بسم الله الرحمن الرحيم
تهافت "الحق التاريخي" أمام حقائق الإسلام
إن أعظم ثروةٍ نالتها الأمةُ الإسلامية هي ثروةُ المبدأِ الإسلاميِّ الذي جعل منها أمةً سادت العالمَ بعد أن كانت قبائلَ مشتتةً لا وزن لها، وأهلّها للصمود في وجه أعتى الحملاتِ الفكريةِ والسياسيةِ والعسكريةِ التي استهدفت كينونتها وهويتها الإسلامية، وإن من أهم المحطاتِ على طريق نهضة هذه الأمةِ وعودةِ مكانتها وهيبتها على الساحة الدولية هي محطةُ تغييرِ طريقةِ التفكيرِ وتغيير القاعدةِ الفكرية التي تُبنى عليها الأفكارُ؛ لأنه لا تأثيرَ سياسياً عملياً للعقيدة الإسلامية ما لم تكن هي القاعدةُ الفكريةُ لجميعِ الأفكار وما لم تكن الأحكامُ الشرعية هي المسيرةُ للأعمال وليس العكس.
وفي موضوع الحق التاريخي في فلسطين مثالٌ صارخٌ على اختلال طريقة التفكير عند البعض وعلى أثره الخطير على قضايا المسلمين، والحقُ التاريخي في فلسطين فكرةٌ ابتدعها اليهود لمحاولة إثبات أحقيتهم المزعومةِ في فلسطين المباركة فقالوا أن اليهود كانت لهم مملكةٌ في فلسطين قبل آلافِ السنين وكان لهم معبدٌ يسمى الهيكل أيامَ سليمانَ عليه السلام ويزعمون أنه تحت المسجد الأقصى رغم أنهم لم يجدوا له أي أثرٍ حتى الآن، فانبرى لهم كثيرٌ من المسلمين يسردون التاريخ ويثبتون أن الكنعانيينَ الوثنيينَ الذين أتوا من جزيرة العرب كانوا يقطنون فلسطين قبل دخول اليهود إليها بما يزيد عن 1000 عام من أجل أن يثبتوا أن أهل فلسطين أحقُ بها من اليهود، وهكذا يكونون قد نسبونا للكفار، والرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يقول: (من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وكرماً كان عاشرَهم في النار) وجعلوا فلسطين من حق الوثنيين ومن حق العرب أو الفلسطينيين خاصة دون سائر المسلمين، ويكونون على نفس الطريقة في التفكير قد جعلوا خيبر من حق يهود ولا حق للمسلمين فيها، وجعلوا كذلك لا حق للمسلمين بالأندلس واليونان وقبرص وصقلية وغيرها من البلاد التي كان قد فتحها المسلمون، وذلك بحجة أن المسلمين ليسوا أول من سكنها، وهذا مخالف لفرض استرجاع كلِّ أرض إسلاميةٍ غصبها الكفار.
ومع أن اليهود يروجون لفكرة الحق التاريخي إلا أنك إذا تمعنت جيدًا تجدْهم إذا خاطبوا شعبهم أو كان كلامُهم ليس للعامة يُرجعون الأمر إلى توراتهم المحرّفة وليس إلى مجرد التاريخ، فقد كان شعارُ (حزب مزراحي) خلال فترة الانتداب هو >>أرض إسرائيل لشعب إسرائيل وفقاً لتوراة إسرائيل<<، وحتى العلمانيين منهم كمناحيم بيغن فقد دعا إلى >>إعادة أرض إسرائيل بكاملها إلى أصحابها الذين منحهم الرب إياها<<، وكذلك صرّح حاييم وايزمن أمام اللجنة الملكية البريطانية أن >>صك ملكيتنا هو وعد إلهي<<، وأعلن بن - غوريون غيرِ المتدين أن >>التوراة هي (وثيقة) انتدابنا<<، وعندما سُئلت تسيبي ليفني لماذا لا تطبق "إسرائيل" قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقدس قالت:>> إن التوراة موجودة قبل قرارات الأمم المتحدة<<.
