في مثل هذا اليوم، الثامن والعشرين من رجب الفرد الحرام، تمر على المسلمين ذكرى أليمة، وفاجعة عظيمة، هذه الذكرى هي ذكرى هدم دولة الخلافة الإسلامية، على يد المجرم مصطفى كمال أتاتورك بمساعدة الإنجليز.
في الثامن والعشرين من رجب سنة ألف وثلاث مئة واثنتين وأربعين هجرية، هدمت دولة الخلافة، رمز عزة المسلمين، وكان واجباً على المسلمين حينئذ أن يهبوا الى إعادتها بقوة السيف، حيث أنه لا يحل للمسلمين أن يعيشوا دون خلافة أكثر من ثلاثة أيام.
تسعة وثمانون عاماً وشرع الله معطل.
تسعة وثمانون عاماً وطراز عيش الخلافة مفقود.
تسعة وثمانون عاماً وشهداتنا على البشرية معطلة.
تسعة وثمانون عاماً والمسلمون يكتوون بنار الرأسمالية.
تسعة وثمانون عاماً والمسلمون يعيشون بدون خلافة.
لقد تجرع المسلمون خلال هذه الفترة الطويلة أعتى صنوف الذل والهوان، فها نحن نرى حال أمة الإسلام، مقطعة الأوصال، مشتة القوى، مهزومة مدحورة، تقف مشدوهة لا تلوي على شيء، خيراتها منهوبة، وسلطانها مغصوب، معدومة السيادة وفاقدة الريادة، قطيعاً مرسلاً، موقعها في ذيل الأمم، حكامها عبيد نهب لمن يريد، خارت منهم القوى وضعفت منهم العزائم، لا يجمع شملهم إمام ولا يقود جيوشهم هُمام، لا تلمهم دولة، جثة هامدة لا حول فيها ولا قوة، تستجدي الكفار فتات العيش، وقد حباهم الله كنوز الأرض جميعاً، وفيهم عقيدة " لا اله الا الله "، وبين أيديهم كتاب الله وسنة نبيه محمد " صلى الله عليه وسلم " ولا ينقصهم عدة ولا عدد.
إنه والله يعز على المرء أن يرى أمة الإسلام وهي تحيا حياة الأنعام، في ظل أحكام الكفر وأنظمته الوضعية الفاسدة، والتي بسببها ذاقوا مرارة العيش والهوان، وهم يعطلون كتاب الله ويميتون سنة نبيه، ويعطلون أنظمة الإسلام وسياسته.
إن هذا الذي يجري لأمة الإسلام من ويلات وضنك في العيش، ما هو إلا بسبب لهثهم وراء سقط المتاع من أفكار ومفاهيم وسياسات الكفار، وتركهم لأعظم سلاحٍ يعيد لهم عزتهم وقوتهم وسؤددهم، وهو مبدأ الإسلام بعقيدته وأفكاره ومفاهيمه وسياسته.
يا خير أمة اخرجت للناس، يا أمة العدل، أيها الشهداء على الناس، لقد بعث الله الأنبياء والرسل كلاً إلى قومه، قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يحملون لهم دعوة الله ويشهدون عليهم يوم الموقف العظيم.
وبعد أن بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم، كانت بعثته ليست لقومه فقط وإنما للناس كافة، حمل الدعوة للناس إلى أن إرتقى إلى الرفيق الأعلى، وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام انتقلت هذه المهمة " مهمة حمل الدعوة " وهذا التكليف وهذا التكريم انتقل إلى أمة الإسلام، يحملون الدعوة إلى البشرية قاطبة ويشهدون عليها تتمة واستكمالاً لحمل الدعوة من قبل محمد صلى الله عليه وسلم. يقول الله عز وجل { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }.
يا أمة الوسط، يا أمة العدل، ألا يكفيكم فخراً وعزاً أن الله قد اصطفاكم لتكونوا حملة دعوته إلى الناس جميعاً. شأنكم في ذلك شأن نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم؟
ألا يكفيكم فخراً أن تكونوا أنتم الشهداء على الناس؟
ألا يكفيكم فخراً أن يرفع ربكم قدركم في حمل دعوته إلى مصاف الأنبياء؟
ألا يكفيكم فخراً أن يغبطكم الأنبياء والملائكة على محبة الله لكم؟
حيث يقول نبي الله موسى ونبي الله داوود، يخاطبين ربهم: اللهم اجعلنا من أمة محمد.
ما لكم كيف تحكمون؟
كيف تتنكبون الطريق؟ وكيف تستنكفون عن حمل الدعوة وهذه هي رسالتكم؟ كيف تنامون في رابعة النهار وقد أضاء لكم ربكم الطريق َ بهذا الدين القيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ وكيف يحيى الكفار ويعملون بقصارى جهدهم في عتمة الليل وظلمة الكفر؟
أينام المرء تحت الشمس الساطعة ويحيى غيره في عتمة الليل ودياجير الظلمة؟ لا والله تلك إذن قسمة ضيزى، وهذا حيفٌ وجور، وبعدُ عن الهدى والرشد.
هل غرتكم الدنيا؟ وهل شغلكم زخرف الحياة؟ هل أعياكم اللهث وراء جناح البعوضة؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ".
أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة؟ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.
إن الدنيا لم ترد ولا في نص شرعي واحد إلا وكانت مذمومة، فكيف لأمة رفعها الله إلى مصاف الأنبياء أن تتلهى في هذا المتاع الزائل، وتنشغل به عن جنة عرضها السماوات والأرض ، وتنشغل به عن النعيم المقيم في رضوان الله وعن النظر الى وجهه الكريم؟
يا أنصار هذا الدين، يا حواريي هذا العصر، أين أنتم؟ من لهذا الدين ينصره؟ من للإسلام يضعه موضع التطبيق؟ من للنساء الثكالى؟ من للأطفال اليتامى؟ من للقتلى؟ ... من للجرحى؟ من لفلسطين السليبة؟ من للأقصى؟ من للشجر والحجر؟
منذ أن غابت شمس الإسلام، بغياب دولة الخلافة أصبح حالكم كما ترون غني عن التعريف، فقدتم البوصلة، فتاه مركبكم في البحر، وما عاد ينفعكم كثرة التجديف، تحكم الكفار في مصائركم، وأعانهم على ذلك حكام رويبضات، فأسلموكم إليهم، إسلام الشاة إلى ذابحها، يسومونكم سوء العذاب، يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وينهبون خيراتكم، حكام باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم، لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، فكيف تصبرون على هذا الذل والهوان وعلى هذا الضياع؟ أليس فيكم أسعد وسعيد؟ أليس فيكم رجل رشيد؟ أعجزت النساء ان تحمل مثل عمر الفاروق؟ أم عجزت أن تربي مثل خالد وصلاح؟ لا والله ما عقمت النساء، ولكنه الضعف والاستكانة، واستمراء الهوان والمهانة، وكله بسبب هؤلاء الرويبضات، وبسبب حفنة ممن سموا زورا وبهتاناً بالعلماء " علماء السلاطين ".
لقد دبر الأمر بليل، دبر الأمر وخطط له لكي تبقى هذه الأمة مطأطئة الرأس حانية القامة، مذعنة مسلمة أمرها لعدوها، منبهرة لما لدى الكفار من عرض الدنيا الزائف. { وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ }.
لكن هيهات هيهات لهذه الأمة أن تبيد، وهيهات هيهات لهذه الأمة أن تفنى وتنقرض، وهيهات هيهات لكل مخططات الكفر أن تبقى تنطلي على المسلمين، ولو أنفق الكفار وأشياعهم لقاء ذلك كنوز الأرض جميعا، { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }.
يا خير أمة أخرجت للناس، قولوا للكفار وأشياعهم، لن تمر علينا ذكرى هدم الخلافة بعد اليوم مر الكرام دون عبرة واعتبار، ولن نغفل عن واجبنا بعد اليوم أبداً، لقد عرفنا الطريق ووجدنا البوصلة في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، سنعيد مجد الأمة وعزتها، سنقيم خلافتنا بإذن الله، وستحط الخلافة بجرانها في الأرض وستحق الحق وتنشر العدل، وتحمل الخير للبشرية قاطبة.
قولوا للكفار، إن الخلافة هي قضيتنا المصيرية فإما ان تكون الخلافة أو لا نكون، لن نترك حمل هذه الدعوة مهما كلفنا ذلك، قولوا لهم: والله لو نصبوا لنا أعواد المشانق على أن نترك العمل للخلافة ما تركناه حتى يظهرها الله أو نهلك دونها، ولن نكون كبني إسرائيل حيث حلت عليهم اللعنة.