تهيؤ الأجواء لميلاد دولة الخلافة

بقلم حمد طبيب

ما أشبه الحياة التي عاشها المسلمون في مكة المكرمة، في مجتمع الكفر، وفي ظل غياب الإسلام، وفي ظل الاضطهاد والتعذيب والإيذاء بحال المسلمين اليوم وخاصة تلك الفئة المؤمنة التي رفعت لواء التغيير، وأبت أن تساير الواقع الفاسد.

فقد جاء نفر من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة المشرفة، وقالوا: يا رسول الله.. ألا تستنصر لنا..ألا تدعو لنا؟!، فقال صلى الله عليه وسلم: (كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشقّ باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يَصدّه ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ). رواه البخاري .

وفعلا أتم الله هذا الأمر، أي الإسلام وصارت له دولة بعد النصرة والهجرة، وصار للمسلمين قوة ومنعة وسلطان، ثم انتشر أمر الجهاد فوصل مكة التي أخرجت الرسول صلى الله عليه وسلم وآذته، فأصبحت مكة المكرمة ضمن نطاق الدولة الإسلامية الوليدة، ثم توسعت الدولة حتى بلغت حدودها كلّ جزيرة العرب قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم!!..

وأصبح الأمر كما بشر الرسول، صلى الله عليه وسلم.. يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله تعالى والذئب على غنمه، ورأى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المكرمة الربانية العظيمة بأعينهم وعايشوها عمليا في حياتهم!!..

واليوم ترتفع الأصوات من المخلصين الغيورين على أمة الإسلام وعلى هذا الدين ... (متى نصر الله؟!، وتلهج الألسن ليل نهار بالدعاء، سرا وعلانية (اللهم انصر دينك، ومكن للعاملين في سبيلك وامنن عليهم بالعزة والدولة)!!..

والحقيقة أنّ الاستعجال هو علامة من علامات الصدق والإخلاص لهذا الدين ولهذه الدعوة العظيمة، فالمسلم التقي النقي يريد لهذا الدين العزة والمنعة والقوة، ويستعجل هذا الأمر لأنه يعز عليه أن يرى حال أمة الإسلام، وما يجري لها في أرجاء الأرض.. ويعز عليه حال المسلمين في ظلّ الفقر والتأخر والتردّي والذلّ والهوان أمام الشعوب الأخرى في الأرض..

ولكن نقول في هذا المقام: إنّ الإسلام هو دين الله، والله أرأف بالمسلمين من أنفسهم، فالدين دين الله، والعباد هم عباده، والله سبحانه يريد لهذا الدين النصر والنصرة والتمكين تماماً كما أراده لصحابته رضوان الله عليهم في مكة المكرمة..

وإذا رجعنا قليلاً إلى الماضي، والى الظروف التي سبقت وعاصرت قيام دولة الإسلام، وقارناها بما يجري هذه الأيام لأدركنا يقيناً أنّ الأمة اليوم تتهيأ لأمر عظيم، هو ميلاد دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.. فمن التهيئات الربانية التي عاصرت قيام دولة الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو سبقته قليلا:-

1- ما جرى قبل بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم، بين طوائف النصارى وممالكها من اقتتال وتطاعن واتهامات، وكذلك ما جرى من قبل اليهود والنصارى على السواء من تحريف وتخريف في أمر الدين، حيث صار الحال مهيأً تماما لاستقبال أمرٍ جديد ينقذ هؤلاء وهؤلاء من هذا الواقع الأليم، ومن هذه الخزعبلات والتحريفات...

   2- ما جرى أيضا لدولة فارس والروم من حروب أنهكت الطرفين، لدرجة أنّ كلاًّ منهما لم يعودا قادرين على خوض حروب جديدة بشكل واسع وكبير، وهذا ما أشار إليه المولى عز وجل بقوله: (الم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) 5 الروم

3- انتشار دين الأوثان في جزيرة العرب بدل دين الوحدانية، وهذا يدل على أمرين، الأول: الرفض لتحريفات اليهود والنصارى، والثاني: التخبط الفكري عند العرب لدرجة أنهم عبدوا أحجاراً لا تضر ولا تنفع.

4- الحروب الطاحنة التي حصلت بين الأوس والخزرج في المدينة المنورة، وكانت مقدمةً لمخلصٍ جديد يخلصهم من هذا الواقع المزري الذي أهلك الحرث والنسل وجرَّ عليهم الويلات العظيمة.

كل هذه الأمور كانت تهيئات ربانية ساقها الله تعالى من أجل نصرة هذا الدين وتمكينه في الأرض، وانتصاره على كل المحيط من دول وما تحمل من أفكار ومعتقدات، فكانت النصرة والهجرة للمدينة تتويجاً لكل هذه التهيئات الربانية العظيمة، وهذا يذكرنا بأمر عظيم يجب أن لا يغيب عن عقولنا لحظة وهو: (....وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) 126 آل عمران، وقوله:( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) غافر51

وفي هذه الأيام فإنّ من يدقق ويتمعّن وينظر بعين الإيمان والعقيدة، ويتابع مجريات الأحداث في الماضي القريب، والواقع الذي تعايشه يرى أنّ هناك أمورا مشابهة تماما لما حدث من نصرة وتأييد رباني في عهد المصطفى عليه السلام من هذه الأمور:-

1- ما جرى من حروب طاحنة قبل سنوات معدودة بسبب فساد الأديان والمبادئ، في الحرب العالمية الأولى والثانية، وما حصل فيها من إزهاق الملايين من الأرواح، لا لشيء إلا من أجل السيادة والسيطرة وحبّ المال والشهوات، ثم ما جرى وما يجري بسبب الاستعمار السياسي والعسكري من ظلم واضطهاد للشعوب في كل أرجاء المعمورة!!...

