المستجير من الطغاة بالغرب كالمستجير من الرمضاء بالنار
بقلم أمجد المقدسي
لن تكون ذريعة حماية المدنيين آخر الذرائع التي يتشبث بها الغرب للولوغ في دماء المسلمين ونهب بلادهم وتدميرها طالما بقي حكام السوء يتحكمون في هذه البلاد. لقد امتدت أيادي "الرحمة"! إلى أهل العراق لتنقذهم من دكتاتورها ولينعموا بالحريات والديمقراطيات فأمطرتهم بالصواريخ والقنابل الذكية والغبية؛ الخفيفة والثقيلة براً وجوّاً وبحراً، فاستشهد من مدنيي العراق مئات الآلاف ودمرت المباني والمنشآت وأثيرت الفتن والنعرات والطائفيات، فأين كانت حماية المدنيين الشيوخ والأطفال والنساء من أسلحة هؤلاء؟ ويتكرر الموقف نفسه في أفغانستان وجارتها باكستان، فهذه الطائرات دون طيار لا تفتأ تسمعنا سقوط مدنيين ودون انقطاع. ولم تنتظر هذه الأيادي طويلاً فما أن سمعت بطلب جامعة الدول العربية حتى امتدت هذه الأيادي الرحيمة إلى أهل ليبيا لتريح أنفاسهم وتقضي على مقدراتهم وبعد ذلك تصل إلى ثرواتهم.
لا يظنن ظان أنني أبارك أو أوافق على ما يفعله طاغية ليبيا -منكر السّنة- بليبيا وأهلها، فما قام ويقوم به هذا الظالم جريمة يحرم السكوت عليها، ويجب على المسلمين ونحن نشهد انتفاضاتهم وجرأتهم وتحركاتهم ضد الظلم وأهله أن يرفعوا أصواتهم إلى الجيوش أن هبوا لنصرة إخوانكم، فمن فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
 
لقد رمى عصاة هذا الزمان كتاب الله وسنة محمد عليه السلام وراء ظهورهم فما تحرجوا من الاستعانة بأعداء الله والأمة لقتل المسلمين بل والانضواء تحت عباءتهم والقتال تحت رايتهم مرات ومرات، فتجرؤا وعصوا قول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، وأسلموا المسلمين لأعدائهم يقتلون ويعذبون ويسخرون ويحقرون ويغتصبون وينكلون حتى بالمدنيين الشهداء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم ، لا يَظْلِمهُ ، وَلاَ يُسْلمُهُ . مَنْ كَانَ في حَاجَة أخيه ، كَانَ اللهُ في حَاجَته ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً ، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ )). وبالطبع فإن فاتورة الأسلحة والغذاء بل وحتى فاتورة الخمور والمرح واللهو والترف والمجون تُدفع من أموال الضحايا المسلمين!!
 
إن الصراع بين الحق والباطل قائم ومستمر، ولقد دأب الكفار منذ قديم على استغلال الفرص والثغرات للنيل من الإسلام وأهله، فكانوا يستغلون ولا زالوا ضعاف النفوس من أبناء المسلمين الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم لتحقيق أهدافهم، ولكن هؤلاء الكفار وفي أحيان كثيرة كانوا يُصدون ويُصفعون من رجالٍ أدركوا أنهم على ثغرة من ثغور الإسلام فلم يُؤت من قبلهم، فهذا كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بغير عذر، فنزلت به عقوبة العزل مدة خمسين يوماً فاجتنبه الناس ولم يكلموه وأعرضوا عنه ، فضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه، وفي ظل هذا الوقت العصيب استغل ملك غسان العميل الرومي عدو الإسلام الذي كانت عيونه تراقب المدينة وما يجري فيها استغل الفرصة للنيل من المسلمين،
 فأرسل بكتاب مع نبطيٍّ من أنباط الشام إلى كعب، فلما فتح كعب الكتاب فإذا فيه: "أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك". فلما قرأها كعب لم يضعف ولم يكن جوابه لهذا العدو لبيك وسعديك بل إنه رضي الله عنه لم يرد عليه الجواب وما كان منه إلاّ أن تخلص من هذا الكتاب بحرقه في التنور واكتفى قائلاً:"وهذا أيضا من البلاء".
 وموقف آخر يسطره معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أثناء خلافه مع علي كرم الله وجهه، فها هو ملك الروم يستغل الفتنة التي كانت بين معاوية وعلي فيرسل كتاباً إلى معاوية فيه: "من ملك الروم إلى معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، أما بعد : فقد وقفت على الخلاف الذي بينك وبين علي بن أبي طالب .... وإنك على حق في موقفك ... وعليه فأنا وجيشي تحت أمرك ورهن إشارتك مرنا بأمرك تجد عندك جيشا أوله عندي وآخره عندك يسلمون لك رأس علي بن أبي طالب إن شئت"،
 وهنا يتجلى موقف معاوية فيقول لكاتبه : إقلب ظهر كتابه واكتب له الرد منا ، فقال الكاتب : لم لا نرد عليه في كتاب جديد ، فأجاب معاوية : حتى لا تبقى عندنا ورقة مستها يد ظالم . ثم قال لكاتبه : أكتب له من غير أن تذكر البسملة فإنه ليس أهلا لرحمة الله تعالى ، أكتب : "من معاوية بن أبي سفيان ( لم يقل خليفة المسلمين ) إلى ملك الروم الكلب، أما بعد فما شانك بأخوين عربيين مسلمين اختلفا في وجهات نظرهما في شأن يخصهما دونك، والله إن عدت تكتب إلي أيها الكلب بهذه اللهجة فلن تأمن أبداً أن أنضم أنا وأخي علي، فيرسلني إليك بجيش أوله عندك وآخره عنده، فآتيه برأسك، ولا سلمك الله"، فلما وصل الكتاب إلى ملك الروم قال لمن حوله: "شأنهم هكذا حتى وهم مختلفون، لن ننتصر عليهم أبدا".
 وقد بلغ من همته وعظيم عنايته بذلك أن أرسل يهدد ملك الروم- وهو في معمعة القتال مع علي في صفين - وقد بلغه أن ملك الروم اقترب من الحدود في جنود عظيمة، فكتب إليه يقول "والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك، لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت فخاف ملك الروم وانكف وبعث يطلب الهدنة.
لا شك أن الأمة تتطلع إلى من يدافع عنها ويحميها ويحسن رعايتها ولا يخذلها أو يسلمها إلى أعدائها، ولا شك أن نساء المسلمين لم ولن يعجزن أن يلدن أمثال هؤلاء الرجال، فلتعمل الأمة على إزالة هذه العروش ومن عليها وتنصب الإمام الجنة الذي يقاتل من ورائه ويتقى به.
 
6/4/2011