تعليق صحفي

إنّ الذي دمر البلاد وأهلك العباد أنت وأمثالك يا رئيس موريتانيا

وليس الإسلام السياسي كما تدعي!

 نواكشوط - "القدس" دوت كوم - اتهم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الإسلاميين في بلاده بأنهم سبب المأسي في البلدان العربية، وتوعد بأن الدولة ستتخذ الإجراءات اللازمة بحقهم في الوقت المناسب. وقال ولد عبد العزيز في مؤتمر صحافي عقده في وقت متأخر من ليل الخميس/الجمعة إن "الاسلاميين تسببوا في جميع المآسي التي وقعت في البلدان العربية، وكانوا سببا في خراب بلدان كثيرة أكثر".

واشار إلى أن "تسييس الدين أحدث مأساة أكبر مما قام به كيان يهود وأنّ الدول العربية حطمها الإسلام السياسي وهذا ما لم يقم به البعثيون والناصريون والشيوعيون".

تشكل موريتانيا نموذجا صارخا لحكم الأنظمة المستبدة التي تسود عالمنا الإسلامي منذ انهيار دولة الخلافة وتقسيم الاستعمار للبلاد الإسلامية على مقاس سايكس وبيكو ووضعه حكاما تابعين له يضمنون مصالحه ويحاربون وحدة الأمة الإسلامية ويجهدون في منع عودة دولة الخلافة التي تجمعها في دولة واحدة، فوضعوا لها الدساتير والقوانين التي كفلت تبعية بلادنا للمستعمرين.

 

ومنذ ذلك الوقت، منذ انهيار الحكم بالإسلام أصبحت الدول الإقليمية الضيقة التي أنشأها المستعمر الحاقد وبالا على الأمة الإسلامية، وإن اختلفت مسميات الحاكمين وراياتهم، فقد حكمت بلادنا بالملكية والجمهورية والوطنية والقومية.. ووصل للحكم الشيوعيون وأحزاب البعث والقوميون.. وغيرهم من سقط المتاع، لكنهم لم يكونوا سوى أدوات رخيصة بيد المستعمرين الذي أوصلوهم للحكم فوق الدبابات كما حصل مع رئيس موريتانيا المتبجح وامثاله الذين يتهمون الإسلام عبر اتهامهم للإسلاميين.

فماذا قدمت تلك الأنظمة التي حكمت بلادنا بالأحكام الوضعية منذ هدمت دولة الخلافة غير الذل والهوان والفقر والتبعية للغرب ونهب الثروات وجلد الظهور وقتل المسلمين وتشريدهم وتدمير حواضرهم؟ ماذا جلبت تلك الأنظمة غير ذلك حتى يتبجح رئيس موريتانيا ويتهم الإسلاميين ؟!، فموريتانيا نفسها تشكل نموذجا صارخا لتلك المصيبة التي حلت بالأمة عبر هذه الدول الإقليمية الغارقة في التبعية للمستعمر الغربي، فالواقع ينطق بعظم المصيبة التي حلت بالمسلمين جراء حكم رئيس موريتانيا وأمثاله، فعلى الرغم من وجود ثروات هائلة في بلادنا إلا أن الأمة تعيش الفقر والضنك.. ولنأخذ موريتانيا نموذجا:

فقد بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لموريتانيا 4.163 مليارات دولار في عام 2013، ويعد قطاع الصيد البحري من أكبر القطاعات الاقتصادية في موريتانيا التي تعتبر شواطئها الأغنى بالأسماك عالمياً. كذلك حافظ على رقم إنتاج قياسي عبر أساطيل الصيد الموريتانية والأجنبية البالغة حوالي 1000 سفينة صيد كما شكل المشغل الأول للعمال بعد الحكومة.

حقّق قطاع مناجم الحديد في موريتانيا قفزة نوعية، إذ تمكّنت شركة الحديد والمناجم (أسنيم) من الوصول إلى رقم إنتاج سنوي بلغ 13 مليون طن من خامات الحديد المصدّرة، وذلك لأول مرة في تاريخ الشركة التي تُعدّ سابع أكبر منتج للحديد الخام المنقول بحراً في العالم.

