كثيراً ما يخرج علينا حكام المسلمين بأقوال لا تنطبق على أفعالهم ولا تمت إليها بأية صلة، إنما هي محض كذب وتضليل وافتراء !!..
ففي أواسط القرن الماضي كان القوميون يقولون كلاماً يجذب العقول، ويضبع النفوس التي لا تعرف ولا تعي حقيقتهم؛ فمرة يريدون حرق "إسرائيل"، ومرة إغراقها في ماء البحر، ومرة إزالتها عن الخارطة، ومرة .. ومرة .. ولم يكن كلام هؤلاء الحكام سوى كذب وتضليل، ليس له واقع من التطبيق العملي ولو لمرة واحدة، ولا أساس له من المصداقية، بل إن أعمالهم في أرض الواقع كانت تخالف أقوالهم تماماً، حيث كانت جيوشهم تصطنع الهزائم تلو الهزائم، وكان كيان يهود يمتد في كل اتجاه على أرض المسلمين في مصر وسوريا والأردن ولبنان، ويحقق الانتصارات الوهمية على تلك الشعارات القومية الكاذبة !!..
واليوم تتكرر نفس الأكاذيب ولكنها هذه المرة بغطاء الإسلام؛ فمرة يخرج علينا زعيم الجمهورية الليبية في المغرب العربي ويريد إعلان الجهاد على سويسرا بسبب منعها لتشييد المآذن، ومرة يخرج علينا أحمدي نجاد زعيم الجمهورية الإيرانية ويقول : إذا اعتدت إسرائيل على إيران فإن إيران بقواها العسكرية وصواريخها بعيدة المدى ستزيل هذه الدولة عن الخريطة.
إن هذا الكلام وغيره من أكاذيب ملفقة ومغطاة بلباس الجهاد ضد الكفار ليس له أي واقع ولا قاعدة من الصحة، وهو يذكرنا بقصة المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وأخذوا يختلقون الأعذار للرسول صلى الله عليه وسلم، فأذن لهم الرسول، ثم جاء الخبر من السماء معاتباً للرسول صلى الله عليه وسلم، ويبين حقيقة ساطعة تصف حال هؤلاء المنافقين وكذبهم، فقال تعالى : { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ } التوبة 46؛أي لقاموا بالاستعداد العملي والنفسي للجهاد في سبيل الله، ولكنهم بيتوا في نفوسهم القعود ابتداء ولم يعدوا العدة للجهاد، أما الذين أرادوا الجهاد فإنهم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم لا يجد حذاء ينتعله في قدمه، ولما اعتذر الرسول عن إمكانية حملهم معه، تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً، قال تعالى مبيناً هذه الحقيقة : {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ}92 التوبة
وفعلاً هذا هو حال هؤلاء الكذّابين من المثرثرين المتشدقين بالشعارات الجهادية وبإزالة "إسرائيل" عن الوجود، فنقول لهؤلاء : أين هي القاعدة الجهادية التي أعددتموها بين أفراد الجيش بين الناس، وأين تطبيق الإسلام الذي صدقتم الله فيه قبل أن تصدقوه بالخروج بالجهاد ؟ ! ماذا طبق العقيد القذافي من أحكام الإسلام داخل ليبيا حتى يغار على مآذن المساجد في سويسرا ؟! وأين هي ثقافة الجهاد التي أرساها في وحدات الجيش بالإعداد والاستعداد ؟!
إن العقيد القذافي هذا هو أشد الناس حرباً على المساجد وعلى المآذن، وذلك بمنع ذكر الله بالطريقة الصحيحة من هذه المساجد والمنابر، ومن أشد الناس عداء لمن يعملون على تطبيق أحكام الإسلام، وهو يلاحق حملة الإسلام على اختلاف مذاهبهم، فيضع في السجون ويعذب، ويعدم العشرات من المخلصين، بل إن هذا العقيد هو أول من تجرأ على دين الله بإلغاء السنة النبوية، وتأليف الكتاب الأخضر الذي يعلن الحرب على أفكار الإسلام جملة وتفصيلاً !!...
ونقول كذلك لهذا الكذاب المفتري : من الأولى بالجهاد والقتال – لمن يريد القتال – سويسرا أم كيان يهود؛ الذي هدم أكثر من ثمانين مسجداً في حربه ضد غزة هاشم ؟! ، من الأولى في القتال من يقتل الناس جهاراً نهاراً في المسجد الأقصى المبارك ؛ أولى القبلتين أم من يمنع تشييد مئذنة في بلاد الكفار ؟! أليس حريٌّ بمن عنده هذه "الحرارة الإيمانية الجهادية" أن يتمرد على أوامر أمريكا التي قصفت ليبيا بالطائرات العملاقة، وقتلت وخربت، وأن لا يسلمها مطلوباً من أبناء الشعب الليبي، وأن لا يبعث بمعداته العسكرية محملة على الطائرات رغباً ورهباً من عقوبات أمريكا؟!
إن هؤلاء الحكام لا يتقنون إلا فن الكذب، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، ويظنون أن الناس لا تعرفهم، ولكن الحقيقة هي أن أكاذيبهم وشعاراتهم لم تعد تنطلي إلا على قلة قليلة من الناس، وسيأتي اليوم عما قريب بإذنه تعالى لتقتص الأمة منهم، وتعلّمهم وتعلّم غيرهم من المضبوعين بكذبهم كيف يكون الجهاد الفعلي في ساحات الجهاد، مصداقاً لقوله تعالى : { فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون } وقوله : { قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظه } وقوله : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض .. } عندها وعندها فقط يعرف الكفار من هم المسلمون، وتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الكفار هي السفلى !!