والسبب في اختلاف الخطاب عندما يكون عامًا للعالم عنه عندما يكون خاصًا أو داخليًا هو أن اليهود والعالم الغربي يريدون إظهار قضيةِ فلسطينَ على أنها مجرد قضيةِ قطعةِ أرض مختلفٌ عليها بين شعبين عاشوا فيها وكلٌ يدعي أحقيته فيها والفاصل في ذلك هي روايات التاريخ وما تدل عليه الآثار فتصبح المعركة حينئذ من جهة المسلمين معركةَ تاريخ وقطعَ آثارٍ تخضع للتفاسير المتغيرة بينما هي في حقيقتها معركةُ عقيدة، ومؤخرًا هنأ أوباما في حفلٍ علني قادة الكيان البغيض بمرور اثنين وستين عامًا على تأسيس كيانهم وتفاخر باعتراف أميركا به بعد 11دقيقة فقط من إعلانه وقال: >>أرض فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي لليهود<<، وبذلك يعملون على حرف القضية عن مسارها الحقيقي ويؤخرون إلى أبعد مدىً يستطيعونه الحربَ العقائديةَ التي يتخوفون منها والتي إذا نشبت ستزيل سيطرة اليهود على فلسطين من جذورها، فهم ينطلقون حقيقةً من عقيدتهم الزائفة ويروجون فينا فكرة الحق التاريخي. ونحن أولى بأن ننطلق من عقيدتنا.
أيها الحضور الكريم:
إن الله هو الحق المبين، وهو مصدر الحقوق، والأرضُ لله حقيقةٌ يقررها الله تعالى في قرآننا المحفوظ في سورة الأعراف: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) فالحق في الأرض كما أخبر موسى عليه السلام قومَه من بني إسرائيل ليست لمن يسكن أولاً وإنما لمن يورثّهم الله إياها بإيمانهم حتى ولو غلبهم عليها قومٌ آخرونَ لفترة معينة فإنها في النهاية من حق المتقين.
إن الحقيقةَ الشرعيةَ الثابتةَ أن الإسلامَ بيّنَ القاعدةَ التي تصبح على أساسها البلادُ بلادًا إسلاميةً، ويثبت لنا هذا الحقُ بإحدى طريقتين: أن يسلم أهلُ البلادِ من تلقاء أنفسهم فتصبح البلادُ إسلاميةً بإسلام أهلِها عليها كما حصل في اندونيسيا، أو عن طريق الفتوحاتِ الإسلاميةِ سواءً فُتحت عَنْوةً أو صلحاً، فالأرضُ التي نزلها المسلمون فتحاً أو صلحاً فهي أرضٌ إسلامية، كمصر والعراق وبيت المقدس وسائر بلاد الشام.
هذا هو المقياسُ الرباني على مر العصور في ظل الإسلام وهو حقيقةٌ شرعيةٌ قطعيةٌ لا تتغير، ولا يصمدُ أمامها أي مقياسٍ بشريٍ آخرَ لا الحقّ التاريخي ولا غيرِه، فالحقُ في الأراضي حقٌ شرعيٌ وليس حقًا تاريخيًا.
وبنو إسرائيل أمرهم الله تعالى بدخول الأرضِ المقدسةِ فلسطين بعدما شهدوا عدةَ معجزاتٍ بأعينهم منها انشقاقُ البحر ورفعُ جبل الطور فقال لهم موسى عليه السلام: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) ولكنهم كعادتهم عصوا وردوا ردًا منكرًا (قالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون) ثم وبعدَ عصيانهم للعديد من الأنبياء حكم فيهم داوود وخلفه ابنه سليمان عليهما السلام الذي يقول اليهود بأنه بنى معبدًا سموه الهيكل، والحقيقةُ أن السنةَ تقول أن سليمان عليه السلام بنى لله مسجدًا وكان بمثابة إعادةِ بناءٍ للمسجد الأقصى الذي بُني بعد الكعبة بأربعين عامًا، فقد روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول قال صلى الله عليه وسلم : " المسجد الحرام " قال قلت ثم أي قال : " المسجد الأقصى " قلت كم كان بينهما قال : " أربعون سنة) ، وروى الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ.".
وعندما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم رسولاً للعالمين أورثه وأمتَه هذه الأرضَ المقدسةَ بإيمانهم وإتباعهم أمر ربهم لا بأسبقيتهم في سكنى الأرض وهم أولى الناسِ بإبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان، فجعل قبلةَ المسلمين الأولى بيتَ المقدس وأُسرى بالرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى المسجد الأقصى وصلى الرسولُ بالأنبياء فيه وعرج منه إلى السماء، ثم بعد ذلك سلّم النصارى مفاتيحَ بيتِ المقدس للخليفة عمرَ بن الخطاب، فصارت بذلك بلدًا إسلاميًا مباركًا خالصًا للمسلمين من دون العالمين.
