maqal25425

نقلت الجزيرة عن الغارديان عن طبيب شرعي:

- هناك أدلة على عمليات إعدام ميدانية لعمال إغاثة فلسطينيين على يد القوات الإسرائيلية

- أدلة الإعدام الميداني تثبتها أماكن الإصابة المحددة التي وقعت من مسافة قريبة

  لحقها ما كشفته (صحيفة نيويورك تايمز أن تقرير تشريح الجثث لمسعفي غزة الذين استشهدوا برصاص القوات الإسرائيلية في مدينة رفح، يظهر أن معظمهم أصيبوا برصاص في الرأس والصدر). (أنا العربي)

ولو أردنا السرد فهناك أدلة على تعمد اليهود استهداف الأطفال والنساء، وهناك أدلة على استهداف (إسرائيل) للبنى التحتية والمستشفيات وآبار المياه ومراكز الإيواء التابعة لأونروا، وهناك أدلة على أن (إسرائيل) قامت بعملية تجويع ممنهج في غزة، بل هناك أدلة على جرائم اليهود قبل نشأة ما سمي (دولة إسرائيل)، وهناك لجان تحقيق كانت تعمل حتى في الثلاثينات....، كلها تقول أن هذا الكيان مجرم، بل ولا يلتزم بالقانون الدولي، والجريمة طبعه وعليها قام وعليها نشأ.

لكن مهلا لا تنجرفوا وراء كلامي، أو بالتعبير الأصح لا تنجرفوا وراء هذا النهج في التعامل مع اليهود، فمن ذا الذي يريد أن يثبت جرائم اليهود هنا في غزة أو في فلسطين؟ ومن الذي يحتاج إلى إثباتها مع أنها ثابتة لا تحتاج إلى بيان؟ والحال أشبه بأنك تريد أن تثبت أن الذي قتل الهنود الحمر هم المستعمرون من الأوروبيين وأصحاب البشرة البيضاء، أو كأنك تريد أن تثبت أن أمريكا ألقت قنبلة نووية على اليابان، فرحت تبحث عن أي أثر لتلك القنبلة التي أفنت كل شيء، أو كأنك تريد أن تثبت أن فرنسا احتلت يوما الجزائر وقتلت الملايين، فتريد أن تثبت ذلك وفرنسا تحتفظ بجماجم الجزائريين في متاحفها، هل تريد أن تثبت أن البحر الميت مالح لا حياة فيه؟ هل هي حالة من البحث في إثبات المثبت؟

 أظن أن الباحثين عن الإثبات هم إما من ظل يؤمن بالمجتمع الدولي والمحكمة الجنائية والأمم المتحدة -مع كفر أهلها أنفسهم بها أو على الأقل قائد الغرب الأعظم في هذا الزمان- مع أن هذا المجتمع الدولي قد أبعد فكرة التحرير عن لسان السياسيين والإعلام، وأبقانا في دور عد انتهاكات الكيان ومنعها مع التعايش معه والتسليم بحقه في الأرض، أو أنه ممن يريد إثبات الجريمة من باب أنه يريد أن يقدم الشكاية حتى يرد النكاية، النكاية: أننا نحن المجرمون، والحقيقة أننا ضحايا مