تعليق صحفي

إسقاط الحكام... أم إسقاط الأنظمة وإقامة الإسلام!

عادت ميادين مصر تشهد تحركات شعبية عارمة ضد الرئيس المصري الذي اعتلى سدة الحكم عبر الانتخابات ضمن عملية "ديمقراطية"، وبينما رفع المؤيدون له شعار "الشرعية خط أحمر"، اجتمع المتظاهرون ضده على شعار "ارحل".

إن هذا المشهد الثوري المتجدد والمتصاعد في مصر يعيد طرح القضية من جديد على وعي الأمة: بأنها ليست محصورة في إسقاط أشخاص الحكام، بل هي في إقامة الإسلام، وهي تقتضي الالتفاف حول قيادة فكرية تطرح مشروعا حضاريا يحمل برامج التغيير الجذري كاملة: سياسية واقتصادية واجتماعية وتشريعية وقانونية.

ولذلك فإن لعب المؤيدين على وتر "الشرعية" الديمقراطية هو هروب للأمام وإصرار على إعادة إنتاج التجربة الديمقراطية الفاشلة واقعيا والباطلة شرعيا، وهم بذلك يصرّون على الابتعاد عن طرح الحل الإسلامي الذي يفرضه الشعار الإسلامي، وهو بلا شك الخلافة بكل أبعادها وتوابعها، ومناقضتها للديمقراطية في الأساس وفي التفاصيل.

بل ويزداد الطرح إشكالا –إن لم نقل إجراما- عندما يعتبر المؤيدون أن طرح تطبيق الشريعة هو تهديد للناس إذا لم يرضوا بقبول الشرعيّة، مما هو هبوط بالوعي إلى منحدر سحيق، وظلم لحضارة الأمة وتاريخها. وهو إقرار –مؤسف- بأن طرحهم السياسي الحالي هو بعيد عن الشريعة-التي يهددون بها! ثم إن طرح الشريعة والخلافة لا يمكن أن يكون مجرد ورقة سياسية لكسب جولة الصراع على السلطة، ضد العلمانيين، فإذا ما عاد السياسيون العلمانيون لطاولة الحوار والتوافق الوطني، غاب هذا الطرح من جديد.

 أما اكتفاء المتظاهرين ضد مرسي بشعار "ارحل"، وحصره بشخصه، دون النظام وما يلحق به من قوى دستورية وسياسية نشأت في ظل النظام السابق، فإنه لن يحدث التغيير الذي يتطلع الناس إليه، بغض النظر عمّن يرأس هذا النظام المتجدد. ويخطئ من يظن أن مصر يمكن أن تتقبل حكاما علمانيين يجاهرون برفضهم لتطبيق الإسلام، وخصوصا وهي ترفض "الإسلاميين"، بعدما تكشف أنهم يخفون العلمانية تحت عباءة الإسلام.

وهذا الطرح لتبديل الحكام لا يمكن أن يؤدي إلا إلى إعادة "التجربة" الفاشلة والباطلة، لأن فشلها لم يكن بسبب مرسي كشخص، بل هي بسبب غياب القيادة الفكرية التي تحمل المشروع الحضاري الموصل للتغيير الجذري. وبطلان تلك "التجربة" نابع من مفاهيم الأعماق لدى أمة تؤمن أن القرآن دستورها.

وقد جربت الشعوب الثائرة نهج تبديل أشخاص الحكام في تونس وليبيا وفي اليمن، كما في مصر، ولم يتمخض عن تلك التجارب إلا مزيدا من الصراعات في ظل غياب الأطروحات الإسلامية الحقيقية التي تنقذ الشعوب وتحييها من جديد. وستتابع حركاتُ التمرد حتى تلتف الأمة وقادتها على مشروع الإسلام الخالص، مهما ضلل الساسة بشعارات التفافية.

وأمام هذا الواقع المتأزم، تتضاعف مسئولية العلماء والحركات، وتزداد خطورة مواقفهم، وهم يدفعون الناس لإراقة الدماء من أجل إعادة إنتاج الأنظمة الغربية التي فشلت في عقر دارها، بينما يدبرون عن نظام سياسي رباني فريد، أثبت التاريخ نجاحه، وهو غني عن شهادة التاريخ، وقد بشر القرآن بمستقبله. "وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ".

2-7-2013