فالله تعالى يورث أرضه ويستخلفُ فيها المؤمنين مهما طال مكوثُ غيرِهم عليها، أما اليهود فقد كفروا وباءوا بغضب على غضب من الله بنص القرآن الكريم فلا حق لهم في فلسطين ولا في أي أرض إسلامية أخرى قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) وقال تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، أما أنبياء الله إبراهيمَ وموسى وداوود وسليمان وجميعُ من أرسلهم الله لهم فالمسلمون أحقُ بهم من اليهود والنصارى، قال تعالى : (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) فصلة الأمم بالأنبياء ليست صلة نسب، ولا عرق ولا لغة، إنما هي صلة عقيدة، وقد روى البخاري عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال : (( قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، واليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال ما هذا اليومُ الذي تصومونه، فقالوا هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا)) فمهما كان البناءُ الذي بناه سليمان عليه السلام فنحن أولى بسليمانَ وداود وإبراهيم وموسى وعيسى ويحيى و زكريا وسائرِ الأنبياء عليهم السلام من يهود ونحن ورثتهم بإيماننا بهم وبمحمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الذي قال: (لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلاَّ إتباعي)
أيها الحضور الكريم:
إننا إذا تركنا طريقة التفكير التي ارتضاها لنا ربنا ضعنا وأضعنا قضايانا، فإذا أخذنا بالحق التاريخي صارت أحقيةُ المسلمينَ في فلسطين محلَ نظر، وصارت فلسطين للفلسطينيين أو للعرب وصار لا حق لبلالِ الحبشي وصهيبِ الرومي وسلمانَ الفارسي و أبناءهم في فلسطين لأنهم ليسوا من أصل عربي أو كنعاني، وهذا مناقض لأحكام الإسلام القاضيةِ بأن العالم الإسلامي كله موطن لكل المسلمين أياً كان لونَهم وجنسَهم، فلا وطنية ولا قومية في الإسلام.
وأما إذا تمسكنا بإسلامنا كمصدرٍ للحقوق فإن حقنا يثبتُ كالجبالِ الراسيات ويصير تحرير فلسطين واجبًا على جميع الأمة حكامًا ومحكومين ولا يطول الأمرُ حتى تستعيدَ الأمةُ زمامَ المبادرةِ وتُجمّع طاقاتِها فتخوضَ حربَها العقائديةِ وتحررَ فلسطين تحريرًا حقيقيًا كاملاً تحقيقًا لبشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بانتصار المسلمين على اليهود ونزولِ الخلافة الراشدة أرضَ بيت المقدس وفتحِ روما معقلَ الصليبِ اليومَ. (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إبراهيم الشريف عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
=======
بسم الله الرحمن الرحيم
العودة إلى فلسطين أم عودة فلسطين إلينا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين المباركين:
كم جرى تقزيم حق اللاجئين بشكل مقصود أو غير مقصود، فترى الندوات والإعلام يصور الأمر على أنه:
• مفتاح لا يزال يحتفظ به ويمسكه بيده ذلك الكهل الذي اختط الشيب في رأسه ...
• أو قدر نصبت أمام خيمة تؤوي تلك العجوز وهي تطبخ الحصى بانتظار عودة إلى الديار ..
• أو أطفال تدثروا بالبؤس وهم يلعبون في أزقة المخيمات ..
وغير هذا كثير من صور معاناة أهل فلسطين في خارجها كما هي معاناتهم في داخلها....
وكأن هذه العودة إنما هي عودة لاجئ إلى قريته أو ما بقي منها، لا فرق إن كانت هذه القرية تحت الاحتلال أم لا، ولا يضير من يطالب بحق العودة إن كانت العودة تحت حراب الغاصب أم لا.
