تعليق صحفي

في مصر تغول علماني وكفاح يحتاج إلى قيادة فكرية

  أنهت لجنة الخمسين تعديل الدستور المصري، وختمت ذلك بتعديل مادة تحدد تعيين وعزل وزير الدفاع بالمؤسسة العسكرية (الجزيرة نت 30/11/2013)، فيما تصاعدت الأحداث السياسية والشعبية، وذكرت الجزيرة نت أن "اعتقال النساء وقانون التظاهر يؤجج احتجاجات مصر" (29/11/2013)، ونقلت في 1/12 عن مصدر أمني خبر "اعتقال 85 متظاهرا في عدد من المناطق بمصر بتهمة مخالفة قانون التظاهر"، فيما نقلت عن أهالي فتيات الإسكندرية المحكومات عليهم بالسجن تساؤلهم الاستنكاري: "كيف ينام الظالمون؟!"، وأكدت سمية إحدى الفتيات أن الحكم لن يكسر عزيمتهن.

قيل "لا يمكن لجيش جرار أن يهزم فكرة حان أوانها"، ومع تقرير هذه الحقيقة، لا بد من وقفة فكرية-سياسية أمام المشهد المصري المتأزم، في محاولة لاستعادة الصراع إلى سياقه الكفاحي الصحيح:

إن هذه الأحداث تكشف عن تصاعد التغول الأمني وعن استعادة الشرطة المصرية شهيتها للقمع والتنكيل، واستعادة القضاء دوره في خدمة الأجندة القمعية، وقد استمرأ أن يحاكم ويجرّم فتيات بريئات تتطلعن لمستقبل أفضل، بينما لا زال عاجزا عن أن يحاكم الرئيس المصري الأسبق مبارك بما يستحق على جرائمه الطويلة في إغراق مصر في مستنقع العمالة والشقاء طيلة العقود الماضية.

ورافق ذلك تغول سياسي من قبل التيارات السياسية والمنابر الإعلامية التي ارتمت في حضن العسكر وباركت انقلابه، واشتغلت معه على "شيطنة الإسلام السياسي" في سياق كفاحها ضد حكم الإخوان. كل ذلك بالترافق مع تغول فكري تمثلت ذروته في سعي تلك القوى لتركيز العلمانية في الدستور الانقلابي المعدل، رغم ما في السابق من علمانية صارخة.

ومع تجرؤ الثائرين من أهل مصر على مواجهة ذلك التغوّل، تبرز حاجة الثورة المصرية -بشكل أكثر إلحاحا- إلى القيادة الفكرية التي يمكن بها للثورة أن تقلب الطاولة فوق الرؤوس العميلة التي ارتفعت وتغولت.

والقيادة الفكرية المفتقدة، ليست شخصيات سياسية أو قيادات شعبية تحمل فكرة التحرر، بل هي الفكرة القوية المؤثرة التي تقتنع بها العقول وتشتعل بها القلوب. ولا شيء أعلى في ذلك من عقيدة الإسلام وفكرته السياسية الصافية ذات الطبيعة الكفاحية العالية.

وهذه القيادة الفكرية الإسلامية اللازمة لإنقاذ مصر يمكن ترجمتها ضمن مشروع سياسي يتمثل في أربع نقاط تلخّص تبني الدعوة الفكرية-السياسية لمشروع الأمة، وهي:

1)         العمل على استعادة سلطان الأمة المغتصب من أيدي قادة عسكريين رضوا بالارتماء في أحضان الهيمنة الأمريكية إلى أيدي الأمة تختار حاكمها.

2)         العمل على إعادة الإسلام كنظام سياسي متكامل متميز عن غيره من كل أنظمة الحكم، بحيث تكون فيه السيادة للشرع وحده (ويكون الإسلام هو المصدر الوحيد في الدستور)، ورفض كل محاولات الالتفاف على ذلك عبر دعاوى الديمقراطية الزائفة، التي ثبت عوارها حسًا بعدما انقلب العسكر على من أفرزته تلك "الديمقراطية" المزعومة رئيسا.

3)         العمل لجعل صلاحية سن القوانين للحاكم المسلم، وهو الخليفة، بحيث تكون القوانين تجسيدا للأحكام الشرعية المستندة إلى أدلتها، لا منافذ لتمرير المصالح الحزبية أو تمشيا مع الأجواء الدولية. وتلك القوانين والأحكام وحدها الكفيلة بنهضة سياسية واقتصادية يرتقبها الناس.

4)         العمل السياسي لتكون مصر جزءا من الأمة الإسلامية، ونقطة ارتكاز لمشروع وحدتها، لا أن تستمر الدعوات التي تقدس الحدود وتعزل مصر عن الأمة بدعوى الشأن الداخلي، مما مزق الأمة، وتسبب في شرذمتها.

 

إن مصر بحاجة ملحة إلى تبلور هذه النقاط ضمن برنامج سياسي كفاحي يعيد مصر إلى ريادتها ودورها المأمول في تحرر الأمة، وهذه دعوة صادقة للثائرين في مصر لترجمة العقيدة الإسلامية سياسيا ضمن كفاحهم حتى تكون التضحيات التي يقدمونها على قدر الفكرة التي يحملونها.

ولا يتم ذلك إلا بالتحام القيادة الفكرية في الوجدان مع القيادة السياسية في الميدان، والصدع بأنه لا صوت يعلو فوق صوت الإسلام، عندها لا يمكن لأي استبداد عسكري أن يمنع أمة ذات قيادة فكرية من تسلم زمام أمورها وتحررها من الهيمنة الاستعمارية.

3/12/2013