قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن "احتمالات حل الدولتين تبدو بعيدة لكننا ملتزمون به، وكل ما يبعدنا عنه يضر بأمن (إسرائيل) على المدى الطويل".
بهذا التصريح لا يبقي وزير الخارجية الأمريكي مجالا للتضليل، فحل الدولتين يضمن بقاء كيان يهود، ويثبت أركانه في الأرض المباركة، وأمريكا بوصفها الدولة الأولى في العالم ترى في وجوده مصلحة لها باعتباره قاعدة متقدمة لها في حربها ضد الأمة الإسلامية، بل قاعدة متقدمة للغرب كله في حربه على الإسلام حضارة وأمة، لذلك يرون ضرورة في وجوده ودعمه.
ولدعم هذا الكيان وجعل وجوده طبيعيا لا بد من دمجه في البلاد الإسلامية ضمن صيغة أو حل معين يبرد المنطقة الملتهبة بمشاعر الأمة الإسلامية التي تتشوق لتحرير الأرض المباركة، وليست هناك صيغة سحرية لدى أمريكا أو الغرب تحل القضية حلا واقعيا يرضي الأمة أو يكبت مشاعرها للأبد تجاه قضية فلسطين.
فقضية فلسطين تتشابك فيها قضية الإسلام والأمة الإسلامية والموقع الاستراتيجي والاستعمار والأنظمة العميلة له والتي لا يخاطر باستقرارها خشية على مصالحه في بلادنا، التي يريد الغرب المستعمر وعلى رأسه أمريكا أن تبقى مزرعة له؛ يمتص ثرواتها ويستعبد شعوبها. ولضمان ذلك يسعى لتسكين المنطقة وإطفاء النار التي تشتعل في النفوس جراء احتلال مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام وتهدد عروش عملائهم في بلاد المسلمين فكان لا بد من حل ينزع فتيل الاشتعال ويضمن الاستقرار لعملاء الاستعمار في الأنظمة الحاكمة في بلادنا وأمن كيان يهود ووجوده في حدود الواقع، حل في ظاهره الإنصاف والعدل يعطي أهل فلسطين دولة، وكيان يهود دولة، وبذلك تحل هذه القضية، وينتهي الصراع كما جاء في نص المبادرة العربية... حل يسمى "حل الدولتين".
وحل الدولتين هذا في جوهره يعطي جل الأرض المباركة ليهود، مقابل كيان أمني هزيل وظيفته حماية كيان يهود، وعلى الرغم من تبني أمريكا لهذا الحل، إلا إن كيان يهود يتهرب دوما منه ويريد بسط سيادته على كامل فلسطين.
فلسطين، تلك الأرض المباركة التي تدرك أمريكا تعقيدات واقعها وارتباطها بقضية الإسلام ذاته، وتدرك أن كيان يهود أصغر من أن يواجه أمة الإسلام أو أن يتوسع أكثر مما فعل أو أن يقف في وجه أمة متحفزة للانقضاض عليه، فتسعى من خلال حل الدولتين لحماية الكيان الغاصب وضمان أمنه ومصالحها في المنطقة وتحرص دوما على طرح هذا الحل بغض النظر عما إذا كان قريب المنال أو بعيده، أو أن له واقعاً ومضموناً حقيقيين على الأرض أم لا واقع له على ضوء توسع المستوطنات والتهام كيان يهود للأرض، التي لم يتبق منها إلا كنتونات مغلقة على أهلها ببوابات حديدية، لكن أمريكا تكون بذلك قد وضعت نظريا على الأقل نهاية للصراع كما جاء في المبادرة العربية للسلام التي تعبر عن تنفيذ الأنظمة العميلة لما صرح به وزير خارجية أمريكا بلينكن، الذي قال بشكل صريح وصارخ إن أمريكا تسعى لضمان أمن كيان يهود عبر حل الدولتين، وأدواتها في تنفيذ هذا الحل هم حكام المسلمين.
والأمة الإسلامية العظيمة صاحبة التاريخ والانتصارات لا ترى غير تحرير الأرض المباركة حلاً... حل كرسته تاريخيا، فعندما احتل الصليبيون الأرض المباركة تحركت الأمة وطهرتها منهم، ولم يكن يخطر على بال أحد خيار الخيانة عبر اقتسام هذه الأرض مع الصليبيين، فلم يلتق صلاح الدين مع البابا أيامها ليعقد حلا تقسم فيه الأرض المباركة بين الصليبيين وبين الأمة الإسلامية في دولتين، بل التقى معهم في حطين، وكنسهم من بلادنا واقتلع المملكات الصليبية من كل بلاد المسلمين.
وتحرير الأرض المباركة واقتلاع هذا الكيان من جذوره مرة واحدة وإلى الأبد هو مسؤولية الأمة وواجبها، فالأمم الحية تتحرك عسكريا لتحرير أرضها، فدول أوروبا وروسيا خاضت حروبا لتحرير أراضيها من الاحتلال النازي، وتحركت أوروبا كلها عسكريا وحشدت جيوشها في وجه نابليون عندما أراد التوسع في أوروبا، لكن أمريكا وأذنابها الحكام الخونة يريدون من الأمة الإسلامية أن تسالم وتطبع وتتقاسم الأرض مع هذا الكيان الغاصب!
كيان بات التعامل معه يكشف التناقض والعمالة التي تنخر الأنظمة والحكام في بلادنا، ففي الوقت الذي تقاتل فيه أوكرانيا على كل شبر من أراضيها من أجل دفع الاحتلال الروسي عن أرضها ويساندها الغرب ويدعمها بالمال والسلاح، ويتبع حكام المسلمين أمريكا في سياستها وينادون بوحدة أراضي أوكرانيا حتى ترجع كل أراضيها بما فيها القرم، في الوقت نفسه وعند الحديث عن الأرض المباركة يريد الكل بمن فيهم حكام المسلمين أن نقتسم هذه الأرض قسمة ضيزى مع المحتل الغاصب عبر ما يسمى حل الدولتين! هذا المطلب الذي يكرره حكام المسلمين في كل مناسبة بات علامة على خيانة الأنظمة الحاكمة في بلادنا وحرصها على مصالح أمريكا وكيان يهود، وقد آن للأمة الإسلامية أن تستعيد سيادتها وإرادتها وقرارها السياسي وتقتلع هؤلاء الحكام الخونة وتقيم الخلافة على منهاج النبوة، وحينها فإن تحرير فلسطين لن يأخذ من الأمة الإسلامية إلا ساعة من نهار، فأمتنا عظيمة وعملاقة لا يقف في وجهها كيان هش مصطنع ولا مستعمرون جبناء، ولكنها مكبلة بحكام خونة عملاء، آن لرجالها وجيوشها أن يقتلوهم ويهدموا عروشهم ويفكوا قيد هذه الأمة العملاقة.
بقلم: الدكتور مصعب أبو عرقوب
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)