"إن حل قضية فلسطين وتحقيق السلام العادل والشامل هو خيار استراتيجي وضرورة إقليمية ودولية ومسألة أمن وسلم دوليين، وإن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، وتجسيد دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، بما يحقق حل الدولتين المستند لقواعد القانون الدولي والمرجعيات المتفق عليها والمبادرة العربية للسلام... ووجوب تنفيذ (إسرائيل) التزاماتها وتعهداتها وفقاً للقانون الدولي، وكذلك الالتزامات السابقة المتعددة بما في ذلك ما جاء في مخرجات اجتماعي العقبة وشرم الشيخ وتحمل مسؤولياتها ووقف اعتداءاتها وتهدئة الأوضاع على الأرض تمهيداً لإعادة إحياء مفاوضات السلام... والتأكيد على أهمية الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ودورها في الحفاظ على هويتها العربية الإسلامية والمسيحية"، كان هذا الجزء الرئيسي من البيان الختامي للقمة الثلاثية التي عقدت في القاهرة بدعوة من الرئيس المصري وحضور ملك الأردن ورئيس السلطة الفلسطينية.
يمكن اعتبار هذا الاقتباس من النقاط الرئيسية للبيان الختامي بمثابة خلاصة للقمة وأبرز ما جاء فيها وما تبقى من نقاط في البيان لا يخرج عنه، ويمكن تقسيم ذلك إلى ثلاثة محاور، وهي: مشروع الدولتين، ومنع تفجر الأحداث، والوصاية الهاشمية، وسوف نتناول تلك المحاور بشكل يظهر هدف ووزن هذه القمة السياسي ومدى انعكاسها على قضية فلسطين وعلاقة كيان يهود بها.
لقد تحدثت القمة بشكل واضح عن مشروع الدولتين، وأنه الخيار الوحيد لحل قضية فلسطين وتحقيق السلام الشامل، وأن هذا المشروع هو ما أجمعت عليه المؤسسات والمرجعيات والقوانين والاتفاقيات الدولية، وهذه الجزئية - مشروع الدولتين - هي العنوان الرئيسي لكل الاجتماعات والقمم المتعلقة بقضية فلسطين منذ أن أمسكت أمريكا بالملف وتبنت مشروع الدولتين كحل سياسي، وما بقيت متمسكة بهذا المشروع كما أكدت يوم الجمعة الموافق 2023/8/18 على لسان نائب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية فيدانت باتل، وذلك رداً على سؤال مراسل صحيفة القدس دوت كوم حول تخصيص كيان يهود 180 مليون دولار لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، فإن الأنظمة سوف تبقى متمسكة بمشروع الدولتين وتغمض عينيها عن تجاوز كيان يهود للمشروع بخطوات عملية لم تبق أرضاً لدولة ولا لشبه دولة، وهذا غير مستغرب من تلك الأنظمة، فالعبد ينطق بلسان سيده، ولكن التأكيد على ذلك المشروع لا يعني أن القمة كانت لأجله، فأمريكا مشغولة بملفات كبرى وهي حرب أوكرانيا والصين، وقضية فلسطين لا تحتل أولوية حالياً في ظل اقتراب موعد التحضير للانتخابات الأمريكية ووجود حكومة قومية توراتية في كيان يهود لا تسعى للحل ومترنحة لا تقدر على اتخاذ قرارات مصيرية بالنسبة للكيان، وهذا يدفعنا إلى الانتقال للمحاور الأخرى للقمة لتتضح الصورة القاتمة لهذا الاجتماع الثلاثي.
