جرت يوم الخميس 20/8/2009 الانتخابات الأفغانية في ظل وضع أمني متدهور، بعد تهديد من قبل المجاهدين بالتصدي لمراكز الاقتراح عسكريا، وفي ظل عزوف ملحوظ من قبل أهل أفغانستان عن المشاركة في الانتخابات كما نقلت فضائية الجزيرة يوم الجمعة 21/8.

ومن ثم صرح الرئيس الأمريكي اوباما أن الانتخابات "خطوة للأمام" في جلب الاستقرار لأفغانستان كما تناقلت وسائل الإعلام يوم 22/8، بينما أعرب الاتحاد الأوروبي عن قلقه إزاء التقارير التي تتحدث عن حصول تزوير، وطالب المرشحين بعدم التسرع في إعلان نتائج الانتخابات، كما نقلت البي بي سي اليوم 23/8، ورفض رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات الجزم بخصوص نزاهتها.
***
إن القضية في بلاد المسلمين المحتلة، ومنها أفغانستان، تتمثل في وجود احتلال غاصب لأراضي المسلمين، والله سبحانه قد حرّم على المسلمين القبول بالاحتلال أو الانخراط في برامجه السياسية أو التطبيع مع المحتل، أو المشاركة في أي نشاط يجعل للمحتل سلطانا على بلاد المسلمين كما يدلّ قوله تعالى: "ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا"، وهو نص قرآني جاء في صياغة الخبر، الذي يفيد الطلب من المسلمين بعدم تمكين الكافرين من رقاب المسلمين ولا من بلادهم.
ولذلك فإن مشكلة أفغانستان – ككل بلد إسلامي محتل- هي في الاحتلال نفسه، وفيما يحشد من قتلة للمسلمين، وفيما ينفّذ من برامج لبسط هيمنته وتمكين الرجال المأجورين الذين يستعملهم لمصالحه السياسية، ولا يمكن أن يقبل رجال الأمة أن يستقر لهم قرار وهم تحت الاحتلال. والمشكلة تتمثل أيضا في صراع بالوكالة يجري بين رجال يعملون لصالح أوروبا وآخرين يعملون لصالح أمريكا بعد خلو الساحة الرسمية من رجال الأمة الأحرار الذين يعملون لصالح الأمة. ومن هنا نجد التجاذبات الأوروبية والأمريكية صارخة حول الانتخابات التي تجري في بلاد المسلمين، كما حصل ويحصل في إيران.
وبالتالي فالقضية في أفغانستان ليست قضية اختيار أشخاص الذين يحكمون، ولا برامجهم الانتخابية (التي لا يمكن أن تخرج عن الدساتير الباطلة التي أعدت على عين الاحتلال وبصره)، وقد ثبت بالتجربة أن الانتخابات تحت الاحتلال أو في ظل التبعية السياسية للغرب لا يمكن أن تحقق مصالح الأمة ولا أن تؤدي لتحرير البلاد ولا إلى الانعتاق من التبعية السياسية.
ثم إن دبابات أمريكا وطائراتها لم تستطع أن تحقق الاستقرار في أفغانستان بعد سنين طويلة من القتل والتجويع والتشريد لأهل أفغانستان، فكيف يمكن لساسة مأجورين بلا حول ولا قوة ولا يستمدون سلطانهم من الأمة أن يحققوا الاستقرار ؟
لقد بيّن حزب التحرير في أفغانستان حرمة المشاركة في تلك الانتخابات، مما دفع بالقوات الأفغانية إلى اعتقال ما يقرب من 30 من شباب الحزب وغيرهم في أفغانستان، مما يؤكد أن الوقوف في وجه المشاريع الغربية في بلاد المسلمين هو دائما محل استنفار الأجهزة الأمنية التي تخدم الاحتلال في تلك البلاد.
وهو مشهد يتكرر في العديد من بلاد المسلمين، كما حصل في فلسطين.  بل إن الانتخابات في فلسطين قد تمخضت في النهاية عن مزيد من التشرذم بعد انشطار السلطة تحت الاحتلال إلى سلطتين تتناحران، بعدما حوّلتا دماء المسلمين عن مجابهة الاحتلال إلى الصراع على سلطة هزيلة، مما يؤكد أن تلك الانتخابات لا يمكن أن تحقق الاستقرار، بل هي تجلب مزيدا من التشرذم والدمار، وتكون ساحة لتنافس المصالح الأوروبية والأمريكية، وضد مصالح الأمة.
إن استقرار أفغانستان لا يكون إلا بعد طرد الاحتلال منه، وتحكيم الإسلام فيه، وعودته جزءا من دولة الخلافة القادمة قريبا بإذن الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
الدكتور ماهر الجعبري-فلسطين
23/8/2008 - الثاني من رمضان 1430هـ