بلاغ مفتوح إلى قاضي المظالم المفقود في زمن الجور
من الدكتور ماهر الجعبري – عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
 
"هل سيطخّوننا كلنا يا أبي"، هذه الكلمات كانت ردة الفعل العفوية لابني سيف البالغ من العمر 6 سنوات وهو يرى حشدا عسكريا من قوات مدججة بالسلاح تحاصر منزله وتصرخ تطالب بخروج أبيه في ليلة باردة عاصفة. وهي الليلة التي توافقت مع ذكرى إقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، فكانت تلك الذكرى مناسبة لدى من حاصر المنزل لطلب اعتقال من يدعو إلى إقامة دولة الإسلام الثانية على منهاج النبوة.
وتلك العبارة الطفولية هي من أهم ما ستحتفظ به ذاكرتي لأبني الذي أحبَ أن يناديه جارنا أبو إبراهيم "سيف الخلافة"، ثم تعلّم لاحقا أن هذا اللقب يحمل خطورة أمنية لا يستطيعها في طفولته البريئة.
وكان ابني قد سألني منذ عامين تقريبا: "هل السلطة كفار" في سؤال عفوي آخر عندما شاهد صورة السواعد الأمنية التي امتدت لاعتقال أبيه في شارع السلام في مدينة الخليل يوم 29/7/2008. وبالطبع كنت أجيبه باستمرار وعلى مستوى فهمه: "لا يا بني، ولكنهم يعملون خطأ".
صورة أرشيفية لمحاولة اعتقال الكاتب يوم 29/7/2008
 
وهكذا تتكرر الأسئلة على لسان ابني وعلى ألسنة آلاف الأطفال من أبناء فلسطين، الذين يتعرض آباؤهم للاعتقال في حملات أمنية متكررة: مَن هؤلاء؟ وهل هم معنا أم ضدنا؟ ولا شك أن أسئلة الأطفال البريئة تكون أحيانا أشد وقعا وأصعب تناولا.
 
وحيث أن أنظمة الجور القائمة في بلاد المسلمين لا تقبل وجود جهة قضائية عليا تكون صاحبة صلاحية في تحقيق العدل وإقامة القسط، خصوصا إذا كان ضد صاحب السلطان، كان طبيعيا أن أندفع مباشرة إلى الأمام، نحو المستقبل المتحقق قطعا بوعد الله وبشرى رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم، إلى حضرة قاضي المظالم في دولة الخلافة القادمة، الذي لن يتوانى عن محاسبة الخليفة نفسه إذا ظلم أحد أفراد الرعية، أو اغتصب حقا من حقوقه.
 
وبدوري أحوّل هذا الأسئلة الطفولية العفوية إلى قاضي المظالم المفقود في زمن الجور، آملا منه أن يضع الوصف القانوني لهؤلاء الذين تمتد سواعدهم لاعتقال الناس، وأن يحدد الواقع القضائي لعملهم حسب قانونهم الوضعي. أمّا وصف تلك الأعمال حسب القانوني الشرعي فلا يحتاج إلى بيان.  
 
حضرة قاضي المظالم:
لقد ظلّ ابني سيف يترقب حضورهم كل ليلة، وصارت أخته الأصغر "سرايا" تترقبهم أيضا، وظل ابني يردد: "أريد أن أقول لهم يا جنود ..... "، ولا شك أنك تعلم من هو المضاف إليه في تعبير ابني، بعد أن طبعوا في ذهنه معنى هضم حقوق الناس ومعنى انتهاك حرمات البيوت في ظلمات الليل البارد.
 
