في الأسبوع المنصرم قامت روسيا بشن هجوم صاروخي وصف بالعنيف على العاصمة الأوكرانية كييف مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى، وكان الاستهداف الأشد والأكثر مأساوية لمستشفى أخمديت للأطفال، المتخصص في علاج أمراض السرطان والدم والأمراض المزمنة. وعلى أثر هذا الهجوم العنيف استنفر الغرب وقادته ومؤسسات ما يسمى بالمجتمع الدولي، حتى وصفت بعض المواقع الحدث بأنه أثار أزمة دولية، وسط دعوات لانعقاد مجلس الأمن واتخاذ قرارات وعقوبات صارمة بحق روسيا المجرمة.
وفي المقابل، شن كيان يهود هجوما وحشيا على مخيمات النازحين بخان يونس يوم السبت 13 تموز، فأوقع 79 شهيدا وأكثر من 289 مصابا، بعد أن كان قد ارتكب مجازر مروّعة في منطقة الصناعة بحي تل الهوى، وفي أحياء مدينة غزة ومخيمات الوسطى، والتي راح ضحيتها أكثر من 100 شهيدٍ، وواصل الأحد تنفيذ الغارات على مدارس الأونروا التي تؤوي النازحين في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة فأوقع 16 شهيدا و87 جريحا.
ومنذ بداية الحرب على غزة، أي منذ أكثر من تسعة شهور، وكيان يهود يمارس الإجرام بحق الأطفال والنساء والشيوخ، وبحق البيوت والمدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء وخيام النازحين، وفي وضح النهار وأمام كاميرات الإعلام، فتتناثر الأشلاء على الشوارع والرمال، وتترامى الجثث في الطرقات والبيوت بين الركام وتحت التراب، وكأنها ساحة حرب وحشية في معركة عالمية ثالثة، بلا رحمة ولا رأفة ولا أخلاق.
وكل ذلك يقابل بصمت مطبق من مجتمع دولي أعور، يرى بعين المجهر ما يصيب الكفار المستعمرين فيقيم الدنيا ولا يقعدها، وتجتمع من أجلهم المؤسسات والهيئات والرؤساء والشخصيات، ويعقد الأحلاف والاتفاقيات ويخوض حروبا من أجلهم، أما ما يصيب المسلمين وأهل غزة فكأنه حدث عابر أكثر من يستدعيه عبارات استنكار أو تساؤلات بريئة، ليشهد بذلك المجتمع الدولي على نفسه بأنه ما هو إلا أداة الطغاة والاستكبار الفرعونية في الأرض، وما تأسست هيئاته ونسجت قوانينه وحيكت أحلافه إلا لضمان مصالح الاستعمار والاستكبار ودوام الطغاة في الأرض.
وحتى أن من يحاول أن يفسر الأمر بأنه ازدواجية معايير لن يسعفه ذلك التفسير، فالازدواجية تحدث خللا أو تفاوتا أو تباينا يمكن تأويله أو فلسفته بشكل من الأشكال، أما ما يحدث مع غزة ومجازرها فقد تجاوز مرحلة الازدواجية إلى الحقد والكراهية، وقد أزيلت كل المعايير الإنسانية والأخلاقية والمبدئية في تعامل الغرب ويهود مع المسلمين وأهل غزة، فظهروا بأنهم قادة ودول بلا أخلاق ولا قيم، بلا مبادئ ولا إنسانية، جل همهم مصالحهم الاستعمارية، ومكاسبهم الفردانية، حتى لو أبيدت شعوب أو أحرق البشر.
ولا يوجد ما يفسر عدوانية الغرب وتحالفه الأعمى مع كيان يهود، إلا أنهم يعتبرون أنفسهم في حرب عقدية مع الإسلام والمسلمين، حرب كفر وإسلام، فكما توحد الغرب من قبل تحت شعار الحروب الصليبية، ها هو يتوحد اليوم على عداء الإسلام والمسلمين، وما غزة ومجاهدي غزة بالنسبة لهم إلا أعداء يجب القضاء عليهم وإزالة خطرهم من الوجود، وما عدا ذلك من شعارات ووساطات ومقترحات ما هي إلا أدوات تضليل وخداع لضمان نجاح المهمة التي توحدوا من أجل اتمامها.
فهم وإن اختلفوا في بعض التفاصيل، وفي سيناريوهات النصر والانتهاء من المهمة، إلا أنهم لا يختلفون في ضرورة هزيمة غزة وأهلها، وسحق كل مقاومة أو تهديد، حتى لو كان ثمن ذلك عشرات الآلاف من الشهداء، أطفال ونساء وشيوخ، ومائة ألف جريح، وأكثر من نصف مباني غزة، ببيوتها ومدارسها وجامعاتها ومستشفياتها ودور الإيواء ومراكز الخدمات، فكل ذلك عندهم لا يساوي شيئا، فدماء المسلمين ماء عندهم، لا حرمة له ولا عزاء. حتى لو امتلأت شوارع غزة جثثا وأشلاء، وسالت دماء أهل غزة أنهارا، بالقنابل والأسلحة التي يرسلونها ليهود، فلا مشكلة لديهم ولا يهتز لهم بذلك جفن.
وهذا وللأسف هو حال المسلمين كلهم، فتلك دماء المسلمين من قبل في البوسنة والهرسك، وفي الشيشان، وفي أفغانستان، وفي آسيا الوسطى، وفي العراق، وفي سوريا، وفي السودان نرى كيف تزج أمريكا بعملائها في حرب طاحنة تحرق الأخضر واليابس من أجل أن تبقي على نفوذها في البلاد، فكل دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم لا تساوي شيئا عند الغرب المجرم الحاقد، وهو إنما يستعملها وقودا لتحقيق مصالحه ومشاريعه، دون أن يأبه بقيم ولا أخلاق ولا إنسانية.
فما أحوج الأمة الإسلامية والعالم أجمع إلى عودة الخلافة الإسلامية التي تنقذ المسلمين والعالم من وحشية الرأسمالية والديمقراطية، وإجرام فراعنة هذا الزمان، لتحيا البشرية حياة كريمة تليق ببني البشر، بدل شريعة الغاب التي فرضها الغرب على العالم منذ أن هدم دولة الخلافة الإسلامية.
وما أحوج أهل فلسطين وغزة إلى ضباط وأركان يحبون الله ورسوله، ويحبهم الله ورسوله، يحركون جيوشهم للنصرة والتحرير، ويهدمون عروش الحكام الخائنين الذين أسلمونا لأعدائنا وتركونا لقمة طرية لألد أعداء الله يهود.
فهلم يا جيوش المسلمين ويا ضباطها الأحرار إلى تنصيب خليفة راشد يوحد الأمة وينهي عذاباتها.
*بقلم: م. باهر صالح
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين