بسم الله الرحمن الرحيم

(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

لا بد أولاً من بيان واقع الوثيقة المسمَّاة (وثيقة الأسرى) من أجل معرفة الحكم الشرعي في الاستفتاء عليها. تتلخص وثيقة الأسرى (كما نشرتها وسائل الإعلام) في النقاط التالية: الاعتراف بكيان يهود وإسقاط المطالبة بما احتل عام 48 (...تحرير الضفة والقدس) ، وتحكيم ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، والشرعية الدولية الكافرة،وتبني الشرعية العربية وأهم ما يعنيه ذلك قبول مبادرة القمة العربية الخيانية في بيروت 2002 التي جعلت القضية عند العرب علناً وصراحةً تنحصر فيما احتل عام 1967 وأن المحتل عام 1948 هو دولة (إسرائيل)، ثم جعلُ منظمة التحرير ورئيس السلطة هما المسئولان عن إدارة المفاوضات مع يهود على أن (...يتم عرض أي اتفاق مصيري على المجلس الوطني الفلسطيني الجديد للتصديق عليه او اجراء استفتاء عام حيث ما أمكن). هذه هي خلاصة وثيقة الأسرى، أما باقي التفاصيل فهي إما تندرج تحت واحدة من هذه الثلاث أو هي إضافات لا تمس هذه الأصول. والحقيقة أن الوثيقة هي وثيقة محمود عباس وزمرته فهم الذين يستميتون في سبيل اصطناع الموافقة الشعبية عليها، وإنما كان إخراجها باسم الأسرى ابتزازاً عاطفياً رخيصاً، لمعرفة محمود عباس وزمرته بمكانة الأسرى وحساسية موضوعهم في نفوس أهل فلسطين. وسواءٌ أكانت الوثيقة حقاً صادرة عن الأسرى أم عن غيرهم، فإن هذا لا قيمة له في ميزان الشرع، فلا أحد فوق الحكم الشرعي لا الأسرى ولا غيرهم من المسلمين مهما بلغت مكانتهم قال تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ). وقد بين رسول الله r أن لا أحد فوق الحكم الشرعي فقال (والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

 

          إن الاستفتاء - إن حصل - فإنه سيكون أخطر من الانتخابات. وستكون نتائجه مفصّلة على مقاس الخطة الأمريكية الأوروبية في تثبيت كيان يهود. لقد أصبح واضحاً لكل ذي عينين أن الانتخابات والاستفتاءات في ظل الأنظمة الحالية في العالم الإسلامي لا تجري إلاّ لخدمة الكفار ومخططاتهم، وإن حصل خطأ فني في التنفيذ وخرجت النتيجة على غير ما يريدون فالحلول جاهزة، ولنا في تدخل الجيش في الجزائر عبرة وعظة. فنتيجة الاستفتاء التي سيصنعون معروفة سلفاً وهي:  "نعم للخيانة"، وبهذا يكون الاستفتاء طعنة نجلاء تُوَجّه إلى فلسطين وإلى الأمة الإسلامية جمعاء لأنه يهدف إلى أمرين في منتهى الخطورة: تزوير الإرادة الشعبية بأنها مع الخيانة، وإعطاء كيان يهود شرعيةً أقوى – من ناحية دولية -  مما يصدر عن الحركات والحكومات، فالشعب بحسب السائد في العالم اليوم هو صاحب السيادة وهو مصدر السلطات وإليه تلجأ الحكومات في حسم القضايا المصيرية التي تخشى الحكوماتُ والأحزاب تحمُّلَ مسئوليتها، لعظم شأنها وخطرها على مستقبل الأمة وحاضرها. وعليه فإن الاستفتاء جريمة منكرة، وهو المحاولة الآثمة الأولى في استصدار اعتراف بكيان يهود وإعطاء صك تنازل لهم عنها من قِبَل جماهير الناس في فلسطين مباشرة دون وسيط، ولذلك فهو إثم ومنكر عظيم، فأنكِروه أيها المسلمون واحذروا من المشاركة فيه.

