تعليق صحفي

رأسمالية مجرمة بلا إنسانية وبلا أخلاق آن للبشر أن يتخلصوا منها

قالت لجنة رئاسية أمريكية –شكلها أوباما عقب تسرب الخبر- إن 83 شخصا على الأقل من مواطني غواتيمالا يعتقد أنهم راحوا ضحية تجارب أمريكية أجريت على زهاء 5500 غواتيمالي في الفترة ما بين 1946 إلى عام 1948 قسرا في إطار بحوث عن الأمراض الجنسية مثل الزهري والسيلان.

 

إن هذا الخبر يكشف عن مستوى هبوط الرأسمالية التي تقبل أن تتخذ من البشر "فئران تجارب"، والدول الرأسمالية، وعلى رأسها أمريكا ودول أوروبا التي تتغنى صباح مساء بحقوق الإنسان والحريات، هي أكثر دول العالم إجراماً بحق البشر بمن فيهم شعوبها، ولا نبالغ إن قلنا أن إجرامها لم يشهد له التاريخ مثيلاً، فهي من أبادت زهاء 100 مليون إنسان في حربين عالميتين كانت الغاية منهما السيطرة والنفوذ للتحكم في خيرات العالم ونهب أمواله.

إن المصالح المادية التي لا تقيم وزناً للبشر هي التي تقف خلف سياسات الدول الرأسمالية في كل أنحاء العالم، وما تغليفها بمزاعم حقوق الإنسان أو الحريات سوى كذب وخداع مفضوح ما عاد ينطلي على أحد؛

فاحتلال العراق هدفه رأسمالي يرمي للسيطرة على نفطه والتحكم بخيراته وخيرات المنطقة، وثبت للعالم كذب ادعاء أمريكا وبريطانيا مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.

وكذلك احتلال أفغانستان من قبل، هدفه رأسمالي يرمي لتامين أنابيب النفط والغاز القادمة من منطقة بحر قزوين والسيطرة على منطقة أوروآسيا، ولم تكن أحداث 11-9 السبب الحقيقي خلفه بل كانت ذريعة فضحت وبان كذبها، حيث بات الغربيون أنفسهم يتحدثون عن تدبير الإدارة الأمريكية لهذه الاحداث أو تسهيلها لها لاستغلالها للسيطرة على العالم ونهب خيراته.

ومثل ذلك يحدث الآن في ليبيا ويُسعى لإحداثه في سوريا، وحدث في روندا وبروندي، وحدث ويحدث في الصومال وساح العاج، وفي كل بقعة من بقاع العالم تمتد إليها اليد الرأسمالية الآثمة فتعيث فيها فساداً وتمكر بالحجر والبشر في سبيل مآربها المادية وتضخيم الحسابات البنكية لكبرائها الرأسماليين.

إن الحديث عن هذه السياسات اللاإنسانية –على المستوى الطبي والسياسي والاقتصادي وكافة المستويات- باعتبارها مخالفات فردية هو تبرير واهٍ، فهي سياسات من صلب المبدأ الرأسمالي وتنبع من صميمه، فهو المبدأ الذي لا يقيم وزناً للقيم الإنسانية أو الخلقية أو الروحية، ولا يعتبر سوى القيمة المادية التي أحالت الرأسماليين إلى وحوش متغوّلة بل إلى آكلي لحوم البشر، وفي حادثة غواتيمالا هذه تأكيد آخر، فالذي أجرى تلك البحوث اللاإنسانية هي الحكومة الأمريكية، أما تشكيل أوباما للجنة تحقيق فلم تكن إلا بعد تسرب الخبر ووقوعه تحت ضغط إعلامي وضغط الرأي العام.

مرة أخرى إن هذه الحادثة ليست بدعاً من الجرائم الرأسمالية، فقد فجرت فرنسا أولى قنابلها النووية في الجزائر عام 1960على أكثر من 42 ألف جزائري والذين لا يزالون يعانون من آثار تلك الكارثة، وسبق أن تم الكشف عن طائرة مدنية وصلت لأمريكا تحمل على متنها 60 رأسا بشريا لإجراء بحوث طبيبة لا يعلم مصدر تلك الرؤوس،  وحوادث أبو غريب وقلعة جانغي، وسرقة فرنسا لأطفال دارفور وتشاد،  وإبادة الملايين في روندا وبروندي على أيدي الفرنسيين، وسرقة أطفال هاييتي على أيدي لجان الطوارئ والكوارث الغربية والاتجار بهم، وغيرها من الحوادث المستفيضة العصية على الحصر، والمخفي منها اعظم، شواهد على وحشية الرأسمالية وعدم احترامها للإنسان الذي تتغنى بحقوقه.

إن العالم اليوم يكتوي بلظى الحضارة الرأسمالية، بمشاكلها وأزماتها الاقتصادية، بحروبها المدمرة اللاأخلاقية الاستعمارية، بمخلفاتها الاجتماعية المدمرة التي فككت الحياة الاجتماعية واحالت البشر كقطيع البهائم، بتلويثها للبيئة وبتعديلها لجينات الأطعمة والخضروات، بأمراضها التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً كالإيدز والسفيلكس، تلك الحضارة التي احالت الكرة الارضية إلى جحيم لا يطاق وإلى ظلام دامس.

إن البشرية اليوم أشد حاجة إلى الإسلام الذي يكرّم الإنسان ويسمو به ويرفعه من مجرد مخلوق في عداد المخلوقات في هذا الكون إلى خيرها وأفضلها.

إن الإسلام ارتقى بالإنسان وحرص على تحقيقه القيم الانسانية والأخلاقية والروحية ولم يهمل القيمة المادية بدون أن يجعلها أساساً لعلاقات البشر، بل سخر كل الإمكانيات والماديات في سبيل المحافظة على كرامة الانسان مهما كان دينه أو عرقه أو لونه.  

إن هذه المآسي التي تصيب البشر لا بد أن توقظ حس المسؤولية لدى المسلمين –بوصفهم المؤهلين دون سواهم للاضطلاع بهذه المسؤولية- فيسعوا لاستعادة خلافتهم التي تطبق الإسلام فتنقذهم وتنقذ البشر من ظلام الرأسمالية الدامس، وتنير الكون بنور الإسلام من جديد.

 

2-9-2011م