خفض التصعيد ومنع تفجر الأحداث كان محوراً أساسياً للقمة، التي تناولت بشكل واضح هذا الأمر، حيث تحدثت عن ضرورة التزام كيان يهود بمخرجات قمتي العقبة وشرم الشيخ، وحقيقة تلك المخرجات أنها تتمحور حول وقف اقتحامات يهود للمدن والمخيمات وإعطاء مجال للسلطة للتعامل مع المسلحين وفرض سيطرتها في المناطق التي من المفترض أنها تابعة لها، وقد ركزت القمة على ذلك كون كيان يهود لم يلتزم بشكل كامل بمخرجات تلك الاجتماعات وهو مستمر بعمليات الاقتحام والتصفية للمجاهدين بشكل يحرج السلطة ويشعل غضب الناس وينذر بتفجر الأحداث، وبينما تستجدي الأنظمة كيان يهود للالتزام بتلك المخرجات فإنها تضغط على السلطة ورئيسها للقيام بحملات جادة وقوية تستهدف المجاهدين ووجودهم وتمنع أي أعمال تستهدف أمن يهود، خاصة وأن الأنظمة تدرك مدى حاجة نتنياهو وحكومته لاستمرار عمليات الجيش في الضفة في ظل الأزمة الداخلية واستمرار الاحتجاجات، وإن كان كيان يهود ليس بحاجة إلى ذريعة للقيام بذلك ولكن في ظل الضغط الأمريكي والأوروبي وما اتفق عليه في العقبة وشرم الشيخ تعتبر تلك الأجواء من فقدان السلطة للسيطرة ووجود المسلحين أجواء مناسبة له للتصعيد بغطاء سياسي وهو حماية أمنه، والهدف من ذلك التوجه للقمة لخفض التصعيد هو تنفيذ رغبة أمريكا في إدارة الملف ومنع تفجر الأحداث وليس حماية المجاهدين، فالأنظمة تريد التعامل مع المجاهدين من خلال السلطة كما هو حاصل حالياً وهي تدعمها في ذلك وتضغط على الفصائل لرفع الغطاء عن تلك المجموعات الجهادية حتى باتت عمليات التصفية والاغتيال لقيادتها تحدث بشكل شبه يومي دون أن يحرك أي فصيل ساكناً، بينما نتنياهو يريد أن يكون ذلك بشكل مباشر من خلال جنوده دون الاستغناء عن خدمات السلطة، فالهدف بنظره سياسي وليس عسكرياً فقط.
ويبقى المحور الثالث للقمة وهو الوصاية الهاشمية، حيث بات النظام الأردني الضعيف يتخوف على وصايته الشكلية في ظل الحديث عن قرب التطبيع مع نظام آل سعود والدخول الإماراتي والتركي من خلال الدعم والمؤسسات على خط نفوذه الشكلي في المسجد الأقصى، والنظام الأردني يعتبر تلك الوصاية ركيزة من ركائز الأسرة الهاشمية التابعة لبريطانيا خاصة في ظل حالة الضعف التي نخرت كرسي الملك والاختراق الأمريكي الكبير للمملكة، وكذلك يعتبرها أداة سياسية مهمة ليبقى جزءاً مؤثراً في أي تسوية سياسية متعلقة بالقدس والضفة الغربية، ولذلك هو يقاتل سياسياً للحفاظ عليها ولو بشكلها الذي يكاد ينحصر في تغيير سجاد المسجد القبلي بعد حرقه وتدنيسه من جنود كيان يهود!
إن هذه القمة بمحاورها الثلاثة؛ مشروع الدولتين، وخفض التصعيد، والوصاية الهاشمية، كلها شرٌ في شر على القضية وأهل فلسطين، وهي طعنة غدر في اللحظة التي يسفك فيها كيان يهود الدماء في نابلس وأريحا ويعلن عن مشاريع تهويدية تبتلع ما تبقى من الأرض في الضفة الغربية، ويُهوِّد ما تبقى من القدس ويخطط لتقسيم المسجد الأقصى مكانياً ويتحدث عن مشروعه القومي التهويدي القائم على القتل والتهجير لأهل فلسطين، وتُظهر هذه القمة أن الأنظمة هي جزء من مأساة الأمة وأهل فلسطين، وأنها جزء من النكبة وليس الحل، وإن الحل يكون بأن تُسقط الشعوب بمكوناتها المدنية والعسكرية تلك الأنظمة في الأردن ومصر والسودان وتركيا وباكستان والجزائر وكل بلاد المسلمين وتسلم البلاد لقيادة مخلصة وواعية تنظم الجيوش وتعلن الجهاد لتحرير فلسطين وإنقاذ أهلها، قال تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾.
بقلم: د. إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)