الخلافة هي تاج فروض الإسلام ولو كره الغنوشي !
الدكتور ماهر الجعبري
 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
 كما حدث في أكثر من مناسبة من حشود حزب التحرير لرفع صوت الخلافة مدويا في الأمة، تصرّ فضائية الجزيرة إلا أن تتعامى عن المهنية الصحفية وتسقط شعارها الرأي والرأي الآخر كلما تعلّق الأمر بحزب التحرير، وهي إذ تستضيف من تونس ممثلين لأحزاب تسمع الناس بأسمائها لأول مرة، بل وتستضيف رئيس مجلس تأسيسي لحزب تحت التأسيس، فإنها تحجب "منبر من لا منبر له" عن حزب تريد جوابا عنه، فيما تفتح المجال للتحدث عنه لمن يرفعون شعارات "إسلام بلا خلافة!" لأنه شعار يحمي العروش، ويضلل الشعوب، فتحقق الجزيرة أجندة الحكام رغم إدعائها الانفتاح والمهنية.
 
حصل ذلك عندما احشتد ما يقرب من مئة ألف مسلم في أندونيسيا يطالبون بالخلافة قبل أعوام، حيث استضافت فضائية الجزيرة الكاتب ياسر الزعاترة ليقلل من شأن دعوة الخلافة بحدة غريبة وكأنه ضد الخلافة، وتكرر المشهد قبل يومين مع الشيخ راشد الغنوشي على إثر المطالبة بالخلافة في تونس، إذ وجه مذيع الجزيرة (الأستاذ الحبيب الغريبي) السؤال للغنوشي حول حزب التحرير بدل أن يوجهه لأحد إعلاميي الحزب المنتشرين في شتى بقاع الأرض، أو لعنوان المكتب الإعلامي المركزي المعروف في لبنان والذي يديره الأخ عثمان بخاش.
 
في موقف شبيه، كانت الحدة التي خيمت على رد الغنوشي قبل صريح كلماته تكشف بغضه للخلافة، وتتابعت كلماته يعلن براءته منها، مما يدفع للتساؤل عن منبع هذا البغض للخلافة لدى بعض من يرفعون شعار الإسلام!
 
كان الزعاترة -مع الاحترام- قد رجع بعد اللقاء المذكور ليقول "أعترف بأنني ندمت كثيراً على تلك الدقائق الخمس التي ظهرت فيها على فضائية الجزيرة للحديث عن حزب التحرير بمناسبة مهرجاناته الكبيرة التي أقامها في العديد من الدول في ذكرى سقوط الخلافة"، وذلك في مقال لاحق على صحيفة الشرق القطرية بتاريخ 20/8/2007، مبررا "سوء الفهم" الذي اعتبر أنه نتج عن حدته الطبيعية التي لا صلة لها بالموضوع، ثم أكد أنه لا يعادي أحداً يشتغل للإسلام، حتى لو خالفه الرأي. وفيما نقد ما انتقد في ذلك المقال من تفاصيل وأحكام ونظرات سياسية للحزب، خلص إلى القول "قادة حزب التحرير وعناصره مجتهدون في مطاردة الحق، وهم موضع احترام وتقدير أياً كان الخلاف معهم، كما أنهم مأجورون على اجتهادهم". وقال "ونسأل الله أن يكون اجتهاد حزب التحرير خير(ا) من اجتهادنا واجتهادات الآخرين ويكتب الخير على يد قادته وأفراده، لأن الخلافة كما قلنا تعني وحدة المسلمين....".
 
وقبل عدة أعوام، كتب رئيس تحرير جريدة الأردن العربي –الإعلامي عاطف الكيلاني- مقالا انتقد فيه دعوة الحزب للخلافة على إثر الدعوة لأعمال جماهيرية في فلسطين، ورردت عليه بمقال "الخلافة مشروع الأمة الإسلامية ولو كره الكيلاني"، ورغم أن الرجل –الذي تحول إلى صديق عبر مراسلات خاصة- يرفع شعارات ليبرالية، إلا أنه نشر الرد على صحيفته، ومن ثم أرسل لي في مرات عدة تأييدا لبعض المواقف السياسية التي نطرحها حول الشأن الجاري الفلسطيني، وفتح منبره لنشر مقالاتنا.
 
