هدد عضو مجلس الحرب في كيان يهود وزير الجيش السابق، بيني غانتس، بالاستقالة من حكومة بنيامين نتنياهو إذا لم تتم الموافقة على خطة لغزة ما بعد الحرب بحلول 8 حزيران/يونيو المقبل. وفي خطاب ألقاه غانتس، مساء السبت 25/05/2024م، قال إن "أقلية صغيرة سيطرت على قرار (إسرائيل) وتقود البلاد إلى المجهول"، متهماً بعض السياسيين (الإسرائيليين) بالتفكير في مستقبلهم فقط، ما يعني أن "هناك حاجة لتغيير فوري"، وفق ما نقلته وكالة أنباء العالم العربي.
ووضع غانتس في خطابه 6 أهداف للعمل عليها قبل الثامن من حزيرانيونيو؛ وهي إعادة المختطفين، وتقويض حكم حركة حماس، ونزع السلاح من قطاع غزة، وإقامة ائتلاف أوروبي - عربي لإدارة القطاع لا يشمل حماس ولا السلطة الفلسطينية في رام الله بقيادة محمود عباس، وإعادة سكان الشمال، وضمان خدمة كل أفراد الكيان في الجيش.
وبالنظر إلى خطوة غانتس، وهو رجل أمريكا في كيان يهود، نستطيع أن نقرأ توجهات الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالحرب على قطاع غزة.
فمن الواضح وبشكل جلي التوافق اليهودي الأمريكي على حرب الإبادة الوحشية ضد أهلنا في قطاع غزة، ولكنهما يختلفان في التفاصيل وفيما بعد الحرب. وأهم ما أظهره غانتس في تهديده بالاستقالة أمران: الأول ضرورة وضع حد لنهاية الحرب أي عدم السماح بامتدادها إلى 6 شهور كما ألمح نتنياهو بذلك في تصريح له، أو إلى سنة كاملة أو إلى ما لا نهاية. والأمر الثاني هو ضرورة الانتقال إلى ما بعد الحرب في التخطيط والتوافق، وعدم إبقاء الأمر رهن التطورات والزمن.
فأمريكا منذ أشهر وهي تؤكد على ضرورة وضع خطة تنسجم مع التوجهات الأمريكية لما بعد الحرب، والمتمثلة في عدم تقويض حل الدولتين، وعدم إعادة احتلال غزة، وعدم السماح بالتهجير، مع إبداء ليونة في النقاط الأخرى، مثل شكل حل الدولتين، ومن يتولى المرحلة المؤقتة فيما بعد الحرب تمهيدا للمرحلة التالية، وهي كذلك أكدت أكثر من مرة على ضرورة وضع نهاية للحرب وعدم استمرارها إلى ما لا نهاية، لأن أمريكا تدرك أن استمرار الحرب لفترة طويلة يشكل خطرا حقيقيا على كيان يهود، فهي لا تستطيع ضمان بقاء الأمور في المنطقة تحت السيطرة إلى ما لا نهاية في ظل مشاهد الإجرام والوحشية التي تتسبب في رفع درجة حرارة الشعوب المسلمة المتابعة للحرب على غزة، وكذلك استمرار الحرب إلى موعد الانتخابات الأمريكية يشكل إحراجا لإدارة بايدن ويضعف أسهمه في ظل تنامي حالة الرفض الشعبي والجامعي للحرب على غزة.
فأمريكا تريد نصرا ليهود في غزة وتريد ضمان أمنهم المستقبلي وتريد ضمان استعادة الهيبة لهم واستعادة المحتجزين، لأن كل ذلك من وجهة نظرها ضروري لبقاء هذا الكيان السرطاني قويا في خاصرة الأمة الإسلامية، ولكنها تريد ذلك ضمن ترتيبات الحل النهائي سواء بالاقتراب من تحقيقه أو بإزالة ما قد يقف عائقا أمامه.
وفي المقابل، يريد نتنياهو واليمين المتطرف في كيان يهود أكثر من ذلك بكثير، فهو يريد تهجيرا لأهل غزة والضفة، ويريد إعادة احتلال غزة والاستيطان فيها، ولا يريد حل الدولتين لا في الضفة ولا غزة، ولا يريد حركة حماس حركة عسكرية ولا سياسية، وهم يتصرفون على أساس أنهم قادرون على ذلك ولو على المدى الطويل، ولكنهم يصطدمون بالواقع والعجز الذي هو حقيقة فيهم.
