إنّ من أعظم المصائب والظلمات أن يكون النظام قد سُخر لمصلحة الظالم، فلا يجد الظالم حينها ما يردعه أو يوقفه عند حد، فيصبح يتعامل مع البشر وكأنهم عبيد له، ومع العالم وكأنه مزرعته الخاصة التي ورثها عن أبيه. وفي المقابل لا يجد المظلوم ما ينصفه أو من يعترف له بأنّ له حقاً أصلاً. فالقوة والقانون اتحدا عليه.
وتشتد الظلمة وتكتمل عندما يكون النظام منبثقاً عن مبدأ اقتنع به القوم واتخذوه مقياساً، فحينها تطبق الدنيا على المظلوم ويبدأ بتفسير سوء حاله على أنّه القدر الذي لا مرد له، فيتمنى حينها لو أنّه لم يُخلق.
وللأسف الشديد هذا هو واقع العالم الحالي مع الرأسمالية المقيتة، التي سحقت البشرية ولم تبق للمجموع إلا الفتات، والذي لاحقتهم عليه، وكل ذلك من أجل الطبقة المتنفذة الحاكمة!
ففي تقرير نشرته البي بي سي العربية بعنوان:"تقرير بريطاني: الدول النامية تبذر مياهها في مواد تصدرها إلى الغرب"، صادر عن ثلاث منظمات هندسية بريطانية، جاء فيه:"إنّ مواطني الدول الغنية يستخدمون الكثير من الموارد المائية الشحيحة للدول النامية." وبحسب التقرير فإنّ استهلاك فنجان من القهوة في أوروبا يكلف مائة وأربعين لترا من الماء لإنتاجه في الدول النامية.
ويقول ريتشارد بلاك مراسل بي بي سي لشؤون البيئة أنّ "نسبة كبيرة من الماء المستخدم في الدول النامية يذهب لإنتاج مواد غذائية وسلع للتصدير إلى الغرب".
ويعتمد التقرير على مفهوم "الماء المضمر" في الأشياء، أي حساب نسبة الماء المحتواة في الأشياء، التي تشمل كمية المياه المستخدمة في زراعة المواد الغذائية أو صناعة الأشياء.
على سبيل المثال "الماء المضمر" في قدح واحد من البيرة يعادل 130 قدحا ( 74 لترا) من الماء، وهي مجمل كمية المياه المستخدمة لزراعة المكونات وإجراء مجمل العمليات التي تصنع قدحا من البيرة.
كما أنّ فنجانا من القهوة يحتوي على ما نسبته 140 لترا من الماء (المضمر)، ويحتوي قميص (تي شيرت) قطني على حوالي 2000 لتر، وكيلوغرام واحد من اللحم على 15000 لتر.
والأسوأ من هذه الحقيقة هو الغاية من إعداد التقرير والدراسة، والتي لم تكن نصرة المظلوم أو تصحيح الأوضاع، بل غايته هي ضمان استغلال واستعباد الدول الغنية للدول الفقيرة والنامية، والعالم الإسلامي جزء لا بأس به منها.
فقد دعا التقرير الدول الغنية إلى مساعدة المزارعين والمنتجين في الدول النامية على الاقتصاد في استخدام المياه لأنّ من مصلحة الدول الغنية استمرار التصدير إليها من تلك الدول.
يقول البروفسور روجر فالكونير مدير مركز أبحاث في جامعة كارديف وعضو اللجنة المشرفة على التقرير:" من الضروري اتخاذ إجراء عاجل، إذا أردنا منع "العاصفة المطلقة".
وهكذا تكتمل حلقة التآمر على البشرية من قبل الرأسماليين، فالدول القوية تتآمر على الدول الضعيفة، والغنية على الفقيرة، والرأسمالي على العامل والموظف، ومراكز الأبحاث والدراسات توفر الدعم العلمي والفكري للاستمرار في غيهم. فالاستغلال والجشع هو العنوان العريض الذي يتعامل به الرأسماليون، وكما قلنا في المقدمة بأنّ المصيبة بأن كل ما يحدث هو من صميم المبدأ الرأسمالي، وما سلوك الرأسماليين إلا إتباعا وانسجاما مع مبدئهم الباطل.
فكم البشرية عطشى لمبدأ عدل يخرج الناس من دياجير الظلمات، وينقذ الفقراء والضعفاء من بين فكي الوحش الرأسمالي، وينصف المظلومين من عدو لئيم يتربص بهم(الرأسمالية).
فالمسئولية تجاه البشرية تحتم على المسلمين العمل والعمل الجاد من أجل إقامة دولة الخلافة التي تعيد الإسلام إلى الحياة وتحمله إلى العالم لتعيش البشرية حينها في ظلال رحمة وعدل الإسلام التي لا تدانيها رحمة ولا يجاريها عدل، قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107.
فطوبى لحملة الدعوة العاملين من أجل التغيير، طوبى لكل من لم يتهرب من مسئوليته بالعمل على إخراج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ...}البقرة143.
23-4-2010