          إن الإخلاص قد يغري بعض الناس بالمشاركة في هذا الاستفتاء لتصورهم أنهم إن شاركوا فيه وصوتوا ضده فإن هذا يمنع الجريمة أن تقع ويُسقط الحلَّ الخياني الذي يجري عليه الاستفتاء، وهذا خطأ فادح لسببين: الأول أن النتيجة محسومة سلفاً لصالح الخيانة فالدول الكبرى الكافرة محترفة في التزوير، والثاني أن بيع فلسطين وإعطاء الشرعية لكيان يهود لا يجوز شرعاً إخضاعُه للتصويت، بل الله سبحانه هو الذي حكم فيه فجعل أرض فلسطين أرضاً خراجية رقبتها لجميع المسملين ومنع سبحانه وتعالى المسلمين من التعدي على حُكمِه وجعله عُرضة للقبول أو الرفض فقال جل شأنه (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) وقال تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ). فقاطعوا الاستفتاء وأفشلوه أيها المسلمون، وأعلموا أن نجاح الاستفتاء يكون بمشاركتكم فيه وأن فشله يكون بمقاطعتكم له.

          إننا ننصح إخوتنا في حركة حماس فنقول: إنكم رفضتم الاستفتاء وهذا خير، ولكنه خير فيه دَخَن، وهو دخن قابل للتحول إلى دخان ثم إلى نار وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد – أعاذنا الله وإياكم منها ، فالاستفتاء هو تطبيق عملي لجعل السيادة للناس (الشعب) لا لرب الناس كما يفرض الإسلام. فرأي الناس يُؤخذ في اختيار مباح من بين المباحات ، كما حصل مع الرسول r في معركة أحد، ولا يؤخذ في القيام بالحرام أو ترك فرض من الفروض. فلا تجعلوا رفضكم للاستفتاء - أيها الأخوة - على أساس أنه يخالف القانون الأساسي أو الدستور الفلسطيني الذي أشرف على صياغته اليهود والأمريكان وغيرهم من الكفار، فهذا المنطق هو تحكيم لغير الإسلام، بل اجعلوا رفضكم له لأنه حرام وتعدٍّ على شرع الله.

           أما منظمة التحرير التي أصبحت منذ زمن طويل في حالة موت سريري أو تكاد، والتي ارتفعت عقيرة أصحابها مؤخراً بأنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، فكان ردكم الدعوةَ إلى إصلاحها حتى تصبح ممثلاً حقيقياً للشعب الفلسطيني يضم جميع شرائحه، فإننا ننصحكم بأن لا تدخلوها، فإنها شَرَكٌ جديد بعد شَرَك الانتخابات الأخيرة، فالكفار يريدونكم جزءاً منها حتى إذا لزمت المنظمة في محطة من محطات التصفية الخيانية كانت ممثلاً حقيقياً (حسب رؤيتهم) للشعب الفلسطيني، فما يُراد منكم من دخول منظمة التحرير هو عينه الذي أرادوه منكم بالوصول إلى السلطة عبر الانتخاب وهو أمر واحد لا غير: السير على خطى منظمة التحرير، خطى الاعتراف بكيان يهود والتفريط بأرض الإسراء والمعراج. إن منظمة التحرير كيان أوجده الحكام العرب الخونة حتى يقوم نيابة عن أهل فلسطين بالاعتراف بكيان يهود وإنكم إن دخلتموها فإنكم ستوضعون في المأزق الحالي نفسه أو تعترفون بكيان يهود. إن الواجب تجاه هذه المنظمة العلمانية ليس دخولَها ومحاولة إحيائها، بل هو إعلان وفاتها ثم دفنها في غير مقابر المسلمين.