أحبتي في الله:
منذ قيام كيان يهود باحتلال فلسطين وتشريده أهلها، لم تكن مسألة المهجرين من أهل فلسطين لتأخذ هذا الطابع الإعلامي والسياسي، إلا عندما بدأت المساعي للحلول السياسية التي تضمن وتقر بوجود كيان يهود المسمى إسرائيل، فموضوع المهجرين من أرض فلسطين كان مسألة هامشية إزاء النظر لتحرير فلسطين وطرد عصابات يهود منها ومن ثم عودة فلسطين بأهلها إلى حظيرة الإسلام.
ولكن لما دأب الحكام ومعهم منظمة التحرير ذات الاسم بغير مسمى على السير فيما يسمى عملية السلام التي هدفها جعل الاحتلال شرعيا، وسيرهم في التنازلات تلو التنازلات، لما كان ذلك إذا بمصطلح يبرز ويطرح نفسه مع كل تنازل، ومع كل مشروع جديد، ألا وهو "حق العودة".
ولو تأملنا قليلا في هذا المصطلح، لوجدنا أنه يحمل في طياته التضليل والتفريط، فان كلمة حق العودة، إنما تعني أن هذا الحق قد يختصر في الحق الفردي لمن طرد وأبعد عن بيته أو قريته، وهو بهذا الوصف يعني أن اللاجئ يستطيع التنازل عن هذا الحق أو أخذ تعويض عنه، وهذا هو ما جاء به قرار هيئة الأمم رقم 194 الصادر عام 98، والذي يجري تأكيده سنوياً، فالقرار لم ينشئ حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، ولكنه أعاد صياغة وتأكيد مبدأ راسخ في القانون الدولي العرفي، إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص صراحة على أن ""لكل فرد الحق في ..... العودة إلى بلده"، فلماذا لا يعود أبناء فلسطين إليها؟؟ ألانهم مسلمون؟! أم أن حماة الشرعية الدولية لا يعبئون بإعادتهم، لأنهم تعاونوا على إخراجهم!!
وللعلم فإن القرار جعل ثمن العودة، ضمان أمن يهود، والاعتراف بحقها في الوجود، فلقد نصت الفقرة 11منه" على تقرير وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم..."
إن الإقرار باغتصاب يهود لفلسطين مقابل عودة نفر من اللاجئين تأذن بهم يهود لفلسطين، هذا إذا أذنت، هذا الإقرار جريمة كبرى عند الله ورسوله والمؤمنين.
إن على المؤمن أن يكون كيساً فطناً، وينبغي أن يعي أن القرارات الدولية ساحات إعدام جماعي للقضايا العادلة، وأن دول القرار الغربي حاربت الأمة قروناً طويلة ومكنت ليهود في فلسطين دون حياء، فهل يثق الحمل بالجزار؟ وهل تثق الضحية بالجلاد؟
أيها الأخوة الأعزاء:
لعل محطات سياسية نمر عليها سريعا، توضح حجم ما وصلت إليه قضية فلسطين من تآمر، وخاصة طرح هذا المصطلح "حق العودة" والذي هو جزء من خطط تصفية قضية فلسطين، ومن هذه المحطات:
• إنشاء سلطة تحت حراب الاحتلال كما حدث في اتفاقية أوسلو، حيث روجوا لغزة-أريحا أولا، وروجوا للعودة فما كان إلا أن عاد المناضلون بسلاحهم بإذن الاحتلال، وبقيت غزة والضفة تحت الاحتلال، فهل هذه العودة هي التي كان يريدها من ينادي بالتحرير من النهر إلى البحر؟
• المبادرة العربية:
والتي تنص على معاملة اللاجئين بحسب قرار هيئة الأمم رقم 194، الذي يقول بإعادة جزء من اللاجئين، وتوطين الباقين بحسب مبدأ التعويض ويضمن أمن يهود، ويعترف بحقها في الوجود، ومع ذلك فحكام العرب ما زالوا يتمسكون بهكذا مبادرة، التي أصبحت سبة في جبينهم.
• وثائق و مبادرات عديدة أذكر منها:
1- وثيقة جنيف (بيلين - ياسر عبد ربه): والتي سميت "مسودة اتفاقية للوضع الدائم"
2- وثيقة أيلون ـ سري نسيبة .
-3 وثيقة بيلين ـ أبو مازن : والتي أخذت اسم "مشروع معاهدة لقضايا الحل النهائي"
والقاسم المشترك الذي تلتقي عليه هذه الوثائق الثلاث هو أنها جميعها تبرئ كيان يهود من جريمة طرد ومعاناة المهجرين من أهلها، بل وتقر مبدأ التجاور السلمي مع المحتل، علاوة على جعلها إعادة جزء من المهجرين إعادة انتقائية، وبحسب الناحية الإنسانية، التي يقررها الاحتلال فاقد الإنسانية، وقبل بضعة أشهر اتخذت منظمة التحرير قرارا بإنشاء دائرة جديدة هي دائرة شؤون المغتربين، ومن يدري فربما أصبحت في المستقبل بديلا عن دائرة شؤون اللاجئين.
• خطة سلام فياض لبناء مؤسسات الدولة خلال عامين، وكان ما قاله حولها في مقابلته مع صحيفة هآرتس "للفلسطينيين حقُ الإقامة داخل دولة فلسطين"، مما يعني أنهم لن يعودوا لقراهم ولن تعود قراهم لهم بحسب خطته تلك بل سيتم تكديسهم في حدود دولة غير قابلة للحياة على جزء يسير من أرض فلسطين.
الإخوة الحضور........
فلنكف عن التلهي بحديث حق العودة عن واجب إعادة فلسطين إلى حوزة الإسلام، ، فالمسألة ليست في أن يعود الفلسطينيون إلى فلسطين تحت حكم يهود مع الإقرار باغتصابهم لها، بل المسألة أن تعود فلسطين لأهلها بعد القضاء على كيان يهود، ثم إنه بحجة حق العودة يصطلي المهجرون من أهل فلسطين بظلم الحكام، تحت مبرر أن إعطاءهم حقوقًا تتساوى مع حقوق السكان الآخرين يعني تضييع حق العودة المزعوم، وهذا تضليل للأمة من عدة وجوه:
1. فهذه الكيانات القائمة في بلاد المسلمين، والتي تسمى أوطانا هي كيانات باطلة شرعا، ويجب العمل على ضم بلاد المسلمين جميعا تحت راية واحدة، وعليه فإن من حق كل مسلم العيش في أي بلد إسلامي فتحها أجداده من الصحابة أو التابعين، ومن باب أولى من حق كل لاجئ أن يقيم في اندونيسيا وموريتانيا، كما في الأردن ولبنان وسوريا ومصر.
2. نعم يحق لكل من أُخرج من أرضه بغير حق أن يعود إليها، ولكن جعل الموضوع يبحث على صعيد "حق العودة" هو حرف للأنظار عن القضية الأصلية، قضية تحرير فلسطين، ويجب أن نلاحظ أن الحديث عن "حق العودة" يقترن بمفهوم ضمني هو بقاء كيان يهود، فالذي يتبنى إزالة كيان يهود من الوجود لا يخطر بباله حق العودة ولا يبحثه لأن إزالة كيان يهود لا تجعل مكاناً لبحث موضوع (حق العودة)، بل سيترتب طبيعياً ومنطقياً على تحرير فلسطين كل فلسطين أن يرجع إليها أهلها، ولتوضيح الصورة أكثر نقول تصوروا لو أن كيان يهود قضي عليه اليوم وحكم البلاد أهلها، هل سيكون مكان لبحث موضوع حق العودة، أم أن ملكية اللاجئين والمهجرين لدورهم وأراضيهم ستكون من البديهيات التي لن يختلف عليها أحد؟
فالواجب إذن أن تسعى الأمة كلها لتحرير فلسطين، وليس اللاجئون من أهل فلسطين هم وحدهم المسئولين عن تحرير فلسطين، بل إن المسؤولية عن تحرير فلسطين هي مسؤولية كل المسلمين، فالله سبحانه يقول: "وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ"، وعلى المسلمين أن يقفوا في وجه الدعوات المشبوهة التي يراد لها أن تكون بديلة عن تحريك جيوش المسلمين للجهاد والتي يكون اللاجئون جزءاَ منها.
3. لا يقال إن التضييق على حياة اللاجئين، وحصارهم، وجعلهم يشعرون أنهم ضيوف غرباء، بحجة الحفاظ على حق العودة، لا يقال أنه تصرف مسئول كي لا ينسوا قضيتهم، بل إن الواجب على المسلمين في بلاد المسلمين أن يؤووا هؤلاء ويوفروا لهم كل أسباب الحياة، كما آوى الأنصار المهاجرين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نفـّـس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفــّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة و من يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا و الآخرة و من ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا و الآخرة و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) رواه مسلم، وبالتالي فان أي تضييق على اللاجئين من أهل فلسطين إنما هو جريمة جديدة تضاف إلى سجل جرائم الحكام والأنظمة الجاثمة على صدور المسلمين.
