maqal111225

 

هذا التصريح ليس من الصحافة الصفراء، وليس تعبيرا من "مسلم" يحمل نظرية المؤامرة، بل هي تصريحات واضحة صريحة للسفير الأمريكي في سوريا توم براك.توم براك يعترف بكل ما كان شرا مطلقا، ولكنه ليس اعتراف النادم، فنحن نسمع اعترافات النادمين، من مثل اعتذار ألمانيا لناميبيا عن الإبادات التي قامت بها، أو عن المطالبات لفرنسا بالاعتذار عن احتلال الجزائر أو حتى من أمريكا عن اجتثاث الهنود الحمر، ومع الإدراك بأنها كلها اعتذارات ليس لها معنى ولا تمثل مانعا من تكراراها، ومع ذلك فإن توم براك اليوم لا يعتذر، وإنما فقط يعتبرها سياسات غير منتجة، وأن دونالد ترامب يحمل شيئا مختلفا، يحمل حلولا في نظره أكثر انتاجا، أكثر استعبادا، وأكثر إكراها، أمريكا اليوم تحمل لنا موتا زؤاما، فاعتبارها أن كل جرائمها السابقة كانت فاشلة، يعني أنها تحتاج إلى جرائم من نوع جديد، لتبسط من خلالها سيطرتها المطلقة، بأقل الخسائر، وربما بصفقات بالمليارات أو التريليونات، ومع أن الأمريكان يعترفون بجرائمهم بغض النظر عن الدافع، لا زالت المنظومة في بلادنا تعمل على البرمجة القديمة التي توشك أمريكا نفسها على تجاوزها، والتي تصدِّرها الطبقة الحاكمة، وتحولها إلى حالة عامة في أي خطاب إعلامي، وكأنه لا يصح أن تتحدث إلا وفق هذه البرمجة، وإلا فإنك تتحدث خارج التاريخ والجغرافيا، البرمجة القديمة تقول: نناشد الأمم ، ندعو الجهات الدولية، نلجأ إلى المحاكم المختصة بجرائم الحرب، وندعو إلى الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، هذه هي البرمجة التي تحدث عنها براك بصراحة ووقاحة قائلا: نحن من صنعها، نحن من اخترعها، ونحن من أجرمنا بحق المنطقة من خلالها، ومع ذلك لا زال الإعلامي يقول لا بد أن يتحرك المجتمع الدولي، والمحلل السياسي يتكلم عن جدوى تحريك الملف الفلسطيني في الجهات الدولية، والمفكر الأعمق يقول لا بد من تصحيح مسار الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بينما يقول الحكام رفعنا القضية إلى مجلس الأمن، وإن ما تقوم به "إسرائيل" هو انتهاك للقانون الدولي، أو أن تقوم به في لبنان وسوريا هو اعتداء سافر على سيادة الدول، ونعد عدد خروقات الكيان لخطة ترامب التي أخذت الصبغة القانونية في مجلس الأمن، لم يقف الأمر على هؤلاء فقط، بل باتت عامة المسلمين تناشد الجهات الدولية والمؤسسات الإنسانية أن تتدخل، وكل ذلك بالرغم من أن العدو يقول لنا بملء فيه أنه أنا من اخترع تلك البرمجة حتى أحكم عليكم بالتبعية، أما إن تعمقت وخضت نقاشا عميقا سائلا أحدهم ماذا تغني عنا هذه الجهات الدولية؟ متجاوزا أنها صناعة العدو، فإنه إن كان نزيها سيجيبك بأنها لا تغني شيئا، ولكنه سينتقل إلى التبرير بأن هذا هو المتاح، وأين نذهب؟ ومن نخاطب؟ دون أن تكون عنده القدرة أو حتى الاستعداد للتفكير في البدائل، أو المبادرة بالتفكير في كيفية الانعتاق من التبعية الغربية، والتفكير بما يمكن أن نصنعه نحن لأنفسنا، دون الركون إلى ما يصنعه عدونا لنا، ربما يكون وراء هذه الحالة من الشلل في التفكير هو الانسياق مع يتقبله مزاج الإعلام المعلن، وربما
يكون وراء ذلك الشعور بالعجز عن التغيير، أو اليأس من الحال، حيث يَستبعد أن تصنع أمته شيئا ولو بعد عشرين سنة، ولكن الغريب أنه هو نفسه لا ييأس من مخاطبة عدوه مستجديا حلوله ولو بعد ثمانين سنة. إن كل هؤلاء لا يصنعون الفرق ولا يحدثون التغيير، إنما الذي يصنع الفرق فقط هو من يؤمن بأنه يستطيع أن يقوم من كبوته، وكذلك من يثق بأمته، ويؤمن بأن الشعوب ليس لها أقدار يحددها أعداؤها، بل يؤمن أن الأمم إن أرادت التغيير فعلت، فكيف بأمة عريقة بعراقة هذا الدين، وصلبة بصلابة الإيمان بالله، تختزن فيها عزائم الأولين الذين غيروا وجه التاريخ؟ هؤلاء فقط هم من يمكنهم التغيير، وقطعا سيغيرون، وليس الذي دأب على خطاب عدوه واستجدائه ورجائه، حتى ولو حاز أحسن الألقاب أو أعلى الشهادات، فالتغيير إيمان وتوكل وإرادة.


أ.أحمد عبد الحي

11/12/2025