الأهم أن عمليات التنقيب أفضت إلى اكتشاف احتياطات هائلة من الحديد تصل إلى 50 مليار طن، وبناء على ذلك، أعلنت الشركة خطة طموحة تحت عنوان "النهوض" تهدف إلى تصدير 40 مليون طن في 2025.

ولا يخفي النظام الموريتاني عزمه التحوّل إلى أكبر دولة منجمية في غرب إفريقيا، وربما في المنطقة كلها، بعد تسجيل مؤشرات أولية تفيد بوجود 900 مؤشر منجمي في البلاد. تتّسم هذه المؤشرات التنقيبية الأولية بأهمية كبيرة، إذ إنها تدلّ على تنوع هائل في المعادن التي يختزنها باطن الأرض الموريتانية (حديد، ذهب، ماس، نحاس، فوسفات، يورانيوم، نكيل، نفط، غاز...).

وخلال السنوات الأخيرة، دخلت أكثر من 55 شركة تنقيب عالمية ومحلية مجال التنقيب عن المعادن النفيسة، ومنحت الحكومة قرابة 197 رخصة تنقيب، وقد بات إنتاج الذهب أحد حوافز الاقتصاد الموريتاني، منذ انطلاقة الإنتاج في أكبر منجم للذهب في غرب إفريقيا (منجم ذهب تازيازت)، 350 كلم شمال العاصمة نواكشوط، مع تقدير الاحتياطي المؤكد ب 40 طناً من الذهب. علماً أن إنتاج الذهب في موريتانيا تجاوز الـ 7.3 أطنان سنوياً، حسب إحصاءات وزارة المعادن.

في 16 مارس 2001، لامس المنقبون أول كمية من النفط الموريتاني، وأطلق على تلك البئر النفطية اسم "شنقيط 1"، لتتوالى بعد ذلك الاكتشافات في السواحل الموريتانية حتى بلغت 6 حقول للنفط والغاز. ويمثل النفط حالياً 3% من الناتج الداخلي الخام وهو ما يعادل 160 مليون دولار.

ومع تلك الثروات الا أن واقع موريتانيا لا يختلف كثيرا عن تلك المنظومة الإقليمية التابعة للاستعمار:

 فقد فاقمت التراكمات الكبيرة للديون الخارجية لموريتانيا، المعاناة الاقتصادية التي تمر بها البلاد من فساد وسوء في التسيير، وعرفت المديونية الخارجية لموريتانيا قفزة كبيرة خلال السنوات السبع الأخيرة لتقارب عتبة 5 مليارات دولار، مسجلة حوالي 93% من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الجاري، متجاوزة بذلك معدلات الاستدانة على مستوى القارة الأفريقية.

 وقد حذر مراقبون في موريتانيا من تنامي الديون العامة بعدما باتت تتساوى مع إجمالي الناتج المحلي، وذلك لأن (فوائد الديون(  تلتهم حصة كبيرة من المخصصات العامة في دولة تحتاج إلى مضاعفة موازناتها لتحسين خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية.

وأظهر تقرير للبنك الدولي أن الديون الموريتانية سجلت بنهاية عام 2016 قرابة 100% من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 80% في عام 2014، وهو مستوى تاريخي لم يسبق لهذه الديون أن وصلت إليه حسب البيانات

إن واقع الفقر المدقع الذي يعيشه الموريتانيون لا يتناسب البتة مع حجم القروض والمساعدات الخيالية التي تم ضخها في الاقتصاد طيلة العقدين الماضيين، مع افتراض أن موريتانيا خالية وجرداء من أي إمكانيات وموارد أخرى (وهذا مخالف للحقيقة إذ تزخر البلاد بموارد لا محدودة من الحديد والأسماك والثروة الحيوانية).

ولعل ذلك يطرح مشروعية أخلاقية للسؤال حول مصير تلك الأموال التي يبدو أنها انحرفت عن مسارها المفترض إلى مسارات أخرى نتيجة الفساد الذي لا تبرأ منه موريتانيا.

وينشط النظام الموريتاني في خصخصة البلد وبيعها للمستعمرين ونهب ثرواتها فقد شهد عام 2017 تنافسا محموما وسباقاً لافتاً للشركات العالمية تجاه السوق الموريتانية، وشاهدنا شركات فرنسية وبريطانية وأمريكية ترسل بطواقمها الإدارية إلى نواكشوط وتوقع الاتفاقيات بسرعة كبيرة، ما يوحي بأن المياه الموريتانية تخفي الكثير مما لم تعلن عنه الحكومة، كما لم تكشف حياله الشركات كافة المعلومات.

