ماذا حمل نائب الرئيس الأمريكي في جولته الأخيرة للمنطقة؟

بقلم: علاء أبو صالح*

عن الراية

قام نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع المنصرم بجولة في المنطقة شملت الإمارات وكيان يهود والسلطة الفلسطينية والأردن، وجاءت زيارته بعد أيام من كشف مسؤولين أمريكيين أن البيت الأبيض يدرس عدة خيارات بهدف الدفع باتجاه إحياء مفاوضات السلام بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين قبل انتهاء ولاية الرئيس باراك أوباما، حسبما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال". ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أن "من بين الخيارات الضغط على إسرائيل لتجميد البناء في المستوطنات والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية".

وللوقوف على حقيقة هذه الزيارة وأهدافها نستعرض مجمل الأحداث والتصريحات التي سبقتها وصاحبتها:

-      فقبيل الزيارة قللت واشنطن من التوقعات بشأن إحياء محتمل لعملية السلام بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، مشيرة إلى أن الموضوع الأساسي الذي سيبحث في الزيارة هو الوضع في سوريا المجاورة. وقال مسؤول أمريكي كبير إن الزيارة ترمي إلى "إيجاد السبل لخفض التوتر وترك الباب مفتوحا أمام حل الدولتين". (وكالة فرانس برس 5/3/2016)

-      فيما قال المسؤول الفلسطيني أحمد مجدلاني للوكالة نفسها، "السيد بايدن يأتي إلى المنطقة فقط في إطار خططه المتعلقة بمكافحة الإرهاب في سوريا، وليس من أجلنا".

-      وقال البيت الأبيض إن رحلة بايدن القصيرة إلى "إسرائيل" ستركز على المصالح الأمريكية في مجالي الاقتصاد والطاقة، وكذلك على المخاوف الأمنية إزاء إيران وسوريا.

-      وبحسب مكتب رئيس وزراء كيان يهود فإن نتنياهو وبايدن ومساعديهما ناقشوا مسائل عدة، من ضمنها تنظيم "الدولة الإسلامية" ومشاركة إيران في الحرب الأهلية السورية وتهريب الأسلحة من سوريا إلى حزب الله في لبنان والجهود المبذولة للتوصل إلى تهدئة التوترات مع تركيا وبناء خط أنابيب غاز طبيعي في المنطقة والتنسيق الأمني بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية و"التحريض" الفلسطيني المتواصل.

-      وفي انتقاد واضح لكيفية تعامل كيان يهود مع الهبة الجماهيرية، قال بايدن "إن إسرائيل لن تكون قادرة على وقف العنف المتصاعد المستمر منذ عدة أشهر بالقوة العسكرية".

-      ومن المتوقع أن يكون بايدن قد وضع اللمسات الأخيرة على حزمة المساعدات الدفاعية المقدمة لكيان يهود لمدة 10 سنوات، والتي تسعى من خلالها واشنطن إلى طمأنة كيان يهود بعد الاتفاق النووي الإيراني.

-      وقبل زيارة بايدن لكيان يهود بيوم أعلن رئيس وزراء يهود عن إلغائه للقاء مزمع يجمعه بالرئيس الأمريكي في 18 آذار/مارس الحالي، مما سبب امتعاض البيت الأبيض الذي علم بالأمر عبر وسائل الإعلام. وفي هذا السياق قال سفير كيان يهود الأسبق في واشنطن مايكل أورن "بلغت نتنياهو معلومات أن أوباما سيطالبه باعتراف إسرائيلي بأن القدس الشرقية عاصمة فلسطين مقابل اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية".

-      وفي لقاء بايدن مع ملك الأردن قال بيان للديوان الملكي أن بايدن بحث مع الملك عبد الله الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لمحاربة الإرهاب والتطرف وعصاباته، وسبل التعامل مع هذا الخطر ضمن نهج شمولي. وفيما يتعلق بالوضع الفلسطيني اليهودي، تناول اللقاء جهود تحقيق السلام بين أهل فلسطين ويهود، استناداً إلى حل الدولتين. ودعا الملك عبد الله إلى "ضرورة الوقف الكامل للانتهاكات الإسرائيلية في القدس الشريف".

-      كما كان بايدن قد التقى يوم الثلاثاء 8 آذار/مارس حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وناقشا خلال اللقاء أمن الشرق الأوسط والعلاقات الاقتصادية بين البلدين.

من مجمل الأحداث التي سبقت ورافقت زيارة نائب الرئيس الأمريكي يستطيع المتابع أن يدرك أن الشأن السوري كان محور الجولة، وأن أمريكا تريد ترتيب أوراق المنطقة لكيلا تؤثر أحداث فلسطين وتطورات الوضع فيها على مخططاتها في الشام، فأمريكا تولي قضية سوريا أولوية قصوى وتسعى جادة لإنجاح مخططاتها هناك لإجهاض ثورة الأمة فيها، وقد ظهرت أهمية الملف السوري في لقاءات بايدن بحكام الإمارات والأردن.

أما بخصوص الوضع في فلسطين فكل ما ساقته التوقعات والأخبار حول نية واشنطن الطلب من كيان يهود وقف الاستيطان والاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة لفلسطين والحديث عن استئناف المفاوضات، فهي لا تعدو كونها أوراق ضغط تمارسها الإدارة الأمريكية على حكومة نتنياهو المناكفة لها لتحقيق أمرين؛ أولهما تهدئة الأوضاع وتخفيف الاحتقان، والثاني إبقاء الروح في مشروع حل الدولتين الأمريكي الذي تسعى حكومة نتنياهو للإجهاز عليه، وإلا فإدارة أوباما الحالية "بطة عرجاء"، ولن تقدم على طرح مشاريع "سلام" أحجمت عن طرحها طوال سنوات خلت، إنما كل ما تتطلع إليه هو إدارة الأزمة في فلسطين وإبقاء مشروع "حل الدولتين" قائماً، وهدوء نسبي في المنطقة يخدم سعيها الجاد للوصول إلى حل علماني في الشام، ولا شك أن لكيان يهود دوراً محورياً في المنطقة وصياغتها وفق الرؤية الأمريكية.

غير أن حكومة نتنياهو - المناكفة لإدارة أوباما - سعت لإفشال الزيارة عبر التصعيد الميداني والإعدامات المتكررة بدم بارد التي تؤجج المشاعر وتهيئ الأجواء للانتقام، ثم زعمت محاربة الإرهاب فألجأت بايدن لتوجيه انتقاد لرئيس السلطة لعدم إدانته لعملية يافا، بل إنها هربت إلى الأمام للتخلص من أي ضغط أمريكي ولإجهاض مساعي بايدن، فشددت إجراءات الحواجز في الضفة الغربية وبدأت تتحدث عن إمكانية انهيار السلطة وأن السلطة مدينة في بقائها لجيش يهود وقللت من أهمية التنسيق الأمني معها. وليست هذه المرة الأولى التي تسعى حكومة نتنياهو لإفشال زيارة نائب الرئيس الأمريكي، فقد فعلت ذلك في عام 2010 حينما استبقت زيارته للمنطقة بالإعلان عن بناء 1600 وحدة سكنية في مستوطنة "رامات شلومو" في القدس الشرقية، مما لاقى انتقاداً حاداً من بايدن آنذاك.

إن كل المعطيات تؤكد بأن الإدارة الأمريكية لن تصنع شيئاً جدّياً بخصوص استئناف المفاوضات وعملية "السلام" العالقة في رمال المنطقة، وأنها إنما تسعى لإدارة الملف وتهدئة الأوضاع والحدّ من "التفلتات" اليهودية عبر عصا الضغوطات السياسية وجزرة المساعدات العسكرية، والقوى الدولية تدرك ذلك بوضوح، لذلك وجدنا وزير الخارجية الفرنسي الجديد يتراجع عن موقف سلفه الذي هدد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية حال فشل مؤتمر السلام الذي تنادي به فرنسا.

إن زيارة نائب الرئيس الأمريكي للمنطقة قد حملت السم الزعاف للمسلمين عموماً، وهي زيارة خطرة ومهمة، تأتي في وقت خطير حيث تحوك أمريكا خيوط المؤامرة في الشام، وإنه لمن عار الأنظمة الجبرية وتآمرها على الأمة أن تكون الإمارات والأردن أحد أركان هذه الزيارة وشريكاً أساسياً في مخططات أمريكا.

كما إنه لمن العار أن تعتبر هذه الأنظمة معاناة أهل فلسطين مجرد عقبة في طريق سيرها في مخططات أمريكا فتلجأ لها لتهدئة الأوضاع ليتسنى لها الانخراط أكثر فأكثر في حرب أمريكا الصليبية ضد المسلمين، بينما هي تخذل فلسطين وأهلها ومقدساتها بل وتتآمر عليها.

وكل ذلك يدعو المسلمين إلى التحرك بأقصى طاقة وأقصى سرعة للقضاء على النفوذ الاستعماري في بلادنا بإسقاط هذه الأنظمة العميلة وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة على أنقاضها، لتتحرك جيوش المسلمين نصرة لأهل الشام وفلسطين وكل بلاد المسلمين المحتلة، وحينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

 

* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين