قال مسؤولان في حركة حماس، يوم الأحد 7 تموز، "إن الحركة تنتظر رداً (إسرائيلياً) على اقتراحها لوقف إطلاق النار"، وذلك بعد 5 أيام من قبولها جزءاً رئيسياً من خطة أمريكية تهدف إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 9 أشهر في قطاع غزة. وقال أحد مسؤولَي حماس لرويترز، طالباً عدم نشر اسمه: "احنا تركنا ردنا مع الوسطاء، وننتظر سماع رد الاحتلال". وقد تخلت حماس هذه المرة عن مطلب رئيسي بأن يلتزم كيان يهود أولاً بوقف دائم لإطلاق النار قبل توقيع اتفاق. وقال مصدر من حماس لرويترز، السبت 6 تموز، مشترطاً عدم الكشف عن هويته نظراً إلى سرية المحادثات، إن الحركة ستسمح بدلاً من ذلك بتحقيق هذا عبر المفاوضات خلال المرحلة الأولى التي تستمر 6 أسابيع.
هناك أمور لا بد من ملاحظتها عند محاولة قراءة المشهد الحالي في المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار، وهي:
1- انتهاء ما يسمى بالمرحلة الثانية من الحرب، والإعلان عن قرب البدء بالمرحلة الثالثة منها، والمقصود بالمرحلة الثانية هي مرحلة الاجتياح والتمشيط والتدمير الواسع للأحياء والتجمعات والمباني السكنية، وأما المرحلة الثالثة فالمقصود منها البدء بالعمليات النوعية والضربات المركزة والقصف الجوي للأماكن التي يشتبه بها الاحتلال، على غرار عمليات يهود بالضفة الغربية مؤخرا، لكن بصورة أكبر وأضخم في غزة.
2- دخول بايدن مرحلة السباق الانتخابي مثقلا بأعباء وإخفاقات يعايره بها ترامب، واشتداد المواجهة بينهما في ظل إخفاق بايدن في المناظرة الأولى التي جرت بينهما، وبالتالي حاجته والحزب الديمقراطي إلى إنهاء الحرب أو إدخالها في مرحلة السبات الانتخابي ريثما تمر الانتخابات.
3- حاجة رئيس وزراء يهود، نتنياهو، إلى استمرار الحرب أو الخروج بمظهر المنتصر المنقذ لكيان يهود، حتى لا ينتهي به المطاف إلى الخروج من الحكم أو الحياة السياسية، سواء إلى السجن أو الاعتزال.
4- ضعف المنافسين والشخصيات البديلة المقترحة لرئاسة وزراء كيان يهود، إذ إن نتنياهو يعتبر أقوى الشخصيات الموجودة حاليا لدى الكيان ويحظى بدعم اللوبي اليهودي بأمريكا.
وفي ضوء هذه الملاحظات، يمكن قراءة المشهد الحالي وتطورات الحرب على غزة.
فالحرب على غزة كانت قرارا أمريكيا قبل أن يكون يهوديا، ولقد كانت أمريكا تريد هذه الحرب، بل دفعت كيان يهود دفعا لها، لأنها أرادت إنهاء حكم حماس لقطاع غزة والقضاء على قوتها العسكرية، وحماية كيان يهود من التهديد الوجودي المستقبلي، وترتيب غزة لتكون جزءاً من الحل المطروح أمريكيا، ألا وهو حل الدولتين.
وقد تم لها ذلك أو كاد، فالحرب على غزة قد أتت على الأخضر واليابس فيها، وهم يرون أنهم تمكنوا من القضاء على التشكيلة العسكرية لحركات المقاومة، وما تبقى منها يمكن السيطرة عليه من خلال عمليات نوعية ينفذها جيش الاحتلال، أو من خلال قوات دولية أو عربية تدخل في المرحلة التمهيدية ما بعد الحرب، ويرون أن حكم حماس للقطاع قد انتهى وأقصى ما يمكن أن تحصله هو أن تكون جزءاً من التشكيلة السياسية في القطاع.
وهذا القدر بنظر أمريكا كاف، ولا مانع لديها من القبول به، على أن تجد حلا لتحرير الرهائن، لأن ذلك يمثل أحد أهم وعود أمريكا من دعمها للحرب على غزة، فهي ترى ذلك غير ممكن بدون صفقة مع حماس، لا سيما بعد أن فشل نتنياهو في تحرير المحتجزين عبر الاجتياح البري لرفح، وهو الذي كان يعول عليه في إنهاء الحرب بانتصار ساحق، فقد كان نتنياهو يظن أنه باجتياح رفح يكون قد أكمل تمشيط قطاع غزة بالكامل، وسيقبض بذلك على قادة حماس والجناح العسكري ويدمر الأنفاق، ويحرر المحتجزين، فخاب ظنه وطار عقله، فأمريكا، وكذلك نتنياهو إلى حد ما، باتوا يرون أنه لا بد من صفقة لتحرير المحتجزين.
وقد أرادت أمريكا تحقيق ذلك عبر عبارات فضفاضة فيما يتعلق بشرط انتهاء الحرب، وهو ما رفضه نتنياهو نفسه وحماس كذلك، فعاد نتنياهو ووافق عليه تحت الضغط ولأنه أدرك أن بنود الاتفاق لا تلزمه بوقف نهائي لإطلاق النار، وكرر رفضه وقفاً نهائياً للحرب قبل تحقيق كامل الأهداف، ثم تنازلت حماس عن ذلك الشرط بعد أن أقنعها الوسطاء بأن بنود الاتفاق تتيح ذلك بشكل غير مباشر من خلال جعل استئناف الحرب مسألة صعبة إن لم تكن مستحيلة. فقد ذكرت أسوشيتد برس أن حماس تلقت ضمانات من الوسطاء بأن الحرب لن تُستأنف، ونقلت عن مسؤول مصري وآخر من حماس أن الحركة تخلت عن مطلب رئيسي يتمثل في حصولها على تعهد مسبق من الكيان بإنهاء كامل للحرب، وستسمح بتحقيق ذلك عبر المفاوضات خلال المرحلة الأولى التي تستمر ستة أسابيع.
وبذلك تريد أمريكا إنجاح الصفقة، لتتمكن من وقف الحرب مؤقتا أو نهائيا، ولتتمكن من تحرير المحتجزين، بعد أن قضت على حكم حماس من قطاع غزة وضمنت قبول حماس بتشكيل سلطة جديدة في القطاع تكون على شاكلة السلطة الفلسطينية في الضفة، ولا بأس بوجود معارضة سياسية أو مشاركة سياسية من حماس أو وجود خلايا عسكرية مزعجة يمكن ملاحقتها عبر القوات العربية في المرحلة التمهيدية ولاحقا عبر قوات السلطة الفلسطينية على شاكلة ما يحدث بالضفة.
إن أمريكا تدرك أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب لأنه يريد استمرارها حتى يجد على الساحة ما يضمن بقاءه في السلطة كفوز ترامب مثلا، ولأنه يريد انتصارا مفعما بالغطرسة يرفع من شعبيته ويحول دون سقوطه، ولكنها في الوقت نفسه تعول على أن الوقف المؤقت للحرب وهو مدة طويلة نسبيا إذ تمتد كل مرحلة من المراحل الثلاث شهرا ونصف، مع تحرير المحتجزين وتنامي المعارضة والاحتجاج الشعبي الداخلي لدى كيان يهود، تعول على أن ذلك سيجعل استئناف الحرب مسألة صعبة على نتنياهو وربما ستسقطه، فيهود ليسوا أهل حرب وحالما رجعت الأمور إلى الهدوء خاصة في جبهة الشمال المضبوطة بالأوامر الأمريكية، فسيعود يهود يحلمون بالحياة المستقرة والهدوء وغياب الخسائر المادية والعسكرية وخسائر الأرواح، فيتشكل رأي عام ضاغط رافض لاستئناف الحرب.
أما حركة حماس، ففي ظل اشتداد الخناق عليها وتعنت نتنياهو فقد رأت الاكتفاء بالوعود الشفوية والتطمينات من الوسطاء، بدلا من الإصرار على ذلك الشرط وبقاء الحرب مستمرة على نحو قد يفقدها المزيد من المحتجزين أو القيادات.
وهكذا تبقى الأمور تراوح مكانها مرهونة بموقف رئيس وزراء يهود، نتنياهو، وائتلافه الحاكم، وليس بعيدا على نتنياهو أن يعود ويرفض الاتفاق للأسباب المذكورة آنفا، لا سيما أن الوفد المفاوض يذهب ويعود ويناقش التفاصيل التي كل واحدة منها مدخل للرفض أو التأجيل، خاصة وأن هناك من يرى أن الليونة التي يبديها نتنياهو حاليا يهدف منها إلى المطمطة وصولا إلى موعد خطابه المرتقب في الكونغرس الأمريكي في 24 من الشهر الجاري، وأمريكا لا تملك الكثير من الأوراق للضغط على نتنياهو خاصة في الستة أشهر القادمة.
وهكذا يبقى أطفال غزة ونساؤها ورجالها ودماء أهلها رهنا برغبات يهود وطموح نتنياهو وأطماع ائتلافه الحاكم، بينما يحنو الأمريكان على كيان يهود ويسهروا على حماية أمنه ووجوده. أما الأمة الإسلامية وجيوشها، فما زالت واقفة متفرجة على الدماء التي تسفك والبيوت التي تهدم والآلاف الذين يموتون جوعا وقهرا وقتلا، دون أن يحركوا ساكنا أو يهبوا لنصرة إخوانهم، فإلى متى يا أمة الإسلام ويا جيوش المسلمين ستتركين غزة ليهود الغاصبين وحلفائهم الأمريكان المجرمين؟!
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾
بقلم: المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
المصدر: جريدة الراية