ولذلك تحاول أمريكا أن تضع حدا لأحلام نتنياهو وائتلافه الحاكم، ليصحوا من نومهم، وتسمح لغيرها بوضع بعض تلك الحدود أو المساهمة فيها.
في هذا السياق نفهم تهديدات غانتس بالاستقالة من حكومة الحرب وإمهال نتنياهو إلى الثامن من حزيران المقبل، حيث إن ذلك من شأنه أن يضغط على نتنياهو ليعجل في إنهاء الحرب حتى لا يضطر إلى مواجهة غانتس واليسار، والذي قد يعني في درجة من درجاته حل الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وزاد غانتس على ذلك بأن قدم الأحد 26/05/2024م، اقتراحا إلى أمانة مجلس الوزراء بتشكيل لجنة تحقيق حكومية في هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 والحرب اللاحقة بقطاع غزة، والذي يعتبر شكلا من أشكال التهديد لنتنياهو وائتلافه الحاكم، لأن ذلك يعني أن هناك من سيواجه تهمة الفشل أو الإهمال والتقصير، وقد تطال قيادات في الجيش والأجهزة الأمنية ونتنياهو بصفته رئيسا للوزراء.
وفي هذا السياق نفهم قرار محكمة العدل الدولية بوقف عملية رفح، فهو وإن كان غير ملزم لكيان يهود في ظل شريعة الغاب السائدة في العالم اليوم، ولكنه يشكل ضغطا إعلاميا ومعنويا على كيان يهود وحكامه، وكذلك مسألة التهديد بإصدار قرارات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق قيادات الحرب وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يؤاف غالانت، وقائد الجيش هاليفي، والتي تشكل تهديدا شخصيا لهؤلاء الثلاثة، ومن ثم تصريحات الدول الأوروبية بالالتزام بالقرار في حال صدوره كألمانيا وفرنسا وغيرهما، حيث صرح المتحدث باسم المستشار الألماني أولاف شولتس بأن برلين ستعتقل رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو إذا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه، وكذلك أعربت فرنسا عن دعمها للمحكمة الجنائية الدولية بعد أن أعلنت قرارها بطلب إصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين في كيان يهود وكذلك قيادات في حركة حماس في غزة.
فالحاصل أن هناك إجماعاً أمريكيا يهوديا أوروبيا على قتل المسلمين والمجاهدين في غزة، وسحق المقاومة وضمان أمن يهود واستقرارهم في المنطقة، وهم في ذلك يد واحدة، لا فرق بين يمين ويسار ولا بين يهود وأمريكا، ولكنهم يختلفون في اللمسات الأخيرة لإنهاء الحرب وقطف الثمر، ما بين المتعقل وصاحب النظرة البعيدة وبين المتهور وصاحب الأحلام التوراتية، وكلهم في عداء المسلمين واحد، وحتى لو أصر نتنياهو وائتلافه الحاكم على مواصلة الحرب وحرق الأخضر واليابس فلن تغامر أمريكا بالكيان، بل ستبقى داعمة له وحريصة عليه ومتبنية له، ولو اضطرت للتخلص من شخص نتنياهو في نهاية المطاف بعد أن تضمن النصر لكيان يهود.
وما محاولات وسائل الإعلام الشريكة في المؤامرة على فلسطين وأهلها لإبراز التناقضات الداخلية في كيان يهود وتضخيم الخلافات إلا من باب تخدير الأمة وإيهام المتابعين بأن هناك حلولاً ومخارج للصراع غير تحرك الأمة وجيوشها لنصرة غزة وتحرير فلسطين، فمن شأن ذلك أن يخفف من درجة غليان الأمة ويحول دون خروج الأمور عن سيطرة أمريكا والغرب وحكام المسلمين. فهو تضخيم لأشياء ثانوية لا تحسم الصراع ولا تغير مجراه، بل فقط صب للماء فوق النار وبث أمل كاذب يتيح مدة إضافية أمام كيان يهود وأمريكا لإتمام الحرب وتحقيق أهدافهم.
أما أهل غزة وفلسطين فلن ينصرهم خلاف يهود الداخلي ولن ينقذهم الخلاف البسيط بين أمريكا ويهود، بل جيوش الأمة وقواها المسلحة هي القادرة على وضع حد لمأساة أهل غزة وفلسطين، وهي المطالبة بالتحرك نحو غزة وفلسطين والمسجد الأقصى محررة مكبرة ناصرة.
بقلم: المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
المصدر: جريدة الراية