في شهر مايو الماضي وقعت الحكومة الموريتانية اتفاقاً مع شركة “توتال” الفرنسية يتيح استكشاف وإنتاج النفط والغاز بالمقطع C7 بالحوض الساحلي في المياه الاقليمية الموريتانية.

بعد شهر فقط أعلنت شركة “بريتش بيتروليوم” الحاضرة في مجال التنقيب عن الغاز وانتاجه بالشراكة مع نظيرتها الأمريكية “كوسموس أنيرجي”، قبالة السواحل الموريتانية، على الحدود مع السنغال، أن إنتاج الغاز الموريتاني يبدأ عام 2021 من الآبار التي تستغلها الشركة البريطانية.

وقالت الرئيسة الإقليمية للشركة البريطانية في موريتانيا والسنغال “إيما ديلاني”، إن الشركة البريطانية “ترى في موريتانيا فرصة مهمة جداً واستراتيجية، مع كثير من الآفاق الواعدة”.

وكانت الأحداث الاقتصادية في عام 2017 تكشف عن حضور اقتصادي أمريكي قوي ومتزايد في موريتانيا، ففي نهاية 2017 دخل عملاق النفط الأمريكي “إيكسون موبيل” على خط التنقيب عن النفط والغاز في المياه الموريتانية، وهي المرة الأولى التي تدخل أكبر شركة نفط خاصة في العالم إلى السوق الموريتانية.

ولا يكاد يمر شهر من دون الإعلان عن فضيحة فساد في إحدى المؤسسات العمومية، منها ما يتم تجاهله، ومنها ما يتحول إلى قضية رأي عام لتجد الحكومة نفسها مجبرة على التعامل معه وفق ما تعلنه من حرب على الفساد.

هذا غيض من فيض المأساة التي تعيشها الأمة الإسلامية في ظل حكم ولد عبد العزيز وأمثاله الذين أوردوا الأمة المهالك.

ليعلم ولد عبد العزيز أنّ الأمة ما هانت وما ذبحت من الوريد الى الوريد وما نهبت ثروتها وسرقت أموالها وعمها الفساد والفقر والمرض والجهل وما هجرها أبناؤها للغرب يموتون غرقا في رحلة طلب الرزق ...وما دمرت حواضرها وما قصفت مدنها بالبراميل المتفجرة وما احتلت أرضها ومسرى رسولها وما أصبحت قواعد للمستعمرين إلا بعد أن حكمها أمثاله وطبقت عليها دساتير الظلم وأنظمة الحكم الاستعمارية التي جاءت به وبأمثاله وبالا على الأمة.

إنّ الأنظمة العميلة للغرب التي يترأسها أمثال الرئيس الموريتاني لم تقدم للأمة إلا الدمار والخراب ولم تتقدم شبرا نحو تحرير فلسطين من كيان يهود الذي لا يخفي ولد عبد العزيز انضباعه بإنسانيته ويضفي عليه شرعية بكلامه الذي ينم عن عقلية المعادي لأمته المضبوع بثقافة الأعداء المحتلين.

إنّ الإسلام هو الذي حرر البلاد والعباد وأخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ودولة الإسلام هي التي سطرت اليرموك وحطين وعين جالوت، وهي التي قصمت ظهر الروم والفرس، وكنست المحتلين الصلبيين وكسرت شوكة المغول وحكمت المسلمين وغيرهم بالعدل ونشرت النور في العالم ...وهي ذاتها دولة الإسلام التي ستقتلع حكم المستعمرين وأذنابهم من بلادنا، وتعيد للأمة مكانتها وعزتها ومقدساتها وتحرر بلادها وتستعيد ثرواتها المسلوبة.

آن للامة الإسلامية أن تخلع هذه الأنظمة المجرمة وتقيم دولة الإسلام، وآن لكل القادرين في الأمة أن يتحملوا مسؤولياتهم في تغيير هذا الواقع الأليم الذي يتحدث فيه الرجل التافه في شأن أمة عظيمة موعدة بخلافة على منهاج النبوة وبفتح روما.

23-9-2018