قد يظن بعض الناس أنّ مداهنة ومهادنة من بيده القوة تنجيه أو تخفف عنه مصابه، فيغفل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، وهذه قصة الشاب علي، أحد شباب حزب التحرير، نضعها بين يدي القراء الأعزاء، ليروا كيف أخذ بالتقوى والعزيمة والهمة العالية دون أن يضره ذلك شيئا، فجسد بموقفه حديث رسول الله ويقينه بأنّ المكتوب لا مفر منه ولا هروب.
 الاعتقال لمجرد محاولة حضور ندوة
ذهب الشاب علي ليحضر ندوة لحزب التحرير في قاعة بلدية يطا- الخليل، ولكن أجهزة السلطة القمعية أغلقت البلدية بقوة السلاح وهمجية القيادات، وحولتها إلى مركز للاعتقال والتحقيق، فكان نصيبه الاعتقال لمجرد وجوده على باب البلدية التي كان من المفترض أن تحتضن الندوة.
 
تحويل البلدية إلى مركز تحقيق واعتقال
المحقق: لماذا أنت هنا؟
علي: أنا موجود لحضور محاضرة لحزب التحرير
أراد المحقق أن يشعر علياً بالصغار والحاجة للسلطة، فقال: ما هو عملك؟ ومن أين تأخذ راتبك؟
ولكن علي فوت عليه هذه الفرصة، فقال: آخذ راتبي من السلطة، وعندما كان يهود يدفعون الرواتب، كنتم أنتم تأخذون منهم رواتب، فهل عبتم على أنفسكم أخذ رواتب منهم؟! وأيضاً فإن كل من يدّعي حكم مجموعة من الناس عليه أن يدفع رواتبهم, إذا لم يُرد دفع رواتبهم فعليه تركهم وشأنهم ولا يحكمهم.
المحقق: لماذا تحضر محاضرة ممنوعة؟
أحب علي أن يجيب المحقق من جنس كلامه، فقال: المحاضرة ليست ممنوعة بحكم دستوركم، لأنّ قرار المحافظ لا يُلغي ما سمح به دستوره.
وهكذا انتهت الجولة الأولى بعد أن أدرك المحقق أنّ صحنه فارغ، بعد أن اسمعه الشاب علي ما لا يحب.
إذا خذوه إلى النظارة، قرر المحقق.
وبينما هم يأخذونه إلى السجن، قال أحدهم لعلي مستهتراً: لنرى متى تأتي الخلافة؟!!
علي يرد رد الواثق بنصر الله: بإذن الله ستأتي وسنرى أين ستكون أنت وأمثالك في ساحة الخلافة.
لم تطق الشرطة التي اعتقلت علي شدة الإجابات والردود التي كانت أحد من السيف فانهالت على الشاب وعلى من كان معه بالضرب في مركزها في يطا.
 
السلطة تنتظر إذن يهود للمغادرة
على الرغم من كل عنجهية السلطة إلا أنها لا تملك أن تغادر البلدة إلى المحافظة إلا بعد أن يأذن لهم أسيادهم يهود بذلك، وفعلا بقوا في المركز وقتاً طويلا وهم ينتظرون إذن يهود.
وأخيراً جاء الإذن من أصحاب السيادة الحقيقية على السلطة، فخرجوا في "زفة" تضم ما يُقارب خمس عشرة سيارة وأصوات سياراتهم وأبواقها مختلفة الأصوات، يظن الظان أنهم انتصروا على أكبر عدو أو حققوا أعظم إنجاز، أو دحروا يهود!!.
 
وتبدأ مرحلة التحقيق،
كانت البداية غريبة على السلطة ومحققيها، إذ أنّ عليا رفض الإجابة على أسئلتهم ولم يعطهم حتى هويته ولا رقمها، مما اضطرهم إلى استخراجها من الكمبيوتر حتى يثبتوا له بأنّ رفضه إعطاء المعلومات لا يعني لهم شيئا، من شدة غيظهم.
وأخيراً رفض علي مجرد التوقيع على الإفادة.
فلم يجدوا شيئا ليفعلوه مع علي إلا تركه خمسة أيام في السجن، ليعرضوه بعدها على النيابة العسكرية التي توفر لهم الغطاء القانوني للاعتقال السياسي الذي يدينه قانون السلطة المزعوم. وكما اعتاد أهل فلسطين على يهود في معتقلاتهم التي فيها الخصم والقاضي هو المحقق، وهذه ربيبتهم السلطة التي ابتدعت القضاء العسكري والنيابة العسكرية التي لا تملك من أمرها سوى تلاوة القرار الذي يكتبه لهم المحققون، بحسب تصريح أحدهم لأحد المقربين منه.
 
النيابة العسكرية تحقق مع معتقل مدني سياسي
النائب العسكري: هل تنتمي لحزب التحرير؟ هل أنت مذنب؟
علي: نعم انتمي لحزب التحرير، وأنا لست مذنباً.
النائب: كيف اُعتُقِلت؟
علي: كنت في الشارع العام وتم اخذي من الشارع، فهل هذه تهمة؟
النائب: أنت متهم بمناهضة السياسة العامة للسلطة، فهل حسب هذه التهمة أنت مذنب؟
علي: أنا لست مذنباً وأنت تسمّي التهمة كما يحلو لك من الأسماء التي لا تُقنِع أي نظام أو قانون في العالم.
النائب يطلب التوقيع على الإفادة قائلاً: أنتم لا توقعون، ما رأيك؟
علي: نعم أرفض التوقيع.
فلم يكن من النائب العام إلا أن كتب رفض التوقيع.
 
مفاوضات ما قبل الإفراج
اعتادت السلطة على أن تفاوض الشباب المعتقلين حتى أخر لحظة تسبق الإفراج، وكل ذلك إما لتنال من الشاب أو على الأقل لتخرج بشيء يحفظ لها ماء وجهها الأسود.
وفعلاً في اليوم التالي استدعوا علي ليقول له: نحن نريد أن نُخلي سبيلك وأنت من عائلة محترمة، ولا نُريد إيذاءك وإبقاءك عندنا، وما عليك إلا التوقيع لنا.
علي وبعد خمسة أيام من الاعتقال لم تلن له قناة، أو تضعف عزيمته، فهو يعلم أن الأمر بيد الله يدبره حيث يشاء، وما عليه إلا الثبات على الحق.
فقال: إذا أردت أن تُخلي سبيلي فهذا يكون بدون توقيع، ولن أوقع.
يئس المحققون من علي ففاوضوه على مجرد التوقيع على الإفادة!!
وخرج علي من عند السلطة وهو الواثق بالله والمتيقن بأنّ الحامي والمنجي هو الله.
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }الحج38
 
27-9-2010