إذاً، هنالك نماذج حية للسياسيين والكتّاب: كيف يتصرفون عندما يتورطون بتصريحات تخرج دون ضبط إيقاع النفس مع وقع قناعات الأمة، سواء كانوا من "الإسلاميين" أم من غيرهم، فكيف يمكن أن تكون لحظة الحقيقة عند الشيخ الغنوشي؟ 
 
لقد تحدثّ الغنوشي بكلام لا يليق أن يصدر عن سياسي ليبرالي فكيف بمن يقول أنه "إسلامي"، ولست في صدد الرد على ما قاله حول الحزب، وإن شاء الأخوة في تونس -أو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير- فعلوا، ولكنني أعلق فقط على تموضعه في موقف على النقيض من فكرة الخلافة، عندما رد على السؤال الذي تضمن شعار "نعم للخلافة الإسلامية" من شعارات المظاهرات في تونس بالقول: "نحن نقيض لكل هذا الفكر".
 
ليس ثمة شك أن ردة فعل الغنوشي هذه يستغربها أبسط البسطاء في الأمة، بل حتى أطفالها، ولقد فاجأني إبني الصغير ذو السنوات الثماني، وهو يقول مستنكرا لدى سماعه اللقاء: "هذا ضد الخلافة"، ولما سمع بقية الكلام، قال "هذا الحكي بدخله النار": هي براءة الأطفال قبل طلاقة ألسنة العلماء، فالخلافة كامنة في أحاسيس الأمة بل لربما في جيناتها الفطرية.
 
في هذا المقال أردت أن أضع الشيخ الغنوشي أمام اختبار معادن الرجال، ومن ثم أمام امتحان وعي الأمة، فإما أن يعود –والعود أحمد- وإما أن يصرّ على رفض الخلافة، وساعتها يكون قد أعلن براءته من تاج فروض الإسلام مما لا يحتاج إلى استدلال عليه لوضوحه واشتهاره في الأمة، فالإسلام لا يقام في الأرض إلا بالخلافة، وساعتها يضع نفسه في جبهة المعوّقِين لنهضة الأمة لا الداعين لها، لأن نهضة الأمة وارتقاءها الفكري لا يمكن أن تكون بدون الإسلام الذي يتمثل في تطبيق الخلافة.
 
ولقد ظهر الشيخ الغنوشي في العديد من المناسبات يعلن تقبله لليبراليين واليساريين دون تحفّظ "ودون وصاية لاحد على أحد"، بينما هو في تلك المقابلة يعلن رفضا باتا ومناقضة تامة لما يدعو إليه المسلمون، في حدة شعورية كانت بارزة حتى في ملامح وجهه، وهو موقف يبدو معاكسا لصفات المؤمنين الذين هم "أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ".
 
إن حزب التحرير يقول للأمة دائما إن الخلافة هي خلافة الأمة لا خلافة حزب بعينه، وإن الإسلام هو دين الأمة، وإن دعوة الخلافة هي دعوة هذا الإسلام، فكيف يمكن لزعيم حركة إسلامية أن يعتبر أنه على النقيض من الخلافة ثم لا يعود ؟
 
سؤال مفتوح لأنصار حركة النهضة من المسلمين الذين لن يعدموا الإخلاص، وللمسلمين عموما الذين يوقنون بوعد الله ويتسشرفون بشرى رسوله صلى الله عليه وسلم ؟
 
ويبقى التساؤل مفتوحا: عندما نضع موقف الغنوشي من الخلافة-حسب كلامه- أمام حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" الذي رواه أحمد في مسنده-رقم 17860، ونحاول أن نفرز الموقف في أي صف يكون ؟ فماذا يكون الجواب ؟ وكيف يكون الأمر من بعده ؟
 
 23-1-2011