تتناحر وسائل الإعلام العربية والمحلية، ولكلٍ أجنداته، على اثبات أو نفي صحة الوثائق التي سربتها قناة الجزيرة الفضائية، واحدة تتحدث عن محاضر جلسات التفاوض وعروض سلطوية "سخية" غير مسبوقة لكيان يهود، في القدس واللاجئين والحدود والتنسيق الأمني المعيب، وأخرى تنافح عن السلطة تحت طائل التوقيت الزمني للتسريب وغير ذلك من المبررات، وتسعى كل جهة لحشد الناس خلف توجهاتها.
 
فهل تضيع الحقيقة بين هذا الشد والجذب الإعلامي؟ أم ان الحقيقة ساطعة وأكبر من أن تضيع في حملة إعلامية محمومة؟
 
إن مما لا يقبل الشك، بل يعد من الحقائق السياسية الثابتة التي لا يختلف عليها عاقلان، أن منظمة التحرير ووليدتها المسخ السلطة الفلسطينية ما وجدت إلا للتنازل عن فلسطين وإضفاء الشرعية على المحتل، ومسلسل التنازلات غير المخفية أو المستورة كاف للدلالة على ذلك وإن غلّفت تلك التنازلات بمبررات الموقف الدولي والظرف الراهن والتكتيك وغير ذلك.
 
لقد أبصر حزب التحرير هدف إنشاء منظمة التحرير منذ تأسيسها عام 1964م ورأى ما وراء الجدار وحذر الأمة مما ستقدم على اقترافه من جريمة منكرة بالتفريط بالأرض المباركة، ولم يكن بحاجة لتسريبات وثائق أو محاضر الجلسات أو انتظار الوقائع على الأرض، ولم يصرفه ما كان من هالة وشعبية للعمل الفدائي والكفاح المسلح عن إدراك الواقع وتشخيصه.
 
إن ما حدث في قضية فلسطين من تفريط بالأرض وإضفاء للشرعية على الاحتلال الغاصب لفلسطين والاعتراف له بالأراضي المحتلة عام 1948م كأراض يهودية خالصة، والاعتراف بمقررات الأمم المتحدة الجائرة من قرار التقسيم إلى قرار 242 أو 338، هو وأصدق إنباءً وأكبر من كل الوثائق المسربة.
 
إن مما لا شك فيه كذلك، أن سياسة السلطة ومنظمة التحرير لا تنطلق من منطلق مصالح الأمة أو الأحكام الشرعية، وأن رجالاتها يحملون أجندات غربية متعددة الأطياف، وأنهم غرباء عن ثقافة الأمة ويأنسون بالكافر المستعمر دون أمتهم، ولا أدل على ذلك مما كشف مؤخراً لتلافي الفضائح فكان فضيحة أشد، من عمل أحد مرافقي وزيرة الخارجية الأمريكية بمكتب عريقات واشرافه على كافة الملفات التي زعم البعض أنه وراء تسريبها، كما لا يخفى علاقات فياض وعباس الحميمة بالإدارة الأمريكية وبكيان يهود، ورعاية أمريكا وأوروبا للسلطة مالياً، وأن أجهزة السلطة الامنية تخضع لقيادة جنرالات أمريكية.
 
وإزاء ذلك كله، فهل من الغريب أن يفرط من هذا شأنه بالقدس كما فرط في صفد، وهل من المستهجن على من ألقم يهود 78% من أرض فلسطين أن يفاوض على تبادل أراض هنا أو هناك، ومن ثم ماذا تعني القدس والمسجد الأقصى لهؤلاء المفاوضين؟! هل يقيمون وزناً للإسلام في اعمالهم السياسية حتى ينافحوا عن مسرى رسول الله؟
 
إنه ليس من الغريب أن يفرّط هؤلاء بكل ما يزعمونه ثابتاً فذلك ديدنهم، وليس غريباً أن ينافح هؤلاء ووسائل إعلامهم ومن سار في ركبهم عن جرمهم المستقبح والذي لم يشهد له التاريخ مثيلاً، فلقد أضاعوا البلاد وقتلوا العباد تحت شعار "المشروع الوطني الفلسطيني" والبطولة الوهمية الكاذبة!!!
 
إننا نعيد ونكرر ونذكر أن فلسطين كاملة هي أرض خراجية لا يملك أي أنسان مهما كان وصفه أو وسمه التفريط بشبر منها، فكيف بهؤلاء الغرباء عن الأمة وثقافتها؟!
 
كما أنه من الواجب على المسلمين أن يستنقذوا قضية فلسطين ممن اختطفها، وأن يعيدوها إسلامية خالصة بعيداً عن لهو السفهاء السياسيين أو عبث العابثين، فيسيروا في جحافل التحرير نحو القدس فيحرروها ويطهروا المسجد الأقصى ليعود في حرز المسلمين وليُعلوا راية التوحيد فوق الأرض المباركة فلقد طال غيابها عنها.
 
25-10-2011