ردًا على أسئلة موفق مطر - راية العُقاب لا أعلام الفرقة والعذاب
إبراهيم الشريف – عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
بعد أن تاهت الدروب بالصحفي موفق مطر، وهو يبحث عن التناقض الموهوم في مراجعة حزب التحرير الإعلامية لوكالة معًا التي نشرتها على صفحاتها، حاول الضرب على وتر حب الأوطان ليسوّق للمسلمين فكرة فصل فلسطين عن هويتها الإسلامية، وإعطائها هوية وطنية مزعومة، مصوّرًا أن نضالات أهل فلسطين وغيرهم كانت من أجل العلَم، ومحاولا تصويرها على أنها لم تكن من أجل أرض إسلامية مباركة لا تنفصل عن بقية الأراضي الإسلامية بأي نوع من أنواع الانفصال رغم سياج سايكس-بيكو المفروضة قهرًا.
 
هذا العلَم، كأمثاله من أعلام البلاد العربية، كان نتاج سايكس- بيكو ولا كلام، فهو قطعة من قماش ترمز لقطعة الأرض المحصورة بين الحدود التي خطها مارك سايكس وجورج بيكو، وتجعل هذه الحدود مقدسة، وتجعل الفلسطيني أخا الفلسطيني فقط ولو كان مجوسيًا، بينما لا تجعل السوري أخا الفلسطيني أو المصري ولو كان مسلما، مع أن رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يقول: (المسلم أخو المسلم). وليس الفلسطيني أخا الفلسطيني فقط، فالصفة التي تحصل بها الأخوة هي الإسلام، أي أن الرابطة التي تربط الناس هي العقيدة وليست الأرض.
 
والواقع أن الوطنية التي سُوّقت للمسلمين على أنها حب الوطن هي عبارة عن فكرة هدفها تثبيت فرقة المسلمين وضمان عدم وحدتهم على أساس إسلامهم مرة أخرى، وهي التي منعت أي تكامل بين الأمة الواحدة على أساس أن الوطن أولاً! وطبعًا المقصود فيها هو الوطن بحدود سايكس بيكو، فكلٌ يعض على قطعة القماش خاصته التي صنعها له الاستعمار وأذنابه وينظر للمصلحة من زاوية الوطن الضيقة.
 
إن المشكلة لا تكمن في العلم كقطعة قماش، ولكنها تكمن في المفاهيم التي وضعت من أجلها هذه القطعة من القماش، من مثل ما سبق، ومن مثل أن فلسطين للفلسطينيين وليست لعامة المسلمين يجب عليهم تحريرها، بينما الحقيقة الشرعية القطعية أن فلسطين لجميع الأمة الإسلامية من السابقين ومن اللاحقين، بنص القرآن الكريم، وهي أرض خراجية لا يملك سكانها "رقبتها" وإنما يملكون منفعتها فقط –حسب ما هو مقرر ومحتم في الأحكام الشرعية، التي لا يبدو أن الكاتب معني بها.
 
وإن فلسطين لن تُحرر إلا بصفة الإسلام الذي يفرض الجهاد لخلع الاحتلال من جذوره، ومصداقًا لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): (حتى يقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله)، فالمنادى هنا هو يا مسلم وليس يا فلسطيني. وحينها ترتفع راية الإسلام، راية رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) فوق المسجد الأقصى المبارك وتختفي كل أعلام سايكس بيكو التي فرّقت المسلمين، ومكّنت عدوهم منهم وجرّت عليهم الذّل والهوان إذ لا عزّة للأمة الإسلامية إلا بالإسلام، ومن ابتغى العزّة بالوطنية أو غيرها أذله الله.
أما استدلال الكاتب بمحاربة "إسرائيل" للعلم، فإن "إسرائيل" اليوم ترفع العلم لدى لقاء المسئولين في السلطة الفلسطينية، بل وتوافق على توريد السلاح لمن يحمي هذا العلَم، ومن ثم فلو استخدمنا منطق الكاتب نفسه، نجد أن رفع هذا العلم أصبح اليوم مصلحة "إسرائيلية"! والحقيقة، أننا لا نعتبر معايير "إسرائيل" حكمًا في مثل هذه القضايا الشرعية، ناهيك عن أن "إسرائيل" كانت ستحارب علم أميركا لو رُفع ينازعها سيادتها ولو على نصف شبر، وأن العلم هذا أصبح يرمز لجزء يسير، من أرض فلسطين التي تدير شؤونها سلطة تحت الاحتلال، والاحتلال هو الذي شرّعه بنفسه ليُرفع في هذا الجزء!
 
وجاءت كلمات الكاتب بخصوص أمراء حزب التحرير لتؤكد حقيقة جهله بتاريخ وحاضر حزب التحرير الذي تجذّر في أنحاء العالم الإسلامي، فهو اعتبر أن أمراء الحزب يدفعون بشبابهم إلى مواجهةٍ لا يخوضونها بأنفسهم، جاهلا أو متجاهلا لكل قرارات حظر حزب التحرير في بلاد الشرق والغرب، ولكل ما يواجهه شباب الحزب وقادته الذين هم في المقدمة دائما، من سجن ومطاردة ومضايقة في الرزق وتعذيب يُفضي إلى الاستشهاد. فيبدو أن الكاتب لا يعرف ولا يريد أن يعرف، أن أمير الحزب الأول الشيخ القاضي تقي الدين النبهاني مات رحمه الله بعد التعذيب الشديد الذي واجهه في سجون العراق، وحكم عليه بالإعدام في الأردن، وعاش طريدًا بعيدًا عن أهله، والأمير الثاني الشيخ الأزهري عبد القديم زلوم رحمه الله سار على دربه ولحق به بعد أن سجن وعاش ملاحقا بعيدا عن الأهل والولد، وأما الأمير الحالي الشيخ المهندس عطاء بن خليل أبو الرّشتة فإن سجون ليبيا والأردن تشهد له، وهو لا زال بعيدا عن أهله وأحبابه، وتطارده أجهزة مخابرات دول عديدة. وإن مئة مقال من أمثال مقالات الكاتب لا تستطيع أن تضع نقطة حبر واحدة في سجل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وليسوا -كمن يحتفي بهم الكاتب- خدّامًا لأعداء أمتهم يتلقونهم بالقبلات تلو القبلات.
 
إن الحقيقة الساطعة اليوم هي أن فكرة الخلافة قد آن أوانها وتصريحات قادة الدول الكبرى المتوجسين من عودتها ملئت الآفاق وهم يحذرون من عودتها، وجماهير المسلمين أصبحت ترقب فجر الخلافة كما تقول العديد من التقارير الغربية، وعلماء المسلمين المخلصون يساندون حزب التحرير في دعوته، وما مؤتمر علماء المسلمين الذي عقد قريبا في اندونيسيا وحضره نحو خمسة آلاف عالم من مختلف العالم الإسلامي إلا شاهد من هذه الحقائق، التي لا يكلّف الكاتب نفسه عناء متابعتها قبل الكتابة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة".