أسباب فقدان الرؤية وغياب الجدية في تصور الحل الجذري لقضية فلسطين

أ‌. خالد سعيد/عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

إن المتابع لما يطرح من حلول لقضية فلسطين من مختلف الأطراف، يلمس حالة من التخبط والعشوائية، وإذا أردت فهي حالة من التذبذب واللامبدئية، ومع استقراء تلك الحلول وطبيعة الأطراف التي تتقدم بها تجد أنها تفتقد لأية رؤية حقيقية وجادة لحل قضية فلسطين حلاً جذرياً، ومن كان لديه شيء من ذلك في بداية المشوار كانت الأيام، خصوصا بعد مرور أكثر من ستين عاماً من عمر القضية وتقلب الأجواء عليها، كانت الأيام كفيلة بإحداث تغيير جذري في تلك الرؤية شكلا ومضموناً وكأنها قطعة من صخر تعرضت لعوامل التعرية المختلفة فأنتجت مسخاً.

فماذا يعني أن يقضي البعض حياته في الكفاح المسلح ثم ينتهي به الأمر إلى تحريم عسكرة الصراع مع يهود بل ويصبح التنسيق الأمني لضرب أي نشاط ضد يهود "مقدساً"؟! ثم ماذا يعني أن يمارس البعض دور شاهد الزور فيما يجري على أرض فلسطين؟! أم كيف يمكن أن يُفهم محاولة البعض "شرعنة" التفاوض مع يهود من ناحية إسلامية، وإمكانية التعايش معهم كجيران في الأرض المباركة فلسطين، بحجة أن كيان يهود أمر واقع، وأن ذلك بات مطلباً شعبياً، وتحقيقاً لمصالح الناس وتخفيفاً لمعاناتهم؟! فمن يا ترى من أهل فلسطين يقبل ببيع فلسطين ليهود بكسرة خبز مغمسة بالذل والهوان؟! أم أن تلك الدماء التي سفكت ولا زالت تنزف في شوارع القدس وأزقتها وفي باحات المسجد الأقصى، وعموم فلسطين في غزة والضفة وأراضي الـ48 كانت تنتظر أن تكون حبراً لاتفاقيات العار والشنار؟!

وهنا نقف على بعض أسباب فقدان الرؤية وغياب الجدية في تصور الحل الجذري لقضية فلسطين والعمل على تنفيذه عند أصحاب تلك الطروحات والمبادرات:

* أولاً: تأطير قضية فلسطين بالإطار الوطني، ففلسطين وقضيتها إسلامية بامتياز، والنظرة الوطنية تقتلها كمن يلف الحبل على رقبته.

* ثانياً: حصر عملية التحرير بما تقوم به الفصائل من أعمال عسكرية، وهو ما جعل القضية محل المساومة والمناكفة بحسب مصالح تلك الفصائل، بينما الأصل في القضية أنها قضية أمة لا فصائل.

* ثالثا: ارتباط القوى العاملة على الساحة في ولائها للأنظمة القائمة في بلاد المسلمين، وهي التي في الأساس حافظت على كيان يهود وثبتت أركانه.

* رابعاً: فقدان آليات التعبئة والتوعية الصحيحة لدى البعض كنتيجة لفقدان المنهج، واعتماد الأسلوب الجمعي في بناء جسم الحركة والتنظيم، واتخاذ بعض عناصرها العمل النضالي صورة من صور الاسترزاق.

* خامساً: اعتماد ما يسمى بالشرعية الدولية (قرارات الأمم المتحدة، مجلس الأمن، القانون الدولي، الرباعية وغيرها) كأساس ومرجعية لحل القضية، والواقع أنه لا يوجد قرار واحد لتلك المؤسسات منصف لفلسطين وأهلها.

* سادساً: خوض الصراع مع يهود من خلال الاستفادة من الصراع بين القوى الدولية المختلفة، لتحصيل التأييد والدعم والمساندة، متناسين أن تلك القوى مع اختلاف مصالحها وتصارعها لا تختلف على وجوب حماية كيان يهود، والمحافظة عليه بوصفه مصلحة مشتركة، فهي من زرعت هذا الكيان المحتل، ولا يمكن أن تتخلى عنه لصالحهم.

* سابعاً: اعتبار السلطة الفلسطينية انجازاً لابد من المحافظة عليه والعمل من خلال مؤسساتها، والمنافسة على رئاستها وحكومتها والاستوزار فيها، كحالة مزاوجة بين السلاح والسياسة أو قل بين المقاومة والمفاوضة، كما يحلو للبعض أن يسميها. فهل يجهل هؤلاء أن السلطة مصلحة استعمارية ومشروع غربي؟! وأوضح وأصرح ما يمكن الاستدلال به على ذلك ما ورد على لسان السفير الأمريكي "السلطة مشروع أمريكي وأمريكا لا تسمح بانهيار مشاريعها".

* ثامناً: البحث في كل الخيارات والبدائل الفاشلة مع استبعاد الحل الأوحد لهذه القضية عبر التوجه بخطاب صادق وخطوات عملية لتحريك جيوش المسلمين، ودعوتها لتشكيل "عاصفة حزم" أو "حلف عسكري إسلامي" يقضي على كيان يهود، وينهي عذابات أهل فلسطين ويفك قيد مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطهر الأرض المباركة فلسطين.

لذلك كله كان لابد من وقفة صادقة وجادة مع النفس لمراجعة المسيرة وإعادة ضبط البوصلة وتحديد الوجهة الصحيحة ليتحقق التحرير، وهنا لابد من استثمار الحالة الثورية في الأمة والاستفادة من حالة المخاض الذي تمر بها لكي نعيد تشكيل وعيها من منطلق العقيدة الإسلامية، ونضع فلسطين موضعها الطبيعي في سلم الأولويات لديها، وهي جاهزة ومستعدة لذلك، وقد عبرت عنه مراراً وتكراراً في القاهرة وتونس وطرابلس الغرب وصنعاء وهناك في الشام الجريحة "ع القدس رايحين شهداء بالملايين".