تعليق صحفي
العقيدة العسكرية لأجهزة السلطة الأمنية: حماية أمن المحتل وعداء الإسلام وأهله
انتشرت أخبار الأعمال القمعية التي مارستها أجهزة السلطة الأمنية ضد المشاركين، من حزب التحرير ومؤيديه، في المسيرات التي حرّكها الحزب لإحياء الذكرى التسعين لهدم الخلافة، وهنا لا بد من وقفة أمام تلك الممارسات البشعة لكشف الثقافة "الأمنية" والعقيدة العسكرية التي تغذيها.
إنّ العقيدة العسكرية لأي جيش أو جهاز أمني تقوم على أساس تحديد هويته ومهمته كقوة عسكرية والهدف من وجوده ومن هو عدوه. فما هي هوية أجهزة السلطة الأمنية؟ إن من يتابع سلوك هذه الأجهزة وتصرفاتها تجاه يهود وتجاه أهل فلسطين، ومن يشاهد حرص أجهزة السلطة الأمنية على حماية أمن المحتل وعلى التصدي لكل من تحدثه نفسه بمقاومة أو إيذاء هذا المحتل، ومن شاهد سلوكها تجاه مسيرات الحزب في ذكرى هدم الخلافة يخلص إلى أنّ عقيدة هذه الأجهزة تقوم على حماية أمن المحتل والعداء للإسلام ولمشروع الأمة للتحرر والعزة (الخلافة).
ففي ردة فعلها المستشرسة، وكمثال حي على هذه العقيدة الأمنية، تعددت فظاعات وجرائم الأجهزة الأمنية ضد مسيرات الحزب، وتضمنت أعمالا بشعة لا يمكن أن تندرج ضمن حدود منع التظاهر، بل تجاوزت ذلك بكثير فأسست لإطار شامل من الأعمال العدائية للأمة ولشيوخها ولنسائها، ولثقافتها، والأمثلة على ذلك كثيرة:
ففي سياق عداء الأجهزة الأمنية لثقافة الأمة: قام أفراد منها بأعمال اعتداء على العقيدة مثل الدوس على راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وشتم بعضهم الذات الإلهية، ثم تلفظ البعض بالكلام النابي البذيء. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصدر مثل هذه الممارسات إلا عن المعادين للإسلام وأهله، وهي تفضح ما حرص قادة السلطة على غرسه في نفوس هذه العصابات من انفصام عن الأمة وحضارتها، وتكشف أنّ العقيدة العسكرية للأجهزة الأمنية تقوم على عداء الإسلام.
وفي سياق وحشية هذه الأجهزة التي حرصت قيادات السلطة على تغذيتها لتأمين خروجها على ثوابت الأمة في توقير كبار السن والنساء وحفظ كراماتهم وحياتهم ، استهدفت تلك العصابات المعادية الشيوخ وكبار السن بالضرب المؤذي والإهانة المقصودة، بل ولم تراع حرمة الطريق، فضربت المارين من الناس الذين خاطبوا أفراد الأجهزة بالقول "اتقوا الله"، وضربت أيضا امرأة كبيرة في السن، فأي كرامة لهذه الأجهزة التي لا تراعي كرامة الأمة؟ وهل يمكن أن تستأمن مثل هذه الأجهزة على أمن الناس ساعة من نهار؟
وفي محاولة للتغول المفضوح، انتهجت الأجهزة الأمنية نهج الضرب الوحشي للمتظاهرين بقصد الإيذاء البليغ في كافة أجزاء الجسم مما تسبب بجرح بليغة في الرؤوس، واستخدمت قنابل غاز - التي يبدو أنها مزودة بها من قبل جيش يهود -ضد أهلها ، بل واطلقت الرصاص الحي، وأصابت سبعة أشخاص في نابلس. ومن الواضح أنّ هذه الممارسات الإجرامية تؤدي إلى القتل، ولم تكن مجرد محاولات "شرطية" لتفريق حشود المتظاهرين.