ومن هنا أوجّه هذه الدعوى من خلال هذا البلاغ المفتوح ضد كل من تسبب ببث الرعب لدى ابني سيف وبقية إخوته، وكل من تسبب في تشويه طفولته البريئة، لمحاسبته قضائيا من خلالكم، وعلى أساس من العدل، آملا أن يكون هذا البلاغ نيابة عن طفلٍ من وليّ أمره، سواء تمكن من الوصول إليكم، أم منعته الحواجز الأمنية المنصوبة على الطريق الموصول لإقامة حاضرة الخلافة.
وجدير بالتأكيد لكم أن صاحب السلطان المتسلّط علينا قد سمح بتنفيذ برامج الدول المانحة التي ترفع دعوى حماية الطفولة، ولكنها في الوقت نفسه ظلّت تموّل الجهات نفسها التي تشوّه الطفولة البريئة. وكانت لدينا مؤسسات لحقوق الإنسان ظلّت تراقب وتصدر تقارير حول انتهاك حقوق الناس بلا تغيير ولا تأثير، وخصوصا عندما يتعلّق الأمر بحملة الإسلام السياسي، فآمل أن تحاسبوا كل من ساهم في تشويه الطفولة البريئة لأبناء المسلمين في أصقاع الأرض، بشكل مباشر أو غير مباشر. 
 
وإن أولئك الذين أتوا لمحاولة اعتقالي ورفضت الانصياع لأوامرهم، قد هددوا بالمحاولة من جديد، وبالطبع سأتوجه إلى عملي في الجامعة كالمعتاد مع كل صباح، بإذن الله، وسأتابع دوري في تخريج مهندسين ذوي كفاءات عالية لخدمة أمتهم وبلادهم، وليكونوا جاهزين للبناء في دولة تحقق العدل والعزة لأبنائها، كأي إنسان لا يحمل أية تهمة.
ومن هنا أعلمكم أنني في حالة تعرضي لمحاولة اختطاف جديدة من قبل أي جهة ذات ملفات وظيفية ضمن سجلّات السلطة الفلسطينية، فإني أتوجه بدعوة قضائية عاجلة ضد من يعمل هؤلاء الموظفون لديهم ابتداء من رئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس حكومته، ووزير داخلتيه، كحق شخصي، وكواحد من أبناء فلسطين، وكابن من أبناء عشائرها الغائرة جذورها في تاريخ فلسطين منذ سبعة قرون أو تزيد.
وآمل أن أجد من وسائل الإعلام من يحمل بلاغي هذا إليكم.
وإنني أرفض رفضا باتا أن اقبل طوعيا أن تحقق معي أية جهة كانت تحت وقع التهديد والوعيد والسلاح، ولكنّي مع ذلك أقبل أي مواجهة مع أي جهة إذا قبلت تلك الجهة أن يكون ذلك على الهواء مباشرة من خلال فضائيتها الرسمية، أو من خلال أي وسيلة إعلامية أخرى تمتلك الجرأة الكافية لفتح المنبر للمحاسبة السياسية. فمن أمِن الفضيحة قبلَ "الشفافية"، وخصوصا وشعار "الشفافية" ظل مرفوعا، ومنطوقا على ألسنة الرسميين في السلطة الفلسطينية.
آملا منكم – يا حضرة قاضي المظالم- متابعة دعوى ابني وهذا البلاغ، في أقرب فرصة بعد الخبر العاجل بانبثاق الخلافة من جديد، يوم غد أو الأسبوع القادم، أو الشهر القادم، أو السنة القادمة.
وآمل أن تعطوا ملفي هذا الأولية الأولى، قبل أن تفنى أعمار الذين ظلموا وجاروا لينالوا جزاءهم في الدنيا قبل الآخرة، وخصوصا أنني لا أعلم عن أي مبلّغ قبلي حتى الساعة، ولعلّ الدعاوى القضائية تنهال عليكم من بعده، لشدة ما تعانيه الأمة من ظلم وجور من قبل سلاطين ترعى مصالح الغرب في بلاد المسلمين.
 
أعانكم الله على حمل ملفات الظلم والجور الهائلة التي تسببت بها هذه الأنظمة الجبرية، وحقق على أيديكم العدل الضائع.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الخليل – فلسطين المحتلة في 18/12/2009