2- ما جرى للقوة الأولى على وجه الأرض- أمريكا- بسبب الحروب الاستعمارية، حيث أنهكت قواها لدرجة أنها لم تعد قادرة على خوض حروب جديدة واسعة.

3- الأزمات التي تعصف بدول الكفر وجعلتهم مثقلين بالديون الكثيرة، وجعلت أركان دولهم الاقتصادية والسياسية مهددة بالتفكك والانهدام.

4- الأزمات الفكرية التي حصلت في نهايات القرن الماضي وأدت إلى انهيار المبدأ الاشتراكي انهيارا تاما وكاملا، وأدت إلى تصدع المبدأ الثاني على وجه الأرض، وهو يوشك الآن أن يقع وينهار انهيارا تاما وكاملا، وهذا الانهيار يهدد كيانين عملاقين بالتفكك والانحلال التام هما( الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي)!!..

5- انهيار كل الأفكار الهابطة التي سادت بلاد المسلمين في الفترات السابقة مثل القومية العربية والحركات الوطنية وما تفرع عنها من مسميات .. ثم سقوط أتباع هذه الأفكار المزيفة من الحكام وخاصة بعد احتلال فلسطين وحرب أفغانستان والعراق..

6- ما يحصل في هذه الأيام من ثورات في بلاد المسلمين تنادي بالتخلص من الظلم والقهر والتسلط، وتطالب بالعدالة والاستقامة وحقوق المواطن، وباختيار من يحكمهم في سدة الحكم، وما يحصل في خضم هذه الثورات من أحداث جسام تدفع الناس للنظر إلى مخلّص جديد يخلصهم من هذا الواقع الأليم الشديد...

إنّ كل هذه الأحداث التي جرت وما زالت تجري في بلاد المسلمين وفي العالم إنما تمهّد لأمر واحد هو المخلص الجديد لهذه البشرية من الظلم، وكل هذا هو من نصرة المولى عزّ وجل لهذا الدين.. فالله تعالى لا يغفل ولا ينام وهو السميع العليم البصير، وهو يريد النصرة لهذا الدين نصرة تدوّي في كل أرجاء الأرض وليس فقط في بلاد المسلمين ليكون هذا الدين كالمنارة العالية أو كالشمس والقمر في كبد السماء بعد الظلم والظلام الشديد..

ونعود ونقول: إننا نستعجل أمراً عظيما، سيحصل قريبا بإذنه تعالى حتى يسير الراكب- لا نقول من صنعاء إلى حضرموت- ولكن نقول: من أدنى الأرض إلى أقصاها لا يمر إلا عن بلاد يسمع فيها صوت ( الله اكبر .. أشهد أنّ لا اله إلا الله، وأشهد أنّ محمدا رسول الله)!!...

إنّ كل الأحداث التي جرت وما زالت تجري إنما تصب في نفس البوتقة، وفي نفس المجرى، ألا وهو الطريق إلى عودة هذا الدين الرباني العظيم، ليحكم وجه الأرض مرة أخرى، فيصدق بذلك قول المولى عز وجل ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) الفتح28، وقوله عليه السلام: )إِنَّ اَللَّهَ زَوَى لِي اَلْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ اَلْكَنْزَيْنِ اَلْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ) رواه مسلم، وتتحقق بشارة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بفتح روما، مصداقا لقوله عليه السلام:( أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مدينة هرقل تفتح أولا،  يعني قسطنطينية) رواه احمد، وبعودة بلاد العرب مروجا وانهارا، مصداقا لقوله عليه السلام:( لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا وَحَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَمَكَّةَ لا يَخَافُ إِلَّا ضَلالَ الطَّرِيقِ ..) رواه الإمام احمد في مسنده

ونزول الخلافة مرة أخرى إلى بيت المقدس، لتكون عقر دارها إلى قيام الساعة، مصداقا لقوله عليه السلام فيما يرويه ابن عساكر: (هذا الأمر كائن بعدي بالمدينة، ثم بالشام ،ثم بالجزيرة، ثم بالعراق ثم بالمدينة، ثم ببيت المقدس؛ فإذا كان ببيت المقدس فثم عقر دارها، ولن يخرجها قوم فتعود إليهم أبداً) "،  ويتحقق عيش المسلمين في ظل خليفة راشد؛ يحثو المال حثوا ولا يعده عدا، أي في ظل انتعاش اقتصادي لم يشهد التاريخ الإنساني مثيلا له على وجه الأرض، مصداقا لقوله عليه السلام: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْمَالُ وَيَفِيضَ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّجُلُ بِزَكَاةِ مَالِهِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهَا مِنْهُ وَحَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا )،رواه مسلم في صحيحه.

 

نسأله تعالى أن يكرم أمة الإسلام في القريب العاجل بالنصرة والتمكين في الأرض وبتتويج كل هذه المقدمات العظيمة بقيام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة...آمين يا رب العالمين.

 

27/11/2011