الإخوة الحضور:
قد نتفق أو نختلف في تحليل ظواهر وأفعال سياسية، إنما الذي يجب أن نتفق عليه هو أن يكون مستندنا في الحكم على القضايا السياسية هو العقيدة الإسلامية، فلا يصح أن ننظر لمسألة اللاجئين دون النظر لفلسطين وحكم الإسلام فيها، ولا يصح أن نتكلم عن إعادة اللاجئين لفلسطين دون أن نذكر عودة فلسطين إلى المسلمين، وبالتالي فان المواقف لا يصح أن تخرج عن إطار الأحكام الشرعية التي قررها الإسلام، ومنها:
• أن أرض فلسطين أرض إسلامية خراجيه ملكيتها ليست لأهلها وليست للعرب بل هي لكل مسلم في هذه الدنيا حتى الذي لم يولد منهم بعد، ففلسطين أرض مقدسة احتلت وليست أرضاً فلسطينية سلبوها من جدي .
• أن أهل فلسطين في حكم الملهوف، سواء من كان خارج فلسطين أم داخلها، وواجب على المسلمين إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، بدلا من تركهم وحدهم يتصدون بقلة عددهم وعدتهم لإجرام يهود.
• القول بمسؤولية وكالة الغوث عن إغاثة اللاجئين، والحديث الذي يظهر بين الفينة والأخرى حول تقليص الخدمات والسعي نحو التوطين، إنما هو حديث يصب في نفس نظرة الغرب الكافر من أن اللاجئين قضية إنسانية ويجب حلها حلاً اقتصادياً، ومن المعلوم أن هدف (الأونروا ) هو تحقيق عودة اللاجئين تطبيقاً لقرار الأمم المتحدة 194، وكفى بذلك إثماً.
• القبول بدولة على حدود 67 كما أصبح يروج الكثيرون، إنما هو اعتراف بأحقية كيان يهود في ما تبقى في فلسطين، ولا فرق هنا بين من يقول بمرحلية الدولة عمن يعتبر ذلك حلا نهائيا فالنتيجة واحدة، ومن يقبل بدولة في حدود 67 إنما هو مفرط لا يجدي هنا تشدقه بكثير من الألفاظ من مثل حق العودة.
• إننا لن ننال شيئاً بالمفاوضات، فحق العودة أمر ترفضه كل حكومات يهود، والواقع أمامكم يصدق هذا القول، فيهود لن يعطوا أهل فلسطين شيئاً من حقوقهم ، فلنتذكر قول الله تعالى " أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً " قد ننال بالمفاوضات فتاتاً معجوناً بذلة، ولكننا قطعاً لن نحرر فلسطين ولن نزيل كيان يهود بالمفاوضات، ولن نرضي ربنا بأي حل يتمخض عن مفاوضات مهما كانت وكان.
أيها الحضور الكريم:
فليكف حكام العرب والمسلمين عن اللهاث وراء مسمى حق العودة، فإن القضية ليست عودة اللاجئين فقط، ولا هي عودة أي عودة لفلسطين، بل إنما هي عودة فلسطين إلى المسلمين، بل إن الواجب هو أن نتحرك التحرك الحقيقي الذي يحرر فلسطين وهو الذي يشمل الأمة بمقدراتها وجيوشها، فتتحرك الجيوش بإمرة قائد مسلم مخلص لإزالة المحتل بالضربة القاضية وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، كما وعد رسول الله بقوله "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله. . إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود" رواه مسلم.
وكل ما سوى ذلك إنما هو عبث لا يصح أن يستمر، وعندها وعندها فقط تعود فلسطين كل فلسطين، فيسكن فيها من شاء من المسلمين، ويشد الرحال إلى أقصاها من شاء منهم، ويتنقل أهلها دون أي حواجز أو معيقات في ربوع دولة الخلافة القادمة بإذن الله.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا}
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
حسن المدهون عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين