بقلم: علاء أبو صالح
 
في مقال له نشر على صحيفة "ذي اندبندنت" مؤخراً، تناول الكاتب الصحفي البريطاني روبرت فيسك حروب الشرق الأوسط وأزماتها من زاوية مالية، أبرز من خلالها حجم الخسائر التي تتكبدها الدول في هذه الصراعات، وتكلفة هذه الحروب والتي تقدر بالأرقام الفلكية.
 
ولم يكشف فيسك سراً عندما تحدث عن تمويل دول الخليج لحرب الخليج الثانية، وعشرات المليارات التي دفعها النظام السعودي والكويتي كفاتورة للتدخل الأمريكي.
 
وعرّج فيسك بشكل مستور على الصراع الاستعماري الذي يستنزف المنطقة وكلفته المالية، حيث قال "إلاّ أن دافعي الضرائب الاميركيين كانوا من بين الذين سددوا تلك التكاليف (بتمويلهم للإسرائيليين) وكذلك الحال بالنسبة لدافعي الضرائب الاوروبيين وللحكام العرب ولغريبي الاطوار في ايران (بتمويلهم للبنان). وهكذا يعمل دافع الضرائب الاميركي على تهديم ما اعاد دافع الضرائب الاوروبي بناءه".
 
ورأى فيسك أن تجار السلاح الأمريكيين يحصلون على أرباح مهولة جراء تلك الحروب.
 
لقد أثارت هذه المقالة بعضاً من الإضاءات الجيدة على إهمال السياسة الدولية للقيمة الإنسانية وللمجتمعات البشرية ومرورها على حياة الآلاف بل مئات الآلاف من البشر مرور الكرام!
 
لكن مقالة فيسك كانت قاصرة في جوانب عدة؛ من أبرزها تشخيص السياسة الغربية، أوروبية كانت أم أمريكية، ودوافعها، وتاريخها الذي ينبئ عنها بحقائق وأرقام لم تخطئها عين بصيرة. الأمر الذي دعاني لكتابة هذه السطور لأسلط فيها الضوء على مرامي السياسة الدولية وأهدافها ومن يقف خلفها.
 
يتشكل الموقف الدولي الذي يحدد هيكل العلاقات السياسية الدولية من الدولة الأولى في العالم والدول المؤثرة سياسياً والمزاحمة لها. حيث تلعب تلك الدول الدور الرئيس في إدارة شؤون العالم، وهناك لاعبون فرعيون وآخرون مجرد كرات تتقاذفها أرجل السياسيين.
 
وتعتلي الولايات المتحدة الأمريكية قائمة اللاعبين الدوليين في الوقت الراهن يليها دول أوروبا ممثلة في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وتليها روسيا، وتحتل اليابان والصين مركزاً اقتصاديا يؤهلها للتأثير في قضايا إقليمية محدودة.
 
وترتكز كل من الولايات المتحدة وأوروبا في رسم سياستها الخارجية على المبدأ الرأسمالي، والذي يعد الاستعمار مكوناً رئيساً من مكوناته بل هو طريقة نشر المبدأ الرأسمالي للأمم والشعوب الأخرى، بل إن الاستعمار بسبب ثماره اليانعة وبسبب الأفواه الغربية الشرهة والجشعة بات غاية الدول الغربية ومحط أنظارها.
 
وجراء الصراع الاستعماري بين كل من أمريكا وأوروبا على نهب ثروات العالم، أخذ الاستعمار أشكالا متعددة منها العسكري ومنها السياسي والاقتصادي...لتتلاءم هذه الاشكال مع الدول الاستعمارية وتطلعاتها.
 
الثابت في كل المعطيات السابقة أن الذي يحكم علاقة القوى الفاعلة سياسياً ببقية دول العالم هو الاستعمار، وأن القوى الاستعمارية لا ترى في بقية دول العالم سوى لقمة تريد التهامها أو فريسة مهيأة للصيد.
 
تلك النظرة هي التي جعلت الرأسماليين وأصحاب الشركات الكبرى ومصانع السلاح وبارونات النفط هم راسمو السياسة الغربية، فبيدِ هؤلاء أن يأتوا برئيس وأن يخلعوا آخر، وبيدِ هؤلاء أن يعلنوا حرباً أو يوقفوها، وبيد هؤلاء أن يحددوا معالم السياسية الخارجية بل وتفصيلاتها، فهم من يمول الحملات الانتخابية للأحزاب الحاكمة وبيدهم الإعلام وبيدهم رأس المال.
 
يقول ويليام غرايدر، صاحب كتاب من سيخبر الشعب Who Will Tell The People، يقول فيه ..."إن الديمقراطية الأمريكية تعاني من خلل أعمق بكثير مما يريد معظم الناس الاعتراف به. فخلف هذه المظاهر الزائفة التي تبعث على الاطمئنان مثل مسابقات الانتخابات المنتظمة وغيرها، تم إفراغ الحكومة الذاتية من مفهومها الجوهري... وعلى أعلى المستويات في الحكومة، انتقلت سلطة صنع القرار من الأكثرية إلي الأقلية، تماماً كما يشك في ذلك الأفراد والمواطنون العاديون. وبدلاً من الرغبة الشعبية، تستجيب الحكومة الآن لإملاءات الطبقة الصغيرة التي تستحوذ على السلطة، التي تمثل مصالح المنشآت الاقتصادية الكبرى والثروة المتركزة في أيدي النخبة والصفوة من الناس ذوي التأثير البالغ... لقد تقلص الاختلاف والتباين المفيد والمعقد بين أفراد الأمة ليصبح سلعة بلهاء أطلق عليها اسم الرأي العام، الذي يمكن بسهولة التلاعب به أو إثارته بالشعارات، أو التصورات التي تطلقها وسائل الإعلام والدعاية".
 