          ومن الحلول المحتملة التي ذُكرت في أكثر من مناسبة إيكالكم أمر التفاوض مع يهود إلى مؤسسة الرئاسة الفلسطينية ومنظمة التحرير أو نحو ذلك من الترتيبات، فهل أيها الأخوة تظنون أن هذا يعفيكم من المسئولية عما تتوصل إليه المنظمة والرئاسة من تفريط في البلاد والعباد. إن موافقتكم على إيكال أمر المفاوضات إلى أي جهة يعني أنكم أنتم الذين تفاوضون وأنتم الذين تعترفون. فالوكيل يمثل الأصيل، أليس كذلك؟

          لقد تكرر على لسان قادةٍ ومسئولين في حماس والحكومة الفلسطينية عبارات أقلقتنا قلقاً شديداً ونحسبها تقلق الكثيرين منكم وكذلك تقلق كل واعٍ وحريص عليكم وعلى مصلحة الإسلام والمسلمين. فقد تكررت التصريحات بأنكم لن تقدموا "تنازلات مجانية" أو أن السلام مع يهود "لن يكون دون ثمن" ونحو ذلك من التصريحات، التي لا تنفي الاعتراف بيهود نفياً كلياً بل تجعله مشروطاً بأن يكون عادلاً أو بأن يُرجِعَ (الحقوق) إلى أصحابها الخ...، تُرى هل حيفا ويافا جزء من الحقوق التي سيُرجعها السلام إلى أصحابها، وهل يمكن أن يكون السلام عادلاً مع بقاء كيان يهود. إن الاعتراف بيهود وإضفاء الشرعية على كيانهم المسخ حرام حرمة قطعية بثمن وبغير ثمن، قبل معرفة الثمن (كما فعلت منظمة التحرير) أو بعد معرفة الثمن كما توحي بعض التصريحات من مسئولي الحكومة والحركة، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما صدر عن الدكتور أحمد يوسف مستشار رئيس الوزراء قوله لموقع قناة العربية في 8/6/2006 (فنحن لا نريد أن نكرر الأخطاء السابقة بتقديم اعتراف بإسرائيل وإعطائها شرعية دون كسب حقيقي ينهي الصراع برمته). وقد نشرت جريدة القدس في 15/6/2006 تصريحات لهذا المستشار نفسِه في مقابلة له مع صحيفة هآرتس اليهودية يقول فيها (ان حركة حماس لا تستبعد التوصل الى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين .... ان حكومة حماس مستعدة لاتفاق وقف اطلاق النار مع اسرائيل لخمسين او ستين عاما مقابل انسحاب اسرائيلي لحدود عام 1967 وقبول اسرائيل بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين ....) ثم جاء قولكم إنكم توافقون على تسعين بالمائة مما ورد في وثيقة الأسرى. إننا نخشى أن تكون هذه الإرهاصات والتسريبات المتلاحقة نسخةً عما حصل مع منظمة التحرير حين كانت تُلمِحُ من بعيد بإمكانية السلام مع يهود ثم انتهت بأن غرقت في مستنقع الحلول الأمريكية اليهودية، ونسأل الله ألا تكون.

          ولا يكفي أن ترفضوا الاستفتاء ثم تجلسوا مع المروجين له الذين باعوا البلاد والعباد للتفاهم معهم والوصول إلى  ما هو كالاستفتاء بل هو أشد وأنكى. إنكم تعلمون كما يعلم أهل فلسطين قاطبة بأن منظمة التحرير (العلمانية) قد عُجنت من طين الخيانة، أفتطمعون أن تسيروا معها على نهج تحرير فلسطين كل فلسطين؟!  إننا نخلص لكم النصح فنقول: إنكم إن اتفقتم معهم فلن يكون الاتفاق إلاّ على التنازل والتفريط، فاعلموا حينها أنكم تبعتموهم وفرطتم فتداركوا أمركم وحاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم الله.