إنّ هذا الضرب الوحشي الذي يرتقي إلى محاولات قتل، يؤكد العقلية التي تربى عليها أفراد هذه الأجهزة الأمنية، والذين سبق أن صرّح بعضهم (حسب تقرير بثته فضائية كيان يهود قبل أعوام) بأنه مستعد لاعتقال أو إطلاق النار على أبيه أو أخيه إذا تطلب الأمر ذلك دون حرج.
وفي المقابل فقد تربى أفراد هذه الأجهزة على حفظ أمن يهود، وتؤكد ممارساتهم قبل تصريحاتهم أنهم لا يمكن أن يوجهوا السلاح ضد المستوطنين المغتصبين أو ضد الجيش "اليهودي" مهما انتهكوا من حرمات ومهما أجرموا ضد فلسطين وأهلها، ولقد فضحت أعمال اليهود الوحشية قادة هذه الأجهزة الذين لم يحركوا أي ساكن: فقد تكررت مشاهد اعتداءات المستوطنين على المساجد وحرق بعضها، واعتداءاتهم على حقول الزيتون، وعلى المزارعين، ولم يحدث أن أطلقت رصاصة واحدة ضد أي مستوطن من قبل أفراد هذه الأجهزة. بل ساعدت هذه الأجهزة استخبارات يهود عندما قبضت على المجاهدين في نابلس وعندما قتلتهم في قلقيلية، وفي غيرها من مدن الضفة الغربية. وسبق أن قمعوا المتظاهرين ومنعوهم من الوقوف مع أهل غزة إبان الهجمة اليهودية عليها، مما يفضح موقف هذه الأجهزة المرتمية في أحضان يهود والحامية لهم، والمدافعة عن مصالحهم.
لا شك أن كل متابع سياسي مخلص يدرك أنّ هذه الأعمال الإجرامية تكشف بلا شك عن ثقافة عدائية راسخة لدى هذه الأجهزة الأمنية ضد فلسطين وضد أهلها، وهي ثقافة غريبة عن الأمة، تستقي مفاهيمها من ثقافة الأعداء، وتجعل من يحملها منتميا لثقافة العداء للإسلام.
إنّ تبلور هذه الثقافة العدائية يعتبر انعكاسا طبيعيا للمشروع السياسي الذي أسست من أجله منظمة التحرير الفلسطينية والذي كان من أولى ثمراته الخروج عن ثقافة الأمة بقبول مشروع السلطة الأمني الذي ينسق مع جيش الاحتلال، فخرّبت بذلك عقلية المسلمين الذين سايروها، وجعلت العلاقة مع جيش المغتصبين أمرا طبيعيا، وصارت ممارسات هذه الأجهزة تحاكي ممارسات جيش الاحتلال، مما يؤكد أنّ مشروع السلطة غريب عن ثقافة الأمة بل ومعادٍ لها وهو ضد مصالحها، ويسير فيه مروجوه ضد الإسلام.
وهؤلاء الأفراد وقادتهم الذين يعادون الأمة وثقافتها هم الذين سمّاهم ديتون في كلمته الشهيرة قبل أعوام: "الفلسطينيون الجدد"، بعدما أكد أنه نجح في عملية غسل أدمغتهم وفي تغيير هويتهم الثقافية وفي ترسيخ عداء الإسلام والأمة في عقلياتهم، وهو بالطبع يرفض "الفلسطينيين القدامى" الذين تربوا على رفض الاحتلال وعلى اعتبار الاتصال والتنسيق معه عمالة وخيانة للأمة، والذين يرفضون نهج لحد ومليشياته.
ومع ذلك، فليس ثمة شك أنّ هنالك بقية من حس ودين لدى البعض من أفراد هذه الأجهزة الأمنية، ولكن هذه الممارسات تجعلهم في صف واحد مع المرتزقة المعادين للأمة، وهي ممارسات بشعة تكشف الواقع المخزي لهذه الأجهزة يوماً بعد يوماً، بحيث لا يتبقى لهم عذر، وعليهم أن يتبرؤوا من هذه الأجهزة وممارساتها، وأن ينحازوا إلى أمتهم، وأن يتوكلوا على الله الرزاق، وأن لا يطعموا أبناءهم طعاماً ثمنه انتهاك حرمات المسلمين واستباحة دمائهم:
"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ"
11/7/2011