قد يقول قائل إن توغل اليهود فيما بعد خط فض الاشتباك وفرض سيطرته على الجولان هو استغلال لحالة عدم الاستقرار في الشام، وأنه يريد أن يفرض أمرا واقعا للتفاوض في قابل الأيام مع الدولة الوليدة القادمة التي يأمل اليهود، كما تأمل أمريكا وأشياعها وأتباعها أن تكون دولة على المقاييس الغربية، وعلى شاكلة الأنظمة الموجودة حول فلسطين المغتصبة، أنظمة موالية للغرب حامية للكيان ومعينة له، تسكت عن قضم الأرض وانتهاك الأجواء، وبعبارة مباشرة نسخة عن النظام السابق ولكن بوجه أقل بشاعة.
ولا أظن أن هذا الوصف بعيد عن عقلية هذا المحتل، الذي يعمل على استغلال أي فرصة للتوسع ، كما في حالة الاحتلال أو شبه الاحتلال لأجزاء جديدة من الشام، حيث يطيب هنا لأتباع النظام البائد مهاجمة الثوار والثورة، من باب أنه قبول من الثوار بهذا الاحتلال، غاضين الطرف، بل متعامين، عن أن النظام -الذي كانوا هم أتباعه- هو الذي حافظ على الحدود مع الكيان، وهو الذي منع أهل الشام من المساس بيهود في أرض الجولان المحتلة والمغتصبة، ويلمزون الثوار، الذين لم يضمدوا بعد، الجراح في جسم الشام وأهله حتى يقال لهم حررتم أو سكتم.
نعم إن اليهود استغلوا هذه الحالة ليتوسعوا أكثر في أرض الشام، ولكن هذه ليست جريمتهم الوحيدة، فخلال يومين نفذوا 480 طلعة جوية في أكبر هجوم كما وصفوه، على المواقع والمراكز التي لها علاقة بالجيش والسلاح في سوريا، وعلى أسلحة الدولة البائدة التي أهلكت نفسها في الحرب على أهل الشام أنفسهم، والتي لم يذق نارها إلا أهل البلاد، ومع أن تلك الأسلحة تكاد تكون من طراز الحرب العالمية الثانية، مستهلكة أو هالكة، وتكاد تعلن خروجها إلى التقاعد، حتى لو لم تمسسها نار القصف، ورغم ذلك فإن اليهود لم يتوانوا عن ضربها، وهنا يبرز السؤال: لماذا؟
الحقيقة أن الكيان يخفي -كما في كل مرة -وراء قصفه وإظهاره للقوة ضعفا وخوفا لا ينقطع، ضعفا لأنه بالكاد كانت له القدرة على تحمل هجوم حقيقي كالسابع من أكتوبر، فما بالك إن كانت حربه على جبهة ممتدة كجبهة الشام وليس مع قطاع غزة المحاصر.
وهو لا يستطيع أن يخفي رعبه من واقع كونه قشة قابلة للغرق، في محيط هادر من ملياري مسلم يبدو للحظة أنه هادئ، ومن تحته براكين تهدد بتحرك تسونامي أو أكثر في أي لحظة، ليغرق الجبال العالية فما بالك بتلك القشة.
وكيف لا يخاف الكيان الغاصب من أهل الشام، وقد كسروا أكثر الأنظمة توحشا، وأسقطوا نظاما وقف العالم جلّه إن لم يكن كله معه ضدهم، بالدعم والقتل المباشر في صفه تارة، وبخداع الثورة وأهلها من الثوار تارة، بل تارات، حتى إذا هزم أهل الشام هذا النظام وهزموا معه كل من اصطف خلفه، بدأت دعوات التحايل بالاندماج مع المجتمع الدولي والمحيط.
إن هذه الثورة، والتي لم تنته بعد، هي التي زرعت الرعب في الكيان، حتى بات يرى أن كل سلاح، بل كل عصا في يد أهل الشام هي تهديد لوجوده.
ولكنه عبثا يحاول، فهجماته لن تمنع عنه مصيره المحتوم، كما لم تمنع عقبات النظام الساقط أهل الشام من كتابة نهايته، ولئن كان كل ما سبق من إجرام لم يخمد ثورة أهل الشام، فإن كل الأعمال التي يتآمر فيها القريب والبعيد لن تخرج ساحل الشام (فلسطين) من نفوس أهل الشام، ولن تنزع معاني الجهاد والتحرير من قلوبهم، ولن تخلع وحدة بلاد الشام من وجدانهم وشعورهم، ما دام هناك دين ترسّخ في القلوب يقول (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ ) ويقول (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ).
إن ثورة الشام ستلهم أمة بأكملها، أن تثور، ثورة بعد ثورة، حتى تصل إلى ما تريد، وأن الحكام كلهم اليوم ينتفضون خوفا من شعوبهم، وهم يرون المثال فيمن هو أظلم منهم وأجرم وقد أسقطته الأمة في الشام، ويرون أن الدور قد حان عليهم أو يكاد.
والسؤال هنا، أي بقاء لتلك الأنظمة، وأي بقاء لذلك الكيان الهش، بل وأي نفوذ ويد ستبقى للاستعمار على أمة بهذه الصفات ؟؟ نعم قد تمضي السنين، ولكن الحقيقة الماثلة التي يجب أن يدركها الجميع، أن دور هذه الامة آت، وأن المستقبل لها، وأن على دول العالم أن تفكر، ومن اليوم، كيف ستتعامل مع تلك الأمة، عندما تتوحد على كتاب الله وسنة رسوله، وتحمل راية الجهاد للعالم أجمع لتنيره بهذا الدين.
إنه دين الله، إنها أمة لا إله إلا الله، إنه المنهج الحق، إنه لا غالب إلا الله.
بقلم الأستاذ محمد عبدالمنعم
14/12/2024