           إنكم أيها الأخوة أنتم وقضية فلسطين أمام منعطف، وأنتم لا شك قادرون على أن تجعلوا الانعطاف باتجاه الجنة بإرضائكم ربكم، وطريقُ ذلك تطبيقُ الشعار الذي رفعتموه (الإسلام هو الحل)، وتنفيذُ ذلك عملياً يكون بقلب طاولة الخيانة والتنازل على رؤوس أصحابها وإعادة القضية إلى سيرتها الأولى قضيةَ مليار وثلث المليار مسلم، فالوقت لم يفت بعد ولكنه آخذ بالنفاد، فأنتم الآن تحظون (بحسب العرف الدولي) بتمثيل الشعب الفلسطيني، فأعلنوا باسمه إلغاء جميع الاتفاقيات التي وُقعت مع يهود وأعلنوا أن جميع القرارات الدولية التي صدرت بحق القضية الفلسطينية مُلغاة عديمةُ القيمة مرفوضةٌ من أهل فلسطين، وأعيدوا قضية فلسطين إلى أصحابها (المسلمين جميعاً) وحمِّلوهم – خاصة جيوشهم وأهل القوة فيهم – مسئولية تحرير فلسطين. ثم اخرُجوا من هياكل السلطة ومجلسها التشريعي، فإن خروجكم منها وإعادتكم القضية إلى أصلها من شأنه أن يمنع الحلول الاستسلامية ويفرغها من مضمونها لأن القائمين عليها حينئذ سيكونون شرذمة قليلين لا يمثلون إلاّ أنفسهم، إنكم إن فعلتم فإن الله يكون معكم ولن يتركم أعمالكم، وسيكون بإذن الله موقفاً تاريخياً يسجل لكم.

أيها المخلصون في الحركات الفلسطينية جميعاً،

         إن اقتتالكم الذي حصد أرواحاً زكية كثيرة هو من عوامل الضغط على أهل فلسطين من أجل تركيعهم. والمراد منه أن يكون عاملاً يكسر إرادة الناس حين ينعدم الأمن والأمان فوق ما هو حاصل من التضييق الاقتصادي ونقص الدواء والوقود وغيرهما. إن الاقتتال أو ما يسمونه الحرب الأهلية هو قرار من المشاركين فيه وليس محض صدفة، فلا تحصل الحرب الأهلية من تلقاء نفسها، فإن اتصفتْ حركاتُكم بالحكمة واتَّقَت الله في نفسها وشبابها وفي أهل فلسطين اتخذتْ القرارَ بعدم الدخول في هذا المنزلق إلى جهنم وحَقَنَتْ دماء المسلمين، أما إن ضَرَبَتْ حركاتُكم الأحكامَ الشرعية عرض الحائط ولم تتنبه إلى كيد العدو وتخطيطه فإنها لا تتورع عن الخوض مع الخائضين وتطلق العنان لأفرادها كي يسعروا نار الفتنة ويسفكوا الدماء. وعليه فإنكم أنتم وحركاتكم المسئولون عن تدهور الأوضاع إلى اقتتال يريق الدماء الزكية. إن الاقتتال هو من مصلحة يهود وغيرهم من دول الكفر وهم يغذّونه ويفتعلونه فلا تقعوا في حبائلهم ولا تنجروا وراء كل ناعق. واعلموا أن الله سبحانه وتعالى قد حرم عليكم الاقتتال، قال رسول الله r (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار...) وقال r (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). إن الواجب عليكم أن تتوحدوا في وجه عدوكم الجاثم على صدور شعبكم وأمتكم لا أن تقتتلوا على فتات من الدنيا فتخدموا عدوكم، وتخسروا الدنيا والآخرة لا قدر الله. 

أيها المسلمون في فلسطين: إياكم أن يستزلكم الكفار والمجرمون فتشاركوهم جرائمهم، واحذروا أن تنطلي عليكم مخططاتهم الخبيثة، بل اثبتوا على الحق واعلموا أن الله وعدكم بأن تكون لكم الغلبة في صراعكم مع الكفار فقال سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).

 أيها المسلمون:

إنه لا حل جذرياً لمشكلة فلسطين إلاّ بالجيوش الجرارة تطهر أرض الإسراء والمعراج من دنس الكفر والكافرين، يقودها خليفة المسلمين إمام صدق وعدل ينعم في ظله المسلمون وغير المسلمين. فباسمكم نناشد أهل القوة في بلاد المسلمين أن ينصروا العاملين المخلصين لتطبيق الإسلام بإيجاد خليفة للمسلمين، ثم يزحفوا معه لتخليص أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين (وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) صدق الله العظيم

 

 حزب التحرير فلسطين                                                                                                                      ‏‏15‏/06‏/2006