اعتبر خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن جولة المفاوضات المباشرة المزمع إطلاقها بين السلطة الفلسطينية والحكومة "الإسرائيلية"، بأنها "فاقدة للشرعية الوطنية، وهي مفاوضات تجري تحت الإكراه وبمذكرة جلب أمريكية وليست بقرار فلسطيني أو عربي".
وتابع "أقول هذه مفاوضات تصفية وليست تسوية للقضية ولا مصلحة لنا فيها".
ودعا مشعل الرئيس المصري حسني مبارك والملك عبد الله الثاني لعدم المشاركة في تدشين هذه المفاوضات، "لأنها بلا غطاء فلسطيني ولا شرعية وطنية، ولأن نتائجها الكارثية ستمس الأمة والمنطقة وليس فقط فلسطين".
وفي معرض إجاباته على أسئلة الصحفيين قال مشعل: "أدعو إلى مراجعة عربية وفلسطينية لنهج التسوية، بعد أن ثبت فشل الخيار في ظل الافتقار لأوراق القوة".
وأضاف: "فشل المفاوضات مشكلة ونجاحها مشكلة.... ".
ودعا مشعل إلى تبني إستراتيجية وطنية بديلة تقوم على تعزيز خيار المقاومة وامتلاك أوراق القوة".
وأوضح "قضيتنا قضية احتلال ومشروعنا مشروع مقاومة ..لا نحتاج أكثر من ذلك .. مطلوب تكتيك ومناورة ودبلوماسية وتنويع خيارات لكن بما يخدم هذه الإستراتيجية لا بما يناقضها ويأتي عليها".
*****
تضمنت تصريحات مشعل آنفة الذكر العديد من المغالطات السياسية والشرعية التي تتصادم مع من يزعم طرح نهج شرعي وتصور إسلامي لقضية فلسطين؛
فلقد عمد مشعل –في مغالطة واضحة- للحديث عن المفاوضات من زاوية النجاح والفشل، والقوة والضعف، ومآل هذه المفاوضات، دون أن يتطرق للموقف المبدئي منها والذي يمليه الإسلام على كل مسلم، فالمفاوضات مع الكيان اليهودي الغاصب ليست مرفوضة لمجرد أنها لا تحقق مصالح الشعب الفلسطيني ولا لمجرد أنها تجري دون غطاء فلسطيني أو عربي أو لأنها تفتقر لأوراق قوة تدعم موقف المفاوض الفلسطيني،
بل هي مرفوضة لأنها تخالف الأحكام الشرعية وتتصادم مع الإسلام الذي يحرم الإقرار بشرعية المحتل لأي شبر من أرض المسلمين، كما أنها ترفض أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلاً وسلطاناً.
إن التفريق بين التسوية والتصفية هو بدعة سياسية يراد منها الإقرار الضمني بعملية التفاوض شريطة أن يكون موقف المفاوض الفلسطيني قوياً لئلا يقدم تنازلات مشينة، لكن –ضمنياً- يرى مشعل بتصريحاته هذه أن لا بأس بالتفاوض مع الكيان اليهودي ضمن معادلة جديدة. وإلا فما الفرق بين التصفية والتسوية؟! وما حدود كل منها؟! وهل هذا التفريق قائم على اجتهادات السيد مشعل أم أنه يعتمد على رؤية شرعية؟! ومن ثم ألا يرى السيد مشعل أن كل حل مع كيان يهود سيكون بلا ريب تصفية لقضية فلسطين وتنازل عن جزء منها؟
ومن ثم هل يعتبر السيد مشعل مؤسسات القرار الفلسطيني أو الجامعة العربية ومشتقاتها تضفي الشرعية على المفاوض الفلسطيني وتمنحه الحق والصلاحية في التفاوض على أرض فلسطين؟ أليس في ذلك مخالفة صريحة لما يعتبره الإسلام مصدراً للشرعية، والقائم على ما جاء به الوحي؟ فهل يملك أي شخص كان حق التفاوض على أرض المسلمين أو جزء منها والمملوك رقبتها للمسلمين جميعاً إذا فوضته منظمة التحرير أو الجامعة العربية؟!! وهل في الإسلام شرعية وطنية وأخرى عربية؟ أم أن ما كان من الإسلام فهو شرعي وما لم يكن فلا شرعية له مهما كان قائله أو من تبناه ؟!
كما إن حديث السيد مشعل عن خطورة نجاح وفشل المفاوضات يصب كذلك في قبول مبدأ التفاوض لكن بأطر وقوالب جديدة وهو ما أسماه السيد مشعل بضرورة مراجعة المنهج القائم واعتماد إستراتيجية جديدة.
كما ألمح السيد مشعل في إستراتيجيته الجديدة، أنها تقوم على استثمار أعمال المقاومة دبلوماسياً، لا اعتمادها كنهج تحرير بقوله "مطلوب تكتيك ومناورة ودبلوماسية..." ومعلوم أن هذا الطرح الواقعي يتصادم مع رؤية الإسلام لتحرير الأرض المحتلة لا سيما إن كانت أرضاً مباركة كفلسطين، فلا سبيل لحلها سوى بتحريرها وتطهيرها من رجس يهود، ولن يكون ذلك على موائد الدبلوماسية بل في ساحات الوغى.
ثم ما وجه الخلاف بين شقي السلطة في رام الله وغزة في إدارة هذه القضية؟! هل هو خلاف على كيفية إدارة المفاوضات أم هو خلاف مبدئي ومفاصلة شرعية لا لقاء بينهما؟
 
إن الحكم لشرعي في قضية فلسطين لا يحتاج لكبير عناء حتى يدركه المرء فهو مكتوب على كف كل مسلم، فلا حل لقضية فلسطين سوى بتحريرها كاملة غير منقوصة، لا تحرير جزء منها وإقرار اغتصاب الكيان اليهودي للجزء الآخر، لا بمعاهدة "سلام" ولا باتفاقية دولية.
إن تحرير الأرض المحتلة لم يكن في يوم من الأيام ثمرة مفاوضات على أي أسس كانت بل كان ثمرة معارك طاحنة رسمت تاريخ الأمة وسطرت عزتها. فهلاّ أدرك قادة الفصائل الفلسطينية على اختلافها هذه الحقيقة البينة وأقلعوا عن السير في مشروع المفاوضات وتركوا القضية إذا ما عجزوا دونما اعترافٍ أو تفاوضٍ إلى أن يأتي رجالها وأهلها زاحفين في جيوش المسلمين فيدكوا حصون يهود، ويأتوهم من حيث لم يحتسبوا، فيصيبهم ما أصاب أشياعهم من قبل؟ 
26-8-2010م