تعليق صحفي

قتل اطفال المدارس أحد ثمار العلمانية التي يريدون تصديرها لأمتنا

 فتح رجل مدجج بالسلاح النار على تلاميذ ومسئولين بمدرسة ابتدائية في ولاية كونيتيكت الأمريكية أمس الجمعة فقتل ما لا يقل عن 26 شخصا بينهم 18 طفلا، في حادث يتكرر حدوثه في الولايات المتحدة الامريكية.

يسلط الاعلام الأضواء على هذه المذابح لفداحتها وأعداد الأطفال الضحايا، إلا أن الاعلام لا يتناول تكرار أعمال العنف والقتل والسرقات والاغتصاب التي تجري على مدار الساعة في الغرب وفي الولايات المتحدة خصوصا، فمن المستحيل السير ليلا في بعض الأحياء في المدن الأمريكية دون التعرض للعنف أو السرقة أو القتل أو الاغتصاب!.

يرعى النظام الرأسمالي العلماني ثقافة العنف والاستبداد الفردي عبر عقيدته الفاسدة وسلوكه الأناني الشهواني الذي ينحدر بالإنسان إلى مرتبة متدنية يحكّم فيها شهواته ونزواته، ويطلق لنفسه العنان في  سيره لتحقيق تلك الشهوات والنزوات دون أي رادع.

فالدولة في النظام الرأسمالي العلماني تمجّد الفرد ولا تنظر إلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع من أمن وطمأنينة عند وضع القوانين والضوابط، ويتحكم المتنفذون في الشركات الكبرى في النظام التشريعي ليضمن مصالح الشركات وتدفق الأموال الى جيوب المتخمين بها دون النظر إلى النتائج الوخيمة التي تجلبها تلك التشريعات والأنظمة الوضعية  من ويلات على المجتمع والإفراد.

فإعطاء التراخيص لحمل السلاح واقتنائه تشريعٌ في الولايات المتحدة تحرسه شركات صناعة الأسلحة الكبيرة لتبقي سوق الأسلحة مزدهرة، ورغم دماء الأطفال في مدارس أمريكا وغيرهم من المدنيين إلا أن أحدا لم يستطع أن يغيّر ذلك التشريع لتضاربه مع مصالح رجال صناعة الأسلحة، ويلحق بذلك صناعة الترفيه التي تجنى الملايين عبر تنظيم "حلبات المصارعة " والمراهنات والأفلام والتي تدفع المجتمع الى ثقافة العنف دفعا، ولا تفكر إلا في جني الأموال دون أي تفكير في عواقب ذلك على المجتمع في ظل حماية النظام العلماني الديمقراطي لتلك الصناعة المقيتة تحت شعار  "حرية الرأي والتملك"...فجعل بذلك مصائر الناس وثقافتهم سلعة يتاجر بها.

والنظام الرأسمالي العلماني يحرّض على القتل والاستبداد باتخاذه العنف طريقة لحل المشاكل وتحقيق المكاسب وإزالة العوائق التي تقف حائلا دون تحقيق أهدافه ومصالحه المادية، فالولايات المتحدة الامريكية تسحق شعوبا بأكملها وتنزل آلاف الأطنان من القذائف على رؤوس البشر في سبيل تحقيق مصالحها والوصول إلى ثروات الشعوب واستغلال مصادر الطاقة، فانسلخت بذلك عن كل القيم الإنسانية وباتت تنشر المادية وتقديس الحياة الجشعة ورفاهية العيش على كل قيمة.

وانعكس ذلك العنف على ثقافة شعوبها وسلوكهم الذي تغذّيه أفلام هوليود العنيفة التي تشكل تعبيرا عن تلك العقلية الرأسمالية، فليس اسهل -في منطق ذلك الفكر العلماني-  من أن يحمل الإنسان سلاحه ليضع حدا لكل مشاكله!!، في ظل فراغ روحي لا يرى فيه بصيص أمل في العدل أو الرعاية الحقيقية التي ترفع من شأنه وتجعل له وزناً غير تلك القيمة المادية التي يجنيها من عمله.

والعلمانية في أدق تفصيلاتها تجعل الإنسان يقدّس هواه فينطلق دون أي رادع لنيل ما يريد...فيقتل ويسرق ويغش ويتحايل وينتحر إذا لم يصل إلى ما يريد، فالفرد واقع بين ظلم الدولة العلمانية التي تشرّع من دون الله شريعة تخدم المتنفذين والشركات الكبرى، وبين ظلم الرأسمالية العلمانية نفسها التي اتخذها أسلوب عيش وعقيدة أفسدت عليه حياته وجعلته عبدا لشهواته وأهوائه.

وتغمض الولايات المتحدة عيونها مرة أخرى عن فساد الرأسمالية ووحشيتها، ولا تريد وضع يدها على تلك الحقيقة فتعترف أن النظام الرأسمالي وسياساتها الإجرامية هي السبب في كل تلك المذابح والمآسي والعذابات في أمريكا وفي العالم بشكل عام، وتأبى عليها عنصريتها أن ترى الأمور بمقياسها الصحيح، فالقاتل في هذه الحادثة، والتي كانت غالبية حصيلتها من الأطفال الأبرياء، لم يوصف بأنه إرهابي...ولم يذكر دينه أو ملته، لأن ذلك يذكّر بمصدر ثقافته ويسلط الضوء على ثمارها ونتائجها على المجتمع، ولو كان مسلما...لتفننت الماكينة الاعلامية الغربية في ربط الدين الإسلامي بالإرهاب والقتل والعنف!!!.

هذه هي الرأسمالية العلمانية التي لا يخجل عملاء الغرب والمهزومون فكريا وبعض المنضبعين بالأعداء من الدعوة لها، وحشية مادية لا تقيم وزنا للقيم ولا توجد فيها أية رحمة أو إنسانية، تقدّس الهوى وتسحق الأفراد وتشرّع من دون الله وتحيل حياة الناس إلى ضنك، لتحفظ مصالح المتنفذين ولتضمن رفاهية عيشهم على حساب  دماء البسطاء وعذاباتهم ..هذه هي العلمانية التي تحارب شرع الله الذي أنزله هدى وعدلاً ورحمة للعالمين.

15-12-2012