أعلم أنك من أحب بلاد الله إلى الله، فقد قال فيك الحبيب المصطفى: « أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا »، وأنّ رب الأرباب رفع منزلتك على كثير من المساجد، وكان إسراء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليك ومعراجه إلى السماوات العلا منك، وفيك أمَّ عليه السلام الأنبياء والرسل، وكنت قبلة المسلمين الأولى، وأنت أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها، والصلاة فيك بأجر خمسمائة صلاة في غيرك، وأرضك أرض المحشر والمنشر.
أدرك يا أقصى أنك شامخ بشموخ القرآن وعظمته، وأنَّ أحداً لن يستطيع أن يمحو ذكرك، فأنت محفوظ بحفظ القرآن، أكّد ذلك رب الكون عندما قال: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، فأنت باق رغم أنف الطغيان، قال تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ"، فستبقى مع بقاء هذه الكلمات ما بقيت الحياة، ولن يضيرك تكالب الأعداء، وستتحطّم أمامك قوى الشر كما تحطّمت قوى الصليبيين برغم تدنيسهم لك سنين طويلة.
أعلم كم أنت حزين يا أقصى، فأذل خلق الله يحيطوا بك من كل جانب، فجنودهم يمنعونك من أحبائك، ورصاصهم يقتل ويجرح عشاقك، وأقدامهم تدنس باحاتك وساحاتك، وراياتهم تعكر صفو سمائك، غلهم وحقدهم يصل إلى أساساتك. أعرف أنك تتألم لسكوت مليار ونصف مليار مسلم على ما يجري لك، ولعدم تحرك ما يزيد على عشرة ملايين جندي مسلم لنصرتك، ولما تسمع عن أسلحة ومعدات لا تستعمل ضد أعدائك وإنما ضد أحبابك، وللدعوات الخجولة الموجهة من علماء سمّوا زوراً وبهتاناً علماء، فلا شك أنك تتوقع الكثير من خير أمة أُخرجت للناس.
أتفهّم يا أقصى غضبك على من يُسمَّون قادة وزعماء، فهم من أسلموك أنت وأكنافك إلى اليهود الكافرين، وهم من مدّوا حبالهم إلى أذل خلق الله فأعزوهم وحمَوا كيانهم المسخ، وضربوا بيد من حديد كلَّ من يحاول فك أسرك، وحُقَّ لك أن تغضب من هؤلاء الرويبضات ومن أزلام السلطة، فهم من تركوا القرآن وتعلقوا بالرباعية و الشرعة الدولية، وهم من خاصم وهجر الحبيب المصطفى وأقبل يستجدي أوباما ونتنياهو، فتنازلوا عن معظم أرض الإسراء والمعراج بمفاوضات ومؤامرات مُذِلَّة مُهينة، وبذلهم وصغارهم وخنوعهم جرّؤا كيان يهود عليك وعلى ما حولك وعلى من فوقك، وبتنازلاتهم المتوالية وبتعاونهم مع أعدائك تجرأ يهود على حفر الأنفاق تحتك وتحت ساحاتك، وبقمعهم شعوبهم وسكوتهم على جرائم يهود وفتح بلاد المسلمين أمامهم فقد جرّؤا يهود على بناء المغتصبات وبناء الكنس إلى جوارك، ولا شك أنهم يسعَون إلى بناء معبد مكانك.
لكن لا عليك يا أقصى، فبرغم كيد الكائدين ومكر الماكرين وخيانة الخائنين وتفريط المفرِّطين، برغم كل ذلك فإنّ لك أحباباً وعشاقاً يملؤن الآفاق، إن لك رجالاً وأبطالاً وعلماء في فلسطين والأردن، في مصر وتركيا، في إندونيسيا وأستراليا، في أوزباكستان وطاجيكستان، في بنغلاديش وباكستان، في بريطانيا وأوروبا وكل مكان، نعم إنَّ لك رجالا عرفوا قدرك ومنزلتك، وقد عاهدوا الله أن يحطِّموا العروش ويسيِّروا الجيوش لإنقاذك وإنقاذ فلسطين كل فلسطين من براثن يهود، نعم ستأتيك بإذن الله جحافل المجاهدين بقيادة خليفة المسلمين مهللة مكبرة، فتحررك من دنس يهود ويعود لك العز الذي عشته أيام الفاتحين، وسترفرف فوقك رايات الرسول صلى الله عليه وسلم، فتقرَّ عينك، ويهدأ روعك، ويَشُد الرحالَ إليك أحبّاؤك من كافة أصقاع العالم، وسيخسأ كل أعدائك وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.