التاريخ الهجري     18 من محرم 1432                                                               رقم الإصدار: 6/1432 
التاريخ الميلادي     2010/12/24م
 
السيد رئيس تحرير جريدة الأهرام المحترم
 في مقالته "الحركات الإسلامية ومسألة الخلافة"، المنشورة في العدد 45305 بتاريخ 21-12-2010، يريد الأستاذ عبد المجيد من "حركات الإسلام السياسي" جلاء موقفها تجاه قضية الخلافة، ويشترط لبدء النقاش معها حول مشروع الدولة التي تدعو إليه أن تتبرا من نظام الخلافة وأن تعلن أنه أصبح من مخلفات التاريخ، وأن برنامجها لا يشمل الدعوة إلى إحياء الخلافة في المستقبل. ومع إقراره بأن نظام الحكم الذي عاشت الأمة الإسلامية في ظله منذ عهد الرسول الأكرم حتى الخلافة العثمانية هو النظام السياسي الإسلامي القائم على دمج الدين بالسياسة، إلا أنه يندب فشل المحاولات الهزيلة التي أرادت إحداث الفصل بين الدين والسياسة.
 
ولست أدري من أين أتى بهذا التصنيف المبتدع حين يصف الحركات العاملة للإسلام بالإسلام السياسي، وكأن هناك إسلاماً سياسياً وآخر روحياً وآخر رياضياً وآخر اجتماعياً، وغير ذلك من التفريقات التي لا تقوم على أي أساس علمي أو موضوعي، وإن كانت تشكل صدى لدعوات المستشرقين والدول الاستعمارية الغربية التي بذلت جهودا هائلة لمسخ الإسلام في وعي المسلمين وللترويج للمشروع الاستعماري الغربي الهادف إلى جعل الأمة الإسلامية أمة مفككة مجزأة بحسب الخرائط الاستعمارية التي جعلت من أبناء البلد الواحد والملة الواحدة أعداءً يتقاتلون تحت رايات الوطنية البغيضة التي زرعها الغرب بينهم.
 
هل يدري الدكتور عبد المجيد أنه بطرحه هذا، حين يصادر حق الخصم في التفكير المستقل، يصادم العقلانية التي يحب أن يصف بها الدولة المدنية؟ وهل يدري أنه ينصّب نفسه ليتحدث باسم المشروع الاستعماري الغربي الذي يهدف إلى تطويع الإسلام ليكون سلسا طيّعاً يرضى بالخنوع لهيمنة الغرب على الأمة الإسلامية، كما أشار إلى ذلك الدكتور رفيق حبيب في مقالاته أكثر من مرة؟
 
إن الإسلام القائم على عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله لا يعرف سبيلا للتفريق بين ما هو ديني وآخر سياسي. فالمسلم مأمور أن يسير كافة أعماله وشئونه بحسب الأحكام الشرعية التي هي محل الحساب يوم القيامة، وليس النظم والشرائع الوضعية. والآية الكريمة تقول "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"
 
والله سبحانه خلق الكون والإنسان والحياة، ووضع للإنسان شريعة تهديه إلى السبيل القويم في الدنيا والآخرة.
 
وأما الاحتكام إلى شرائع البشر فيحلّون ويحرّمون بناء على المصلحة والشهوة والرغبة، وهذا عين الشرك بالله سبحانه وتعالى.
 
وقد سبق للدكتور عبد المجيد أن عرّف الدولة المدنية بأنها تقوم على المواطنة وتعدد الأديان والمذاهب وسيادة القانون. وليس هناك خلاف في سيادة القانون، ولكن الخلاف هو أي قانون؟ أي من هو المشرّع الذي يشرع للبشر تنظيم شئون حياتهم وتسيير أعمالهم؟ فالإسلام يحصر حق التشريع بالخالق فقط دون غيره، أما النظم الوضعية فهي تضع الإنسان، أو حفنة من البشر باسم المجلس التشريعي يسانده ما يسمى بالمحكمة الدستورية، في موضع التشريع وفض الخصومات وتحديد المعالجات لتسيير شئون الفرد والمجتمع في الاقتصاد والحكم وسائر نواحي الحياة.
 
والدكتور عبد المجيد خبير بأن القانون الإسلامي لا يفرق بين حاكم ومحكوم ولا بين شريف ولا وضيع من الناس، بل ولا بين مسلم وغير مسلم، فالكل تحت سقف القانون، ومن تعدى حدود الله نال جزاءه كائناً من كان. والقانون الإسلامي وضع من خلال النصوص التي نزل بها الوحي على عبد الله ورسوله ليس لمصلحة فلان أو فلان من الناس، كما هو الحال في واقع التشريعات البشرية التي تخدم مصالح واضعيها من الطبقة الحاكمة التي تدّعي زورا وبهتانا أنها تحكم باسم الشعب ولمصلحة الشعب، والشعب منها بريء. وواقع النظم الغربية يكشف بكل يُسر حقيقة أن أصحاب الأموال والرساميل هم الذين يأتون بالحكومات وبها يذهبون، وأن الحاكم في السلطة التنفيذية وحزبه في السلطة التشريعية دورهم هو خدمة أصحاب المصالح تلك، وإلا زالوا عن كراسيهم. ولا نحتاج لسرد بركات الديمقراطية الغربية والدولة العلمانية المدنية التي أثمرت الحروب التي أهلكت الحرث والنسل في العالم القديم والجديد (حيث أبادت شعب الهنود الحمر) في القرن التاسع عشر والعشرين! وصولا إلى بركات الديمقراطية "الإسرائيلية" التي أنتجت أمثال بيغن وشارون ونتنياهو، ودون التوقف عند غوانتانامو وأبي غريب وباغرام...!!
 
لقد جمعني بالدكتور عبد المنعم سعيد لقاء في معرض دبي للإعلام الأسبوع الماضي، وكان محور حديثنا: أن على الإعلام أن يكون أداة موضوعية نزيهة لتحريك همة الأمة للخروج من كبوتها وتحطيم الأغلال التي يقيدها بها المشروعُ الغربي، وليس أن يكون بوقاً يروِّج له. والكل يعلم أن حزب التحرير منذ نشأته في أول خمسينيات القرن الماضي إنما اعتمد على الطرح الفكري السياسي الذي يرى فيه سبيل الأخذ بيد الأمة لتحريرها من سطوة المشروع الاستعماري الغربي لتتبوأ مكانتها بين الأمم، وتعدو حاملة نبراس الهدى منارة للشعوب المغلوبة على أمرها في العالم. هذا هو التحرير الذي ندعو إليه؛ تحرير البشرية من شهوات أفراد لا يعرفون معنى للقيمة الروحية أو الإنسانية أو الأخلاقية في سياساتهم المدمرة التي جرّت البشرية إلى الهاوية. وإذا كان من يروجون للدولة المدنية العلمانية يؤمنون بحرية الفكر والرأي فهلمّ إلى نقاش حق يهدف إلى كشف حقائق الأمور كما هي بعيدا عن سياسات الإملاءات والشروط المسبقة، فهل هم فاعلون؟
 
 
عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي
لحزب التحرير
للمزيد من التفاصيل