لذا فدافع الضرائب الأمريكي أو الأوروبي لا يقدم ماله أو حتى روحه وأرواح أبنائه جراء مغامرات سياسية بل لجلب منافع استعمارية لبارونات المال والنفط والسلاح. مما جعل المواطن الأمريكي والأوروبي ضحية سياسات استعمارية لا تعود عليه بالنفع بل تعود خيراتها على مصاصي الثروة والذين لا يتجاوزون 2 أو 5% من نسبة السكان في كل من الولايات المتحدة وأوروبا على أبعد تقدير.
 
إن الإنسان لا قيمة له في النظرة الاستعمارية، بل القيمة في المال وما سيجلب من منافع جمة، وإن ادعاء نشر الديمقراطية والحريات وأضرابها ليست سوى دعاوى زائفة يراد لها أن تبرر أفعال مصاصي الدماء هؤلاء أمام شعوبهم وأمام العالم، والحقيقة التي ما عادت تخفى على أحد أن السياسة الأمريكية ومثلها الأوروبية، تصب في منفعة بارونات المال والنفط والسلاح.
 
إن مثلث الفساد هذا هو الذي يحكم علاقات الولايات المتحدة بالعالم، وهو الذي يرسم لها السياسات، فلأجل هؤلاء شنت الولايات المتحدة حرب العراق، ولأجل هؤلاء أحتلت أفغانستان، ولأجل هؤلاء لا زالت مستعدة لخوض أي حرب قادمة إن رأت فيها مصلحة مادية، وبسبب هؤلاء غرقت أمريكا والعالم في أزمة اقتصادية لا نهاية لها.
 
والأمر المؤكد أن السياسات الغربية الكاذبة لا تقيم وزناً لأرواح أبنائها سوى بالقدر الذي يمكن أن يخلق رأياً عاماً يعطل مصالحها أو تمرير سياساتها الاستعمارية.
 
أما عن أرواح بقية البشر فلا وزن لهم ولا اعتبار، وكل التباكي على أطلال الإنسانية وحقوقها ليست سوى أكاذيب ومحض تضليل، وهيتي وأطفال الصومال شاهد متواضع على ذلك.
 
ونظرة تاريخية بسيطة ترينا أن المبدأ الرأسمالي بدوله وسياساته الاستعمارية هو من جلب الشقاء لشعوبه وللبشرية جمعاء.
 
فالدول الغربية هي من أشعلت حربين عالميتين لا نظير لهما، أودتا بحياة الملايين دون أن تقيم لهم وزناً او اعتبار، وكانت الهيمنة السياسية الدولية التي يتبعها شره استعماري يقف خلف تلك الحروب خلافاً لما يروج له من اسباب ظاهرية خادعة.
 
وسياسات أمريكا الرأسمالية هي من سببت للعالم أزمة اقتصادية أرهقته وسلبته ماله وثرواته جراء سيطرة دولارها على اقتصاد العالم، لتحمّل العالم عبء تصرفات بارونات وول ستريت وسرقتهم للأموال والجهود والثروات.
 
إن المشكلة الحقيقية التي يعاني منها البشر ليست المغامرات السياسية، وليست خسارة الأموال والإنفاق على الحروب فحسب بل هي المبدأ الرأسمالي بعينه الذي خلف هذه السياسات وهذه الطبقة المتحكمة في مصير العالم والتي لا ترقب فيه إلاً ولا ذمة.
أما عن تشخيص واقع الأنظمة العربية وما يسمى بدول العالم الثالث فهي بلا شك لا وزن لها في رسم السياسات الدولية بل هي الكرة التي تتقاذفها أرجل السياسيين الغربيين، وبلدانها هي ساحات الصراع الاستعماري، وأبناؤها هم وقود هذا الصراع، وثرواتها هي ما يزيغ أبصار المستعمرين.
 
وبالرغم من ذلك كله، فالمسلمون هم المؤهلون للعب دور ريادي في إنقاذ العالم وتخليصه مما يعانيه، وتحريره من هيمنة مصاصي الثروة.
 
فالأمة الإسلامية تمتلك مبدأ قادراً على تطبيق العدل ونشره، ولديها من الطاقات البشرية والمادية ما يمكنها من لعب هذا الدور، ولطالما كانت الأمة الإسلامية وأبناؤها شموعاً تحترق لتضيء للآخرين العتمة، ولم تكن المصالح المادية أو الاستعمارية واردة في حساباتها يوماً، فهي أمة مبدئية تقدم روحها وأموالها في سبيل المبدأ ونشره ليعم الخير على البشرية.
 
وها هي الأمة عبر ثلة سياسية واعية تسعى من جديد لتستعيد الأمة الإسلامية مكانتها بين الأمم لتباشر إنقاذ العالم وتحريره. لكن تلك المساعي لا تروق لبارونات المال والنفط والسلاح، فيستنفر هؤلاء سياسييهم وجيوشهم فيعلنوا الحرب على كل ما يمكن أن يهدد نفوذهم، ولو أدى ذلك إلى أن يدوسوا قانونهم بأقدامهم، أو أدى إلى تدمير دول بأكملها.
 
لكن عتمة هؤلاء الخفافيش لن تدوم وسيسطع فجر الإسلام قريبا ليبدد هذه الظلمة وينشر العدل والخير والهدى للعالمين.
 
29-11-2010م