بعد أكثر من خمسين عامًا من القمع والظلم، جاء اليوم الموعود بسقوط حكم عائلة "أسد".
فرحنا بسقوطه كما فرحتم، وفرحنا بنجاة العديد ممن كانت أعواد مشانقهم قد نُصبت من السجناء، وكان الموت يقترب منهم حتى لم يعد بينهم وبين حبل المشنقة إلا دقائق معدودة، فرحنا بتحرير السجينات والسجناء من سجون المأفون الهارب، وهم في حالة من الذهول والتساؤل: "هل أسقط النظام؟ هل هرب أسد؟" نعم، لم يبقَ أسد ولا نظام، بعد أن كان يبدو وكأنه لا يقهر ولا يسقط.
فرغم الدعم الإقليمي والدولي من روسيا وإيران وحزبها، إضافة إلى الدعم الأمريكي والتركي، فضلاً عن الدعم المالي من بعض الأنظمة في الجوار، ظن "أسد" أن عرشه محصن ضد السقوط، لكن في النهاية، لم يكن لأي دعم خارجي أو إقليمي أن ينقذه من ثورة بدأت لله، وشعارها: "هي لله... هي لله".
لقد جاء يوم التحولات، وآن الأوان لرسم العلاقة الصحيحة بين الشعوب المقهورة وحكامها، فحكام الظلم والقهر، مهما طال بهم الزمان على الكراسي، فسيلقون مصير ابن علي والقذافي ومبارك وصالح، وحتى أسد، مصيرهم واحد، وهو الهلاك أو الهروب.
لقد سقط حكم "أسد"، كما سقط من قبله حكام، وسيسقط بعده آخرون، فهم جميعًا ينهجون نفس الطريق الفرعوني الذي يؤدي بهم إلى نهايتهم بما اقترفت أيديهم، لكن الأهم من إسقاطهم هو تطهير آثارهم وإزالة بقايا أتباعهم، فبعد قطع رأس الأفعى في دمشق، لا بد من القضاء على ذيلها والتخلص من سمومها.
لم يكن الأمر مجرد سقوط حكم عائلة حاكمة، أو إسقاط بشار الطاغية، بل كان إعلانا صارخا مدويا لتهلهل الحكم الجبري وتآكله، حيث كان إسقاطه تحقيقًا لأحد أهداف ثورة الشام المباركة، وشكّل لحظة فارقة ليس في تاريخ الشام فقط، بل في تاريخ المنطقة بأسرها، لأن الثورة لم تكن مجرد مواجهة بين طاغية وشعب، بل كانت معركة أمة ضد نظام إجرامي ساديّ بكل أذرعه.
يا أهلنا وإخوتنا في الشام المباركة، إن سقوط رأس الأفعى في دمشق لا يعني نهاية المعركة، بل هو جولة كسبتها الأمة، والآن تأتي المرحلة الأهم: مرحلة العمل الجاد والمستمر لإزالة بقايا هذا النظام الفاسد، وتطهير المجتمع من سمومه التي غُرست على مدار عقود من الفساد والظلم، لا بد من قطع أذرع هذا النظام الممتدة في جميع جوانب الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، واستبدالها بأياد متوضئة، ضغطت على الزناد تارة، وابتهلت إلى الله بالدعاء تارة، وتارة رفعت رايات التوحيد في مسيرات صدحت فيها الحناجر بشعارات "إسلامية، إسلامية، ثورتنا إسلامية"، "خلافة للأبد، غصب عنك يا أسد"، و"الشعب يريد خلافة من جديد".
فكما بدأت الثورة لله، وقادها الإيمان بالله نحو إسقاط الطغاة، لا بد لهذا الإيمان أن يقود نحو بناء نظام تتجذر فيه العقيدة، وتطبق فيه أحكام الله، فبالله عليكم واصلوا المسير ولا تقفوا حتى تحرروا المغتصب من الجولان، والأرض المباركة فلسطين من رجس الاحتلال، وتسقطوا جميع الطغاة، أقيموها خلافة يشرق فجرها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس وما ذلك على الله بعزيز ."وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"
بقلم الأستاذ شادي الشريف
12/12/2024