بقلم الدكتور مصعب أبو عرقوب
تتنافس شركات الاتصال على تغطية اكبر مساحة جغرافية بتردداتها لضمان شريحة أكبر من المستهلكين ولن تستطيع الإفلات من تغطيتهم عبر نظام التجوال وتقاسم الشركات للفضاء، و بكبسة زر عند استعمالك للهاتف تفقد حريتك وتفتح جيبك للتعرفة التي تمليها تلك الشركات بلا رقيب أو حسيب، وقد تغريك بعض العروض والحملات الترويجية فتصرف في الرسائل والاتصال لتتفاجئ بفاتورة فلكية ...كل ذلك لأنك لم تنتبه للجملة الأخيرة ذات الخط الميكروسكوبي في نهاية الإعلان والتي تنص على  أن "الأسعار خاضعة لشروط الحملة"  وإذا كنت ممن حالفهم الحظ وقرأت  تلك الجملة فإنك لن تجد الوقت لتتصل وتسأل عن تلك الشروط وإن وجدته واتصلت فستكون الشروط غامضة لدرجة تشككك في قدراتك العقلية على فهم ما يقوله موظف الاستقبال بشكل سريع وشبه آلي.
وفي عصر الفضاء المفتوح أصبح لا بد لكل صاحب رسالة أن يدرك الشبكة التي يستخدم والتعرفة والشروط التي يتوجب عليه دفع فواتيرها   إن استخدم أو اختار شبكة معينة، فقرار محكمة لاهاي بخصوص عدم شرعية الجدار الذي تقيمه إسرائيل وما تبعه من تقرير جولدستون   و مذكرات اعتقال لمجرمي حرب غزة لا تعدو كونها رسائل ضمن شبكة عالمية تخضع في قوانينها وعلاقاتها لسيطرة الدولة الأولى وبالتالي لمصالحها الاستعمارية في عالمنا العربي والإسلامي، وسرعان ما تتبخر تلك القرارات والمذكرات ويضلل السامع بآلاف التبريرات والتفصيلات والجداول الزمنية والمعايير الدولية وآليات التطبيق ومؤشرات النجاح وضرورة خضوعها للتصويت والمصادقة والعرض على مجلس الأمن في دوراته  دون أن يفضي ذلك إلى تغيير أي شيء،
 وما أن تنتهي قضية وتنسى حتى تبدأ أخرى تعطي فتات من الأمل للذين لم يدركوا طبيعة الشبكة أو لم يتمعنوا في شروط الحملة لتنهال عليهم الفواتير بأثمانها الباهظة، فالأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية لا تخرج عن كونها أجهزة تنفيذية لشبكة السياسة العالمية التي تتفرد بقيادتها الولايات المتحدة الأمريكية، واللجوء لمجلس الأمن أو المحاكم الدولية أو لجان حقوق الإنسان لإنصاف المظلومين  سطحية في التفكير و إمعان في تضليل الشعوب وتخديرها، فالحقوق والبلاد لن ترجع عبر هذه الشبكة العالمية.
 وإذا كان من منطق  الأنظمة الإقليمية الحاكمة التي تستمد شرعيتها من خلال ارتباطها بالمنظومة العالمية أو الشبكة الدولية التوجه للمؤسسات الدولية لإحداث جعجعة كي لا تبدو عاجزة قاصرة أمام مآسي وطموحات مواطنيها،  فإنه ليس من الشرعي ولا المنطقي ارتماء بعض الحركات ذات التوجه ألتغييري في أحضان الأنظمة والحكومات  وكيل المديح لبعض زعمائها واستجدائهم لفض الخصومات أو رفع الذل عن الشعوب، في اعتراف صارخ بشرعية تلك الأنظمة بل إن الأمر قد وصل ببعض تلك الحركات إلى طرق أبواب المؤسسات الدولية في تجاهل واضح لقيمة الفواتير التي يتوجب دفعها في حال استخدامها لتلك الشبكة،
 فشروط الرباعية والاعتراف بإسرائيل والقوانين الدولية والاتفاقيات السابقة والتخلي عن العنف ونبذ الإرهاب فواتير تستحق الدفع حال استخدام تلك الشبكة. ولا يمكن لتلك الحركات المماطلة كثيرا أمام شعوبها كما لا يمكنها رفض دفع الفواتير فالقانون لا يحمي أولائك الذين لم يدركوا شروط الحملة فخطوط السياسة أدق من ذلك الخط الميكروسكوبي في نهاية الإعلان، ولا بد لتلك الحركات إن هي أرادت الرجوع إلى صفوف الجماهير أن تسحب اشتراكها من تلك الشبكة وتخرج لتستمد شرعيتها من التمرد على شروطها الظالمة وإلا فإنها ستستمر في دفع الفواتير حتى تعلن إفلاسها أمام شعوبها وهو ما لا نتمناه لتلك الحركات وننتظر منها رفض الارتهان لأي شبكة غريبة عن الأمة ومبدأها.
أما إذا كنت من المحاصرين في غزة أو المشردين في شوارع القدس أو الفقراء في مصر أو أحد المظلومين في العالم الإسلامي أو من تلك الحشود التي تتطلع إلى نصر أو تحرير للبلاد والعباد أو حتى كنت سفيرا أهينت كرامته إن كنت من أولائك   فلا ترسل صرخاتك  وطموحاتك عبر تلك الأنظمة الحاكمة ولا تنتظر نجدة من المحافل الدولية فصرخاتك واستغاثتك ستصب حتما في شبكة لست من رعاياها، وإن لم تكن مطلعا على شروط الحملة وطلبت تفسيرا فستغمرك التصريحات عن سيادة الدولة وضرورات الأمن القومي واختلال موازين القوى، والتهديد الفارسي وقد تقع تحت طائلة الأحكام العرفية أو تطالك قوانين مكافحة الإرهاب أو تصبح فاسقا ظلاميا بفتوى من علماء الشبكة .
عندها فقط ستدرك حقيقة تلك الشبكة وستدرك انك وأمة من المحيط إلى الخليج.....خارج نطاق الرعاية الحقيقية وأنه لا راع لك ولا منجد.
وعلى الرغم من حداثة الاتصال عبر الأقمار الصناعية فإن الأمة الإسلامية كانت تحظى بتغطية لكل رعاياها فقد كان يكفي لامرأة اعتُدي عليها أن تصرخ وامعتصماه حتى تقع تلك الاستغاثة ضمن شبكة تحكم بأنظمة وقوانين الإسلام لتلقى الاستجابة السريعة من المعتصم يثأر لها ويفتح عمورية فيكون السيف اصدق إنباء من الكتب والقرارات والمذكرات ولجان التحقيق والمؤتمرات والتصريحات والقمم والتهديد والاستنكار وسحب السفراء .
وما لم تنتظم الأمة في شبكة واحدة يمتد نطاقها من المحيط إلى الخليج تحت راية واحدة فإنها ستبقى شذر مذر ولن تلقى صيحات واستغاثات شعوبها أي استجابة فإنها على هذه الحالة ستبقى..... خارج التغطية.
26.1.2010  
 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير - فلسطين