Ketab3822

بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة نقيب المحامين الأستاذ سهيل عاشور المحترم
حضرات أعضاء مجلس النقابة المحترمين
حضرات الأساتذة المحامين والمحاميات المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،


لقد توجهنا إليكم بكتابنا المؤرخ في 19/7/2022 وأخلصنا فيه النصح لكم وللمسلمين، وقد تابعنا أعمالكم وما صدر عنكم من بيانات ومواقف، ورصدنا إجراءات السلطة وما تقوم به من جرائم تجاه الناس وقضية فلسطين، فالسلطة ومن وراءها يظنون أن أهل الأرض المباركة لقمة سائغة، أو عبيد يتحكمون بهم، ولكن هيهات هيهات لما يرومون، ولذلك وجدنا أن نخاطبكم مرة أخرى تأكيداً لمسؤوليتكم وتأكيداً على وجوب الوقوف بقوة وثبات تجاه الجرائم التي تقترفها السلطة الفلسطينية بحق أهلنا وأهلكم أهل فلسطين.
الأساتذة الكرام: منذ أن وجدت السلطة وهي تعمل بالخبث والتهديد والترهيب لتطويع أهل فلسطين وجعلهم لقمة سائغة لأعدائهم، وهي تُلبس جرائمها بالقانون تارة، وتضرب بالقانون عرض الحائط تارة أخرى، ودأبها تنفيذ أجندات المستعمرين الذين أوجدوها لتمرير مخططاتهم على أهل الأرض المباركة وسلخهم عن هويتهم ودينهم، وهي سياسة بعيدة المدى تهدف إلى تمكين كيان يهود وحمايته وتعزيز وجوده ليس في فلسطين فحسب بل ليكون له أذرع ممتدة في كل بلاد المسلمين.
لقد اكتوى أهل فلسطين بمفاوضاتها الاستسلامية وما جرّته من ويلات وكوارث وتفريط بالأرض والعرض والمقدسات، وتحول مشروعها "الوطني" من مشروع للتحرر من الاحتلال إلى جهاز أمني لحماية الاحتلال، ومشروع استثماري لقادتها الذين لم يعد لهم شغل سوى السيطرة على الامتيازات وتنمية استثماراتهم.
لقد أضحت السلطة الفلسطينية هي الأداة الفاعلة في قتل صمود أهل فلسطين، فتوقيعها الآثم على اتفاقية سيداو ليس له هدف سوى تفتيت الأسرة وتمكين الغرب من نسائنا وأطفالنا، وأصبح مفهوم الجندر يروج له في المؤسسات كلها وتعقد له المحاضرات والندوات وأُدخل في مناهج التعليم ليقولوا لأهل فلسطين وأبنائهم إنَّ الهُوية الجندرية ليستْ ثابتة بالولادة؛ بل تؤثِّر فيها العوامل النفسية والاجتماعية، وتتغيَّر وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية، فشعور الذكر بأنه أنثى هو شعور طبيعي يجب احترامه وميول الأنثى إلى أنثى مثلها هي ميول طبيعية يجب حمايتها، فاللواط والسحاق من حقوق الأفراد التي تجب حمايتها بزعمهم، حتى أضحى للشواذ مؤسسات ونواد تحميها أجهزة السلطة، ويُدافع عنها وزراء في السلطة، فأي إجرام هذا؟! وهل صيانة المجتمع ورعايته تكون بنشر الشذوذ وحمايته؟!
ثم تجرأت السلطة على الناس واستخفت بهم من خلال سن قوانين وإقرارها بشكل تعسفي تحت اسم "قرار بقانون" فعبثت بمدخرات الناس وتآمرت على مقدرات العمال وأتعابهم لتضع يدها عليها عبر سعيها لسن قانون الضمان الاجتماعي، وكذلك ما يخص أجور العقارات التي محل نزاعات حقوقية بين الناس والرسوم التي فرضتها، ثم كانت قوانين "التنفيذ وأصول المحاكمات المدنية والتجارية والإجراءات الجزائية" وغيرها الكثير، تلك القوانين الظالمة والمجحفة التي من شأنها أن تمس السلم الأهلي وتدفع الناس لأخذ حقوقهم بأيديهم فتعم الفوضى ويعتدى على الممتلكات والدماء فيتفتت المجتمع، كما أنها صيغت بعناية لدفع الناس إلى البنوك الربوية كي تنهشهم الديون ويغرقوا في مستنقع الحرام وفي حرب من الله لا قبل لهم بردها.
الأساتذة الكرام: لقد أصبحت "القرارات بقوانين" تستهدف جوانب الحياة كلها، من أجل تعزيز الجباية وامتصاص دماء الناس، وتنفيذ سياسيات أعدائنا، فبقرار بقانون تم استملاك نحو 73 دونما من أرض وقف الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه من أجل تمليكها لكنسية المسكوبية وفوق أن السلطة لا تملك حق استملاك الأراضي الوقفية، إلا أن هذا القرار هو تمهيد لتسريبها لكيان يهود كما حصل في عدد من أملاك الكنيسة التي تم تسريبها للمستوطنين، ولا أدل على هذا من قيام قوات الاحتلال بدخول الأرض ووضع علامات فيها قبل نحو سنتين، ولا زالت السلطة تسعى من خلال رئيس مجلس القضاء "أبو شرار" للالتفاف على القرار القضائي الصادر عن المحكمة العليا ببطلان قرار الاستملاك، فلماذا هذا الإصرار من السلطة على نقل ملكية أرض وقفية وقفها رسول الله صلى الله عليه سلم؟!
وبقرار بقانون تم سن قانون حماية الطفل الذي لم يكن لحماية أطفالنا من جرائم الاحتلال، ولا لحمايتهم من الهجمة الغربية التي تهدف إلى سلخهم عن دينهم، ولم يكن مصمماً من أجل المحافظة على القيم الرفيعة التي يجب أن ينشأ عليها أبناؤنا، بل جاء القانون تنفيذاً لإملاءات الدول الأوروبية المانحة، لنزع الولاية عن أبنائنا وأسرنا ليصبحوا فريسة سهلة للقيم الغربية وأداة بيد أعدائنا ضد أمتهم، فقانون حماية الطفل يجعل من حق الطفل اختيار دينه، ولباسه، وتحديد ميوله الجنسية بعيداً عن أسرته وما يحكمها من قيم، ويجعل تأديب الأب لابنه أو المعلم لتلميذه جريمة عنف، وإلزام البنت باللباس الشرعي جريمةَ تمييزٍ وعنفاً، فمن المستفيد من هذا القانون هل هم أطفالنا أم أعداؤنا؟
كل هذا يؤكد أن الأساس الذي تنطلق منه السلطة هو تدمير المجتمع وابتزاز أموال الناس وليس حماية حقوقهم، فلو كان الأساس هو الرعاية وحماية حقوق الناس لعملت على محاربة الفساد وهدر الأموال المستشري في مؤسسات السلطة، والتي شواهدها كثيرة وقسم منها له ملفات مفتوحة، وخصوصاً ملفات الذين يسربون الأراضي لكيان يهود، ودور الأجهزة الأمنية في ذلك.
الأساتذة الكرام: إن هذه الشواهد، وغيرها كثير، تؤكد أن "القرارات بقوانين" باتت أداة لهدم المجتمع وتفتيته وتضييع قيمه، وإزاء ذلك يجب كف يد السلطة عن تلك القرارات، ومحاسبتها على تجاوزاتها، وأن يكون الرفض لهذا النهج المتغوّل قاطعاً، فحماية أرضنا وأسرنا وأبنائنا توجب على أهل فلسطين الوقوف بقوة وثبات رفضاً لكل القرارات بقانون، والعمل على إلغائها وإبطالها، وإن أية محاولة للبحث في التعديلات لا تعني سوى التفريط والتنازل عن حقوق الناس وتضييعها وخذلان الناس بل تآمر عليهم.
إن هذه القضية يتعلق بها مصير الناس جميعا، لأن المستهدف هم الناس جميعا، فالأجهزة الأمنية تريد اعتقال الناس وتمديد توقيفهم دون عرض على القضاء من أجل التنكيل بهم وتعذيبهم في مقراتها، لتكسر إرادتهم ولتفرض أجواء إرهابية على الناس تُمكن قادة السلطة ومَن وراءهم من سحق الناس دون أن ينكر عليها أحد، ومن الخطورة على حقوق الناس أن تبقى هذه القضية نقابية، ولا يجوز بحال ابقاؤها قضية نقابية، لذلك ندعوكم لتكونوا أكثر قوة في بيان خطورة ما تقوم به السلطة تجاه الناس وحقوقهم، ودعوتهم ليكونوا معكم في التصدي لتغول السلطة وعبثها بالعباد وحقوقهم، وبغير تحرك الناس لن تحصدوا من حراككم الثمار المرجوة.
الأساتذة الكرام: إن ما أقدمت عليه السلطة هو جريمة مكتملة الأركان، وهي بقراراتها هذه ليست متهم بالعبثية أو الدكتاتورية فحسب بل متهمة بالخيانة العظمى بسبب تبنيها لسياسات أعدائنا وتعاونها معه في تحطيم أهل فلسطين وافقادهم القدرة على الصمود، فالسياسة العامة للسلطة تهدف إلى تدمير الناس والقضاء على روحهم الثائرة الرافضة للمشاريع الاستعمارية، والقضاء على تطلعاتهم الإسلامية وسلخهم عن دينهم وأمتهم، لإطالة أمد الاحتلال وتمكينه من قضم البلاد وتوسيع المستوطنات.
ولذلك كان موقف نقابة المحامين الرافض لظلم السلطة هو موقف طبيعي ونابع من الانحياز للناس وقضاياهم ودفاعاً عن العدالة وحقوق الناس، وأهل فلسطين يثمنون موقف النقابة وهم معها ما دامت تتبنى قضيتهم بقوة وثبات من غير تنازل أو تفريط.
إن الواجب يحتم عليكم التوجه إلى أهل فلسطين فهم أصحاب القضية وهم قادرون بإذن الله تعالى على التصدي لانتهاكات السلطة، ونحذر كل التحذير من التوجه إلى المؤسسات الدولية التي لا تألوكم خبالا، لأن المؤسسات الدولية هي رأس البلاء وأس الداء، فالمؤسسات الدولية لا يصح النظر إليها بوصفها جهة منصفة وحامية لحقوق الناس، ولا أدل على هذا من مواقف هذه المؤسسات من جرائم الاحتلال إذ أضحت هذه المؤسسات غطاء لجرائمه وأداة لتسكين الشعوب وتخديرها وصرفها عن الوجهة الصحيحة لحل قضيتها، فقضية فلسطين قضية أمة أساسها الإسلام، وتحريرها لا يكون إلا باستنهاض الأمة وجيوشها وهذا ما يرعب أعداءنا ويخيفهم، ولذلك يحرص أعداؤنا على صرف الناس عن الحلول الصحيحة لتبقى قضاياهم مرتهنة للأمم المتحدة والقرارات الدولية التي تكرس وجود الاحتلال وتحميه، وهي تعمل على فرض سياساتها تنفيذاً لإرادة الدول الكبرى وحماية لمصالحها، والتي من أخطرها مشروع التنمية المستدامة 2030 الذي يُقدم المشاريع الشيطانية في صورة تحقيق الرفاهية لشعوب العالم وهو في حقيقته تدمير لها!
إن أهل فلسطين ونحن معهم سنعمل بكل قوة لحماية أبنائنا وأسرنا، وسنبقى نناضل من أجل رفع راية الإسلام واستنصار جيوش المسلمين لتحريرها، وإذا كان المضبوعون بالغرب يرون في استنصار الدول الغربية المعادية للإسلام سبيلاً لتحقيق شيء من الحقوق فإن هؤلاء قد صدق فيهم قول الله تعالى ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ ‌الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ ‌الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
وفي الختام: ندعوكم وندعو أهل فلسطين بكل مكوناتهم ونقاباتهم وفصائلهم للوقوف بقوة أمام تغول السلطة، ونؤكد على ضرورة أن يكون الموقف موحداً وهو كف يد السلطة عن تلك القرارات بقانون وإلغائها جميعها وعدم التفاوض عليها أو البحث في تعديلات شكلية عليها، لأن ضرر هذه القوانين سيكون كارثياً ومدمراً لأهل فلسطين وقضيتهم.
وإن نصر الله قريب ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ ‌مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾


5 محرم 1444ه حزب التحرير
الموافق 3/8/2022م الأرض المباركة فلسطين