ما هكذا تورد الإبل يا عوا
علاء أبو صالح-
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
يمكن للمتابع أن يدرك مدى تخوف القوى الغربية من عودة دولة الخلافة الإسلامية من جديد إلى الساحة الدولية، فعودة الخلافة تعني نهاية حقبةٍ رتع فيها المبدأ الرأسمالي وعاث في العالم فساداً وإفساداً وأهلك الحرث والنسل، فهي تعني سحب البساط من تحت أرجله، وهي تعني كذلك تخلص البلاد العربية والإسلامية من هيمنة الغرب الاستعمارية وانعتاقها من العبودية له، وبالتالي زوال خيرات المسلمين "الكنز الهائل" من بين يديه، وفقدانه لأهم أسباب الحياة لديه، النفط والغاز والأموال المنهوبة وهيمنته على المضائق البحرية، بل وخضوعه لشروط وإملاءات المسلمين حال استردادهم لقرارهم، وما سيمثله قيام الدولة الإسلامية من خسارة الغرب للحرب الحضارية مع الإسلام.
لتلك الأسباب وغيرها الكثير، يمكن للمتابع أن يدرك سبب تخوف الغرب بل الرعب الذي دب فيه وفزعه جراء مشاهدته للثورات التي تعم البلاد العربية وخشيته من أن تؤدي هذه الثورات إلى التغيير الحقيقي عبر قيام دولة إسلامية، وهو ما دفع قادته إلى إبداء ذلك علناً في مواكبتهم لكل من ثورة تونس وثورة مصر وليبيا واليمن وسوريا، وهو الذي دعا العديد من السياسيين الذين لا يرون العالم إلا من منظار الغرب ولا يتصورون العمل السياسي بمعزل عن تابعيتهم للقوى الاستعمارية، كعمرو موسى وغيره، دعاهم ذلك إلى الهرولة لطمأنة الغرب وكيان يهود بأن هذه الثورات لن تسفر عن إقامة الخلافة أو دولة إسلامية أو كما يسمونها أحيانا تضليلاً دولة دينية.
إلى هنا لا زال المشهد ضمن المتوقع، وفي إطار ردود الفعل غير المستغربة، لكن أن يخرج من بين ظهراني العلماء، وممن برع في سرد السيرة النبوية وحياة الرسول التشريعية، من يعلن بكل وضوح وقوفه في وجه عودة الخلافة الإسلامية ورفضه لذلك بكل شدة، فهذا ما لم يكن متوقعاً ولا مقبولاً.
فقد قال الدكتور محمد سليم العوا، خلال الندوة التي عقدتها كلية الآداب بجامعة طنطا، بتاريخ 31-5-2011م، تحت عنوان «مصر إلى أين؟»، "أن فكرة الخلافة الإسلامية غير مطروحة على الإطلاق في هذا الوقت، وأنه لن يقبل بعودة نظام الخلافة الذى ارتبط في فترة حكم النبي وخلفائه الراشدين".
وتابع العوا مبرراً موقفه هذا "بأن خليفة المسلمين يناط به إمامة المسلمين في الصلاة، وتسيير الجيوش، وتقسيم الغنائم وتعيين القضاة، وغيرها واتخاذ القرارات دون غيره وهو ما لم نقبله في مصر بعد ثورة 25 يناير، لأن التفرد بالحكم أورثنا الذل والمهانة وصنع الفراعين واللصوص".
إن موقف العوا هذا، وهو الأمين العام السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لم ينبع عن جهل بطبيعة نظام الحكم في الإسلام ولا عن عدم معرفته بالأحكام الشرعية ذات الشأن حتى نلتمس له الاعذار، بل هو يأتي في سياق آخر.
فقد لوحظ في الآونة الأخيرة أن فكرة تطبيق الإسلام في الحياة والمجتمع، والتي قامت على أساسها الدولة الإسلامية صاحبة الريادة للبشرية في كل مجالات الحياة طوال قرون، باتت تشغل "الإسلاميين المعتدلين" في خضم هذه الثورات، ويا ليتهم شغلوا بها لأجل إيجادها في أرض الواقع بل شغلوا لأجل استبعادها، مما يلقي بظلال من الشك والريبة حول هذا المسعى المحموم!!.
إن حوادث إساءة تطبيق الإسلام في التاريخ ليست هي وجه الدولة الإسلامية التي امتدت اربعة عشر قرناً كما يتوهم العوا، فالدولة الإسلامية كانت طوال تلك القرون منارة للعلماء والتقدم ويشهد لها بذلك الأعداء والأصدقاء وليس المقام هنا مقام سرد لتلك الشهادات وإقامة الحجج والبراهين على حقيقة ساطعة.
 كما أن الدكتور العوا يبدو أنه يُغفل، فهو بذلك عالم، أن الإسلام لم يترك شاردة ولا واردة إلا نظمها وفق تشريع رباني، وأن ما يمكن أن ينتج عنه من أخطاء في تطبيق نظام الحكم في الإسلام سن له التشريع أحكاماً ومعالجات إذ الدولة في الإسلام دولة بشرية لا إلهية، فكانت محكمة المظالم وكانت الأمة قوّامة على تطبيق الحاكم للإسلام تحاسبه وتقوم اعوجاجه ولو بحد سيوفها، في الوقت الذي تترك الديمقراطية الحابل على الغارب للحاكم ليبطش وينهب الخيرات لصالح فئة قليلة من الرأسمالين تحت ستار حكم الشعب والشعب منهم برآء.
فهل كانت حقبة مبارك حقبة "الفراعين" التي تتوجس منها يا دكتور عوا نتيجة تطبيق الإسلام أم كانت من مخلفات الديمقراطية الرأسمالية التي انجبت الدكتاتوريات؟!!
 ومن ثم يرى المتتبع لتصريحاتك، لا سيما في الآونة الأخيرة وموضوع إلى أين تتجه مصر، أنك تتعامل مع الواقع بتجرد عن الأحكام الشرعية، وربما لجأت بعد ذلك إلى تبرير أقوالك وأفعالك بمبررات واقعية أو أخرى تنسبها للمصالح وغيرها، فهلاّ التزمت –وأنت بذلك جدير- بجادة الحق والتزمت الاحكام الشرعية التي توجب على المسلمين أن يسيّروا كل شؤونهم بما ورد في الكتاب والسنة (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).
ومن ثم من ذا الذي يدّعي أن الخلافة كانت شكلاً ونظاماً للحكم خاصاً بعهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته؟ أليس فعل الرسول عليه السلام هو تشريع لنا؟ أليس فعل الرسول محل قدوة وأسوة لنا؟ هل غفلت عن ذلك وأنت الحاذق في سرد سيرته عليه السلام؟ وهل تراك تسرد سيرته صلى الله عليه وسلم للعظة دون الأسوة والإتباع؟! وهل كانت سيرة الرسول وأفعاله لتنتهي بموته عليه السلام؟ ولك أن تسأل نفسك ما سبب اتباع الصحابة واقتفائهم لسيرته واستمرار نظام الحكم على ما أنشأه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إن التذرع بتجدد الوقائع وتغيّر الظروف لا تقوم به حجة، فأحكام الإسلام تشريع ممن بيده الخلق والأمر القادر على تشريع الأحكام الصالحة للعباد في كل زمان ومكان، ولولا هذه العقيدة الراسخة في عقول وقلوب المسلمين لضاع الدين في ثنايا التاريخ ولذهب مع الرياح.
إن محاولة المسايرة للواقع لا تعني سوى اعتماده كمصدر للتشريع وتسيير الأعمال، وترك الاحكام الشرعية جانباً، وهو غير مقبول من عامة المسلمين فكيف من علمائهم؟!
إن تطلعك –ولو أنك متردد ولم تحسم أمرك بعد- لترشحك لرئاسة الجمهورية المصرية يعكس مدى رؤيتك للواقع الحالي وأنك راضٍ عنه ولا تصبو لسواه، فهل طبق الإسلام في مصر يا دكتور عوا حتى تفكر شخصية معروفة مثلك أن تتسنم هرمها؟! بل هل انعتق حكام مصر الجدد القدامى من التبعية لأمريكا؟! وإلى أين ستمضي بمصر إن أنت استلمت الأمر والنهي فيها وبماذا ستحكم؟!
إن دور العلماء في هذه الثورات عظيم، إن هم صدعوا بالحق ولم يخشوا في الله لومة لائم، ووجهوا الأمة لضرورة العمل لإحداث التغيير الحقيقي ولن يكون ذلك إلا بإقامة الخلافة يا دكتور عوا، بينما هم في خطر عظيم إن هم كانوا جزءاً من حرف الثورات عن مسارها وجزءاً من الواقع الجديد المخادع الذي تُرسم ملامحه في واشنطن ولندن وباريس.
إن الخلافة التي تعارضها يا دكتور عوا هي الشمس التي ستشرق عمّا قريب بإذن الله، لتنير العالم بعد أن غرق في ظلمات الرأسمالية، وتحمل الخير والهدى للعالمين، فهل تجاهر يا عوا بمعارضة مستقبل هذه الأمة ووعد الله بالنصر والتمكين وبشرى رسوله (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)؟! فهلاّ كنت من العاملين لها ومن روادها خير لك في الدنيا والآخرة بدل أن تكون حرباً عليها إن كنت من العاقلين المتعظين. فسخّر علمك فيما يرضي الله عنك وإلا فقل خيراً أو اصمت، فما هكذا تورد الإبل يا عوا.
2-6-2011م