هي النتيجة ؟
إن قراءة منصفة لطبيعة الصراع والنزال، ترينا وبشكل جلّي، أن أصحاب المشروع ألأول ( مشروع الخـلافة ) من حيث القوى المادية، ووسائل الصراع المادية، لا يملكون شيئاً يستحق الذكرِ بالنسبة لما يمتلكه أصحاب المشروع الثاني ( مشروع الحضارة الغربية )، فها هم أصحاب مشروع الخلافة لا يمتلكون سوى جَهدَ أنفسهم، لساناً وورقة، وإلتزاما مالياً من أعضاءه يقتطعونه من قوت أبنائهم، بينما أصحاب المشروع الثاني ( مشروع الحضارة الغربية ) يمتلكون بالفعل جـُلَ مقدرات الدنيا المادية، إن لم يكن كلَها، فمشروعهم تتبناه دولٌ كبرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فعندهم من العدد والعدة والمال ما يصعب عده، ولديهم من الجيوش والسلاح والعتاد الحربي ما يصعب حصره، وعندهم من وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة ومراكز البحوث ما يصعب تصوره، ناهيك عن العملاء وأجهزة المخابرات والاستخبارات والحكام الخونة علماء السلاطين، الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وهم أعني أصحاب مشروع الحضارة الغربية يهيمنون هيمنة سياسية واقتصادية ، شبه كاملة على كل ( دول ) العالم الإسلامي، لا استثني منها بلداً واحداً، ولديهم غير ذلك الكثير الكثير، ما إذا قمنا بعمل نسبة وتناسب، بما لدى الطرفين من قوى مادية، فجعلنا مما يمتلكه أصحاب مشروع الخلافة بسطاً، وما يمتلكه أصحاب المشروع الثاني مقاماً، لكانت العملية الحسابية صفراً أو تؤول الى الصفر .
إذاً، القوة المادية لدى أصحاب مشروع الخلافة لا تساوي شيئاً يذكر، بالنسبة لما يمتلكه أصحاب مشروع الحضارة الغربية، وهذا يقودنا إلى تساؤل حقيقي، ما سبب تقدم مشروع الخلافة الى هذا الحد ؟ بالرغم من أنه لا يمتلك من القوى المادية شيئاً ؟ وما سبب تقهقر المشروع الحضاري الغربي ؟ بالرغم من امتلاكه الدنيا وما فيها ؟
وللإجابة على هذا التساؤل نقول : إنه من الخطأ حصرُ أدوات الصراع والنزال بين المشروعين بالقوى المادية فقط، إلا إذا خلى الجانبان من قوى أخرى غير مادية، فمشروع الخلافة يعتمد اعتمادا أساسياً على قوى غير مادية، وهي القوة الروحية وهي العون والنصر والتوفيق من الله عز وجل، الممسك بناصية كل دابة في السماوات والأرض، وهو القادر على النصر، فالقوة الروحية لدى أصحاب مشروع الخلافة هي القوى الأساسية، التي يعتمدون عليها وهي قوة مصدرها الله عز وجل، وهذه القوة هي القوة التي عَدَلَت بل أرجحت كفة الميزان فثقل وأصبح في صالح مشروع الخلافة، ولهذا خسر الغرب حرب الأفكار كما أقر العديد من مفكري وسياسيي الغرب، وقالوا لا يمكن محاربة فكرة اعتنقها أصحابها ومستعدون للتضحية في سبيلها.
إن أصحاب مشروع الخلافة عباد لله، يعملون من اجله، يلتزمون أمره، ومشروعهم هو مشروع شكلت فكرته وطريقته من لدُن عزيز حكيم، ورُسمَت هيكليته في السماء، ونزل إلى الأرض ليمتطي صهوة جواد تنفيذه فيها عبادٌ أتقياء، فلم يرتجلوا له لا فكرة ولا طريقة، فليس عليهم إلا العمل على إيجادها، فلم تشبها شائبة ولم ترَ فيها خللاً إلا نفسٌ خاسرةٌ خائبة .
وبالرغم من أن حملة الدعوة أصحاب مشروع الخلافة، يصلون ليلهم بنهارهم، ويحسنون عملهم ويبذلون وسعهم، في حمل دعوتهم للناس، ولا يخشون في الله لومة لائم في قولهم الحق، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وهذا قد يكلفهم أنفسهم أو أموالهم او وظائفهم أو كلها معاً، إلا أنهم يدركون أن أعمالهم هذه هي مجرد طاعة لله والتزام بأمره، وأن النصر الحقيقي هو من عند الله العزيز الحكيم، فلا يغترون بعمل ولا يجزعون من كبوة، ولا يفرحون بنتيجة فرح بَطِرٍ مختال، وإنما يعزون تقدم مشروعهم مشروع الخلافة في الامة لعون الله وتوفيقه دائماً وأبداً .
إن مثل هذه القراءة للمشروعين، وللصراع والنزال بينهما في مضمار السباق، وللقوى المادية التي يمتلكها كلٌ من أصحاب المشروعين، تـُرينا وبشكل واضحٍ لا يقبل الشك، أن الله تعالى هو الذي يرعى هذا المشروع وأصحابه، ولو لم يكن الله في هذه الكفة لما رجحت، ولَمـا نمت وتقدمت، ولَـما أصبحت مطلباً وعلى كل لسان، حتى عند أصحاب مشروع الحضارة الغربية، ولو تخلى الله عن هذه الدعوة لراوحت مكانها، وبقيت ملتصقة بالأرض وما انتقلت من الضعف إلى القوة، ولَمـا انطلقت أصلاً كالشمس تضيء ربوع الأرض من اندونيسيا شرقاً إلى المغرب، ومن تركيا إلى نيجيريا، بل لًمـا تغلغلت في ربوع الكفار أنفسهم، هذا هو سبب تقدم هذا المشروع مشروع الخلافة، رغم قلة العدد والعدة ورقة الحال .
فيا حملة الدعوة .. يا رافعي لواء الخلافة .. يا أحباب محمد صلى الله عليه وسلم : أعملوا، بثبات وقوة، وضاعفوا جهودكم، وتيقنوا أن الله معكم وهو ناصركم لا محال، وستحط الخلافة بجرانها في الأرض عما قريب، { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }