حزب التحرير والدعوة العالمية للإسلام والخلافة
اشرف الظاهر
في إطار عمله الدعوي وسعيه لإقامة الخلافة الإسلامية ، يتجهز حزب التحرير في التاسع من الشهر القادم لتوجيه خطابا مفتوحا لأهل القوة والمنعة من العسكر والجيش ووجهاء العشائر وزعماء القبائل في باكستان حيث من المتوقع أن يطالب الحزب أهل القوة والنفوذ في المجتمع الباكستاني للعمل على طرد القوات الأمريكية من باكستان وأفغانستان ، ووقف الحملة التي تقوم بها الحكومة الباكستانية بالتعاون والتحالف مع القوات الأمريكية في محاربة ما يسمى بالإرهاب باعتبارها حملة تهدف إلى زيادة حجم النفوذ الأمريكي العسكري والمدني في هذه المناطق ، كما يتوقع أن يدعوا الحزب أيضا الجيش الباكستاني إلى إعطاء النصرة للحزب لتطبيق الشريعة وإقامة الخلافة الإسلامية والتي طالما عمل الحزب وركز جهوده في سبيل إعادتها حيث تعتبر فكرة الخلافة الإسلامية هي محور عمل الحزب وغايته التي قام من اجلها والتي يسعى لإيجادها.
حزب التحرير هو حزب سياسي أسسه القاضي الفلسطيني الشيخ تقي الدين النبهاني في القدس في العام 1953 بهدف استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الإسلامية حيث رأى أن سبب المعضلة والمشكلة الأساسية التي تواجه المسلمين اليوم هي غياب الخلافة وتطبيق الشريعة باعتبار أن الخلافة تمثل الوحدة السياسية لهذه الأمة والدرع الحامي والواقي لجسدها من النكبات وحملات الغزو الفكري والعسكري لبلاد المسلمين، والحاضنة التي تجمع شمل الأمة تحت حكم رجل واحد وهو خليفة المسلمين مستندا في رؤيته تلك إلى نصوص وأحكام شرعية تستوجب من المسلمين العمل لإقامة هذه الخلافة باعتبارها فرضا شرعيا ودينيا يتعلق بإيجاده إقامة أحكام الدين وأصوله.
يعتبر الحزب ذكرى هدم الخلافة من كل سنة مدعاة لعقد الندوات وإقامة النشاطات وتوجيه النداءات والخطابات في مختلف البلاد الإسلامية لتذكير المسلمين والأمة بالخلافة وحثها على العمل لإعادتها إلى الحياة من جديد ، كونها المخرج الوحيد للازمات الفكرية والسياسية وحالة الذل الذي يعيش فيه المسلمون في شتى بقاع الأرض معتبرا في الوقت نفسه النظم السياسية الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين بأنها أدوات يستخدمها الغرب لتنفيذ مخططاته ومشاريعه من اجل إبقاء حالة السيطرة على بلاد المسلمين قائمة وللحيلولة دون تحقيق وحدة الأمة السياسية المتمثلة بالخلافة وتطبيق الشريعة بحسب التصور الأصولي لمفهوم الدين وأحكامه.
إن اللافت للنظر في فكرة الحزب هذه هي الطرح العالمي للإسلام إذ يعتبر الحزب الإسلام فكرة عابرة للحدود والقارات وهي ليست حكرا على احد من الناس إذ أن الجميع مطالبون بالإسلام والتزام إحكامه وتشريعاته مسلمهم وكافرهم كاسرا بذلك فكرة القومية والوطنية القائمة على مفهوم الحدود العرقية والاثنية والجغرافية لشعب من الشعوب أو لفئة من الفئات معتبرا إياها أفكار غير قابلة أو قادرة على تحقيق معاني النهضة الحقيقة القائمة على مفهوم الأممية والعالمية معطيا في الوقت نفسه الإنسان الحرية في اختيار هذه الفكرة دون إكراه أو استكراه مرسخا بذلك مفهوم الدعوة والحوار والجدال كطريقة في استقطاب الآخرين لعقيدة الإسلام وفكرته ولما يحمله من أطروحة ونظره خاصة لطبيعة مبدأ الإسلام من خلال تعريفه له كعقيدة ونظام لا يتم إيجاده إلا بإيجاد كيانه السياسي المتمثل بالخلافة متخذا في الوقت نفسه من الجهاد طريقة وأداة في تبليغ هذه الدعوة إلى الناس بوصفهم دول وجماعات يعيشون ضمن اطر وكيانات وقوالب سياسية لا يتم إيصال الدعوة لهم إلا بإخضاع أو إزالة هذه الكيانات في حال اتخذت هذه الكيانات من نفسها وجسدها البنيوي حاجزا ومانعا ماديا يحول بين الناس و دعوتهم إلى الإسلام وفكرته حيث تكون الجهة الشرعية المخولة في انجاز هذه المهمة والقيام بهذا العمل المادي المتمثل بالجهاد هي دولة الخلافة وبقرار من خليفة المسلمين بصفته رئيسا منتخبا لهذه الدولة وقائدا عاما للمسلمين.
إن الجدير ذكره هنا هو أن الحزب قد امتاز بطرح الإسلام كفكرة عالمية وهو بذلك يكون قد تفوق على غيره من الجماعات والحركات الإسلامية بإخراج الإسلام من دائرته الضيقة التي حاولت بعض الحركات والجماعات الإسلامية زجه فيها بحسن أو بسوء نية جاعلة من نفسها ومن الإسلام رهينة لحدود الدولة القطرية إلى دائرته العالمية والتي تتخذ من العالم والناس ساحة ومجالا للعمل للدعوة إلى الإسلام وإقامة الخلافة.
أن الحزب في نظرته هذه قد قدم أيضا مخرجا واقعيا وشرعيا لحالة الفشل التي عاشتها وتعيشها التجربة الإسلامية على يد بعض الجماعات والحركات الإسلامية ممن وصلت إلى السلطة كحال النظام السياسي في إيران أو التي لم تصل كحال حركة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات والتي باتت تعيش اليوم في حالة من التخبط والفوضى والاحتباس الفكري الواقع تحت وطأة الاعتراف بالدولة القطرية وحدودها السياسية مجسدة بذلك من حيث تدري أو لا تدري فرقة الأمة ومظهرة أيضا قصور النموذج الإسلامي للدولة القطرية على تقديم النموذج الحقيقي والعملي لفكرة الدولة الإسلامية وقدرتها على التصدي لتحديات العزلة التي قد يفرضها عليها خصومها السياسيين
لقد تمكن الحزب بنظرته هذه من ربط نجاح فكرة الدولة الإسلامية وبقائها واستمرارها بعالمية الإسلام وعالمية الدولة التي تقوم على هذه الفكرة ولعل هذا ما بداْ يستهوي ويقنع ويجذب القوى السياسية وأبناء المسلمين على مختلف اطروحاتهم وميولهم السياسية كمخرج عملي و مقنع للجميع للخروج من الحالة المأساوية التي تعيشها الأمة نحو حل حقيقي وجذري وواقعي قابل للتطبيق والديمومة.
لا ينكر احد من الجماعات والحركات الإسلامية كون الإسلام دين عالمي حيث تتفق هذه الجماعات فيما بينها على فكرة كون الإسلام وعقيدته عالمية إلا انه وللإنصاف يعتبر حزب التحرير صاحب السبق في إعادة بعث هذه الفكرة للوجود من خلال ترجمة هذه الفكرة عمليا بتحويلها إلى دعوات وأعمال ونشاطات عابرة للقارات لا تقف عند الحدود السياسية والقطرية للدول والشعوب. جاذبا بذلك إلى جسمه أعضاء من أعراق وقوميات ومذاهب وطوائف متعددة ومختلفة مشكلا بذلك لوحة فسيفسائية جميلة تعبر عن صميم عالمية دين الإسلام ودولته.
ولعل أيضا ما يعزز هذه الفكرة هو أن الحزب لم يقف عند حد تبني فكرة العالمية للإسلام وترجمتها عمليا من خلال نشاطاته وانتشاره العابر للقارات بل أيضا من خلال اعتبار دولته دولة توسعية تقوم على نشر الإسلام بصفته فكرة عالمية لا تخضع لأي اعتبارات سياسية ولعل هذا ما يفسر عمل الحزب في القارات الخمس وتلبسه بعمل طلب النصرة لإقامة دولة الإسلام في أي بقعه من الأرض يتوفر له فيها أناس يؤمنون بفكرته ويقدمون له الحماية والمنعة لأقامه هذه الدولة من اجل تطبيق رؤيته الخاصة للإسلام ، ولعل هذا أيضا ما يفسر ويوضح قيام الحزب بتوجيه النداءات في مختلف البلدان الإسلامية التي يظن انه قد يتوفر له فيها إمكانية إقامة الخلافة كاستعداده لتوجيه خطابا مفتوحا لأهل القوة والمنعة في باكستان في التاسع من الشهر القادم لتبني فكرته ونصرته لإقامة الخلافة.
يبدو أن حزب التحرير قد تفوق على غيره من الحركات الإسلامية في عمله على إقامة هذه الدولة ابتداء في حدودها القطرية الحالية كنقطة ارتكاز للانطلاق في سعيه إلى ضم الأقطار الإسلامية الأخرى إلى جسم هذه الدولة ومباشرة فتح غيرها من البلدان التي لا تدين بالإسلام حيث يعتبر عمله هذا لا يعني الاعتراف بهذا الواقع من حيث شرعيته بل من حيث وجوده كواقع يتم التعامل معه لتغيره وليس لترسيخه ليكون جزاءا منه.
لعل هذه النظرة العالمية للإسلام ودولته التي يتبناها الحزب والتي يعمل على إيجادها هي من دفعت الغرب حقيقة إلى التخوف من الطرح العالمي الذي يحمله الحزب للإسلام ودولته والتي من شانها أن تهدد الغرب من خلال سعي هذه الدولة على حمل رسالة الإسلام إليها ولعل هذا أيضا ما دفع بالسياسيين والمفكرين الغربيين إلى التحذير من خطورة الحزب ودعوته ومن خطورة وصوله إلى أهدافه، لذلك عمد الغرب في خطوة استباقية منه إلى الإعلان عن قبوله لتطبيق الشريعة الإسلامية في بلاد المسلمين ضمن حدود الدولة القطرية في محاولة منه للالتفاف على مشروع الدولة الإسلامية الكبرى التي باتت فكرتها تجتاح العالم الإسلامي وذلك في محاولة منه لتوجيه أنظار الناس عن الخلافة إلى مشروع الدولة الإسلامية القطرية والقبول بها كحل كفيل بإرضاء الحركات الإسلامية الأخرى التي باتت تتطلع وتتزاحم من اجل الوصول للحكم في العديد من بلدان العالم الإسلامي حيث برز هذا التوجه عند الغرب جليا في التصريحات التي اظهر فيها وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند استعداده بقبول فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية في بلاد المسلمين ضمن حدودها السياسية الحالية في الوقت الذي أبدى فيه معارضته لقيام مشروع الدولة الكبرى للمسلمين والمتمثلة بإقامة الخلافة بقوله أما الخلافة فلا.
 إن إدراك الغرب لما قد يشكله الحزب من خطر واهتمامه وتخوفه من فكرة العالمية المتمثلة بالإسلام ودولته الذي يطرحها حزب التحرير تستلزم من المسلمين على اختلاف أطيافهم وتوجهاتهم السياسية الالتفاف حول هذا المشروع وطرحة كبديل عالمي للرأسمالية ومشتقاتها وكبديل للاطروحات القومية والوطنية وحتى الإسلامية التي تقبع تحت اطارالدولة القطرية وحدودها السياسية والتي بنيت على اتفاقيات سايس بيكو التي أوجدها الاستعمار والتي قسمت العالم العربي إلى دول ودويلات عاجزة وغير قادرة على النهوض بمشروع عالمي يمكن أن يشكل تحديا حقيقيا للمشروع العالمي الرأسمالي ونموذجا قابلا للحياة والتطور والدي.
إن الأفكار التي يطرحها حزب التحرير والمحاولات التي يقوم بها لإقامة دولة الخلافة تستوجب الوقوف عندها والتفكر بها مليا إذ أنها بحق تستدعي الانتباه والبحث من كافة الإطراف والقوى السياسية الإسلامية وغير الإسلامية العاملة للتغير في العالم العربي والإسلامي بقصد الاتفاق على مشروع نهضوي كبير قادر على إخراج الأمة الإسلامية والعربية من حالة التوهان والتخبط الفكري والسياسي الذي تعيش فيه اليوم وهو الأمر الذي لا يمكن له أن يكون إلا باعتماد الإسلام كمرجعية فاصلة في فك النزاعات القائمة بين هذه القوى والتي يتفق عليها كافة الفرقاء السياسيين باعتبارها مرجعية تمثل عقيدة الأمة وانتمائها التاريخي والديني وذلك امتثالا للآية الكريمة ( يا أيها اللذين امنوا إن تنازعتم في شيْ فردوه إلى الله والرسول و ........).
المصدر: وكالة النهار الإخبارية