وصف خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أمريكا بأنها دولة عظيمة وذلك في إطار دعوته أميركا إلى التفاوض المباشر مع حركة حماس، واعتبر مشعل أن حركته ليست ضد الولايات المتحدة، ولكن ضد الانحياز الأمريكي الكثير نحو "إسرائيل"، حيث قال "إنه يجب على الولايات المتحدة أن تتفاوض مباشرة مع حماس، ومن دون وسطاء، لأن الولايات المتحدة هي دولة كبرى، ويجب ألا تخاف من إسرائيل، ويجب أن تتفاوض مع كل الأطراف في المنطقة". كما وأضاف مشعل بأنه لا يؤيد العمليات الإرهابية. وتعهد بأنه متى انتهى احتلال "الأراضي العربية"، وانسحبت إسرائيل إلى حدود 1967، ستنتهي الهجمات.
 
***
 
مرة أخرى تبرق حماس وعبر كبيرها مشعل برقيات الغزل والمهادنة لأمريكا، وتبدي استعدادها لأن تؤول إلى ما آلت إليه حركة فتح. ولا يقل سوءا عن ذلك ما أصبح في حكم المنتهي عند مشعل وقادة بعض الحركات الفلسطينية، وهو المناداة بأسطورة الدولة الفلسطينية في حدود 67 ! والتي تبدو غاية الغايات عند مشعل، بعدما كانت فكرة تلك الدولة تطرح على استحياء هنا وهناك، وعلى أنها سياسة مرحلية.
 
والجديد لدى مشعل هذه المرة أنه يتقن السير على الخطوات والنغمات التي تريدها اللجنة الرباعية التي شكلتها أمريكا، والتي اشترطت على حماس أن تنبذ "العنف" و"الإرهاب"، فها هو مشعل بعد أن قدّم الاعتراف الضمني بكيان يهود من خلال الموافقة على إقامة دولة في حدود 67، يوافق على شرط جديد من شروط الرباعية من خلال "إدانته أي عنف ضد أي مدني في أي مكان"، وتقريره "بأنه لا يؤيد العمليات الإرهابية". وأن الهجمات ستنتهي متى انتهى احتلال "الأراضي العربية"، وانسحبت "إسرائيل" إلى حدود 1967.
 
وهذا يأتي مقرونا بدعوة مشعل لأمريكا –عدوة المسلمين الأولى- لأن تكون "منصفة!" في تبني قضية فلسطين وعدم الانحياز إلى جانب "إسرائيل"، بعدما اعتبر أن العقبة الحقيقية في وجه السلام هي "إسرائيل"، مما يُفهم منه أنه يقر بأنه لن يكون عقبة في وجه المشروع الأمريكي. ويـبدو أن طول إقامة مشعل في أحضان الأنظمة المهترئة قد أثرت عليه، فأصبح لسانه من لسانهم القائل قولا وعملا "أن تسعا وتسعين من أوراق الحل هي بيد أمريكا"، وهذا لا يبعد عن عما قاله مشعل في المؤتمر المنعقد في قطر عشية العدوان على غزة موجها حديثه للحكام الخونة ورافعا العتب عنهم بالقول لا أريد توريطكم في حروب خاسرة!!!! بدلا من أن يكون التوجيه الصحيح للأمة وجيوشها بسرعة التحرك لقلع الحكام وإزالة كيان المحتل بالضربة القاضية.
 
إن سياسة التحذلق في الكلام والمراوغة في المواقف لم تعد تجدي نفعاً ولقد بان عوارها وانكشف زيفها وعدم مصداقيتها. وأهل فلسطين يدركون عبر تجاربهم المريرة أن السير في فلك الدول الغربية الاستعمارية لا يورث سوى الدمار والهلاك. ولكن يبدو أن مشعل يصرّ على استنساخ التجارب المجربة، واختبار تلك الحقائق البينة بنفسه، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم القائل:(الجاهل من اتعظ بنفسه والعاقل من اتعظ بغيره).
 
إن فلسطين هي فلسطين، ولا يوجد في قاموس المسلم دولة على الخارطة اسمها "إسرائيل"، فما الذي يريده مشعل من تعبير انسحاب "إسرائيلي" ؟! وعن أية "أراض عربية" يتحدث؟!! إن حديث مشعل هذا إنما هو تنكّر لأرواح الشهداء وأنّات الثكالى وأنين الجرحى الذين قدموا تضحياتهم لتحرير فلسطين وتطهيرها من رجس يهود، وقد استشهدوا وضحوا وهم لا يميزون بين ما احتل عام 67 وما احتل عام 48 ؟ فكيف يجرؤ مشعل على مثل هذه التصريحات ؟
 
إن الواجب على المخلصين من أبناء حركة حماس خصوصا، ومن أبناء فلسطين عموما، أن يأخذوا على أيدي قادتهم عندما يرونهم يتحدثون بلغة اللجنة الرباعية وبثقافة الهزيمة والانكسار، والواجب عليهم أن يتوقفوا عن طرح التبريرات الواهية والحديث الممجوج، عن الواقعية والمصالح المرسلة، التي من كثرة إرسالها وإطلاقها تداخلت مع أطروحات قادة الحركات العلمانية.
 
إن الأصل في كل مخلص من أهل فلسطين أن ينفض عن المشاريع الغربية ولا سيما مشاريع أمريكا عدوة الإسلام والمسلمين، وأن يسعى لاستنهاض همم الأمة وجيوشها، وان يدرك أن العجز لا يبرر الفجور، فهل تدرك رجالات حركة حماس هذه الحقائق وتعمل لخير أهل فلسطين والأمة الإسلامية بأسرها؟ أم تضع رأسها في الرمال وتسير على النهج الذي سار عليه المفرطون من قبل؟
 
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
 
30-5-2010