"الانقلاب وما جره علينا من انقسام بغيض نكبة جديدة أصابت شعبنا وقضيتنا ويجب إنهاؤه فوراً، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح في إطار دولة واحدة ونظام وقانون وسلاح شرعي واحد ويجب دعم المقاومة الشعبية السلمية، (كونها) الأسلوب الأمثل لمواصلة نضالنا وتحقيق أهدافنا الوطنية في هذه المرحلة"، بهذه العبارات من رئيس السلطة يمكن الوقوف على نقاط الاختلاف التي يراد تجاوزها ونقاط الالتقاء التي يراد أن يبنى عليها بين الفصائل في اجتماعها الذي عقد في القاهرة.
وقبل الخوض في تفاصيل الاجتماع يجب الوقوف على بعض الأمور المهمة التي تظهر الغاية الرئيسية من عقده، ومنها الجهة التي دعت له وتوقيت الاجتماع والجهة التي احتضنته والجهة التي مهدت لإنجاحه، وبالرجوع قليلاً نجد أن الاجتماع جاء بدعوة من رئيس السلطة محمود عباس وذلك مباشرة بعد اقتحام يهود مدينة جنين ومخيمها، وقد لاقت تلك الدعوة ترحيباً من النظام المصري الذي استضاف الاجتماع وعمل على إتمامه، بينما ساعده النظام التركي على ذلك بجمعه الفصائل ورئيس السلطة قبل ذهابهم إلى القاهرة، وبالنظر إلى هذه المعطيات نجد أن هذا الاجتماع جاء في سياق محلي وإقليمي منضبط بسياسة خارجية تخضع لإملاءات أمريكا أو تتوافق معها وتساندها في توجهاتها المتعلقة بملف الشرق الأوسط وقضية فلسطين. وأمريكا منذ تسلم حكومة نتنياهو للحكم وعملها على تأجيج الأوضاع بشكل أصبح ينذر بتفجرها، وهي تعمل على منع تفجر الأحداث والضغط على كيان يهود لخفض التصعيد ومنع انهيار السلطة وتحريك الأنظمة الإقليمية لمساعدتها على القيام بعملها في منع الأعمال التي تستهدف كيان يهود من خلال الضغط على الفصائل للتوقف عن دعم ردود الأفعال على جرائم كيان يهود التي لا تتوقف خاصة في الضفة الغربية.
ويؤكد هذا التوجه لمنع تفجر الأحداث ما صرح به رئيس السلطة، حيث أكد على التمسك بنهج المقاومة الشعبية السلمية كخيار أمثل للوصول إلى الدولة والاستقلال، وكذلك رفض السلطة إطلاق سراح المعتقلين من حركة الجهاد الإسلامي رغم تهديدها بمقاطعة الاجتماع وهو ما حصل، بل إن السلطة صعدت من أعمالها في جنين ونابلس، ويمكن ملاحظة مدى تأثير الأنظمة الإقليمية والاجتماعات التي ترعاها في ضبط الفصائل وإبعادها عن المشهد ومساعدة السلطة في ضبط الشارع الملتهب بفعل الجرائم التي لا تتوقف خاصة في ظل حكومة قومية توراتية تسابق الزمن في تنفيذ مخططاتها المتعلقة بالقدس والمسجد الأقصى والضفة، ورئيس حكومة يقاتل للحفاظ على ائتلافه ومنعه من التفكك بارتكاب مزيد من الجرائم، وهو ما يستدعي التوجه للطرف الأكثر انضباطاً بل انصياعا في امتصاص ما يحدث ومنع تفجر الأحداث وهي السلطة بشكل مباشر والفصائل من خلال الأنظمة وعلى رأسها نظام السيسي.
وبالإتيان إلى مضمون الاجتماع والقضايا الأخرى التي تناولها والتي تمثل نقاط التقاء وخلاف بين الفصائل والسلطة كما أشرنا في بداية المقال نجد أنها مواضيع مكررة مع كل لقاء، وهي الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتشكيل مجلس وطني جديد وملف غزة ووحدة السلاح والسلطة وتطوير منظمة التحرير، وقد نص البيان الختامي على تشكيل لجنة لمتابعة تلك القضايا والملفات بهدف إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وفق تعبيرهم، وبالتدقيق نجد أن الخلاف يكمن في التفاصيل وليس في الإطار الذي يشمل تلك الملفات، ونقصد هنا مشروع الدولتين حيث أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية ورئيس السلطة محمود عباس على التمسك بالشرعية الدولية وهي الترجمة الدقيقة لمشروع الدولتين، وكذلك الإجماع على اعتبار منظمة التحرير هي القارب الوحيد للوصول إلى شاطئ الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة، وبذلك يبقى الاختلاف في استئثار جهة على أخرى في تلك التفاصيل، حركة فتح في الضفة وحماس في غزة، وعدم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والقبول بالمحاصصة والشراكة الوطنية؛ ولذلك يعتبر الانقسام ظاهرة سياسية متعلقة بالتفاصيل وليس في النظرة إلى الحل وكيف يكون وطريقة تنفيذه، وهذه الظاهرة أريد لها أن تكون وأن تبقى ضمن معطيات خاصة، فإن جاءت ظروف تستلزم الوحدة وإنهاء هذه الظاهرة فسوف تنتهي في اجتماع واحد، أما حالياً فلا توجد مؤشرات على أطروحات سياسية مستعجلة قادرة على إحداث اختراق في القضية خاصة في ظل الانشغال الأمريكي والانقسام داخل كيان يهود، أما إن تفرغت أمريكا ووجدت حكومة من كيان يهود قوية وتريد السير معها ووضعت تصوراً سياسياً للضفة وغزة فعندها تتحول الجبال إلى سهول وتسير العربة بدفع من السيسي ودول الخليج وأردوغان. أو يتحول الانقسام إلى اقتتال فهو عنوان يوظف وفق المعطيات.
وفي الختام: نستطيع القول إن الاجتماع جاء منضبطاً تماماً بالرؤية الأمريكية لتصفية قضية فلسطين، فكان هنالك إجماع على موضوع الشرعية الدولية وإعادة تطوير منظمة التحرير أي مشروع الدولتين الذي يشمل دولة فلسطينية عنوانها منظمة التحرير، وهذا يعتبر أرضية سياسية تصلح للبناء عليها مستقبلاً عندما تتهيأ الظروف السياسية لذلك، وهذا التوجه السياسي العلني عند الفصائل يعتبر مؤشراً خطيراً على توجهها، وفي الوقت ذاته فقد شكل هذا الاجتماع محاولة لضبط الأحداث ومنع تفجرها في وقت لا تعتبر قضية فلسطين أولوية عند الإدارة الأمريكية المنشغلة بملفات كبرى وحساسة مثل الصين وروسيا.
إن هذه الاجتماعات شر في شر ولا تحمل الخير طالما أنها ترتكز إلى القرارات الدولية ومشروع الدولتين، وأن منظمة التحرير بعد أن أدخلت فتح وغيرها من الفصائل في هذا النفق المظلم ها هي تُدخل غيرها، وأن غياب الوعي السياسي وعدم الانضباط الشرعي بالنظر إلى القضية وكيفية حلها جعل تلك الفصائل تنزلق وتدخل في صراع على سلطة تخدم المحتل فضاعت وأضاعت البوصلة، ولطالما حذرنا أن الركض وراء منظمة التحرير فيه دمار وخراب وأن السلطة ورجالاتها يعبثون تحت مسميات وطنية وفصائلية بقضية عظيمة بل وبدماء أهل فلسطين كما يحصل في مخيم عين الحلوة الذي ذهب رئيس المخابرات إليه فأشعل الفتيل وغادر، وأن كيان يهود يسارع الخطا في تنفيذ مخططاته سواء في الضفة أو القدس أو على الحدود مع الأردن، وهذا يستوجب إدراك عظم الخطر واستنفاد كل الطاقات في استنفار الأمة وقواها وجيوشها لإدراك فلسطين وأهلها والتحرك لتحريرها قبل فوات الأوان في ظل أنظمة عميلة خائنة تسبح بحمد أمريكا وتطلب رضا يهود.
بقلم: د. إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
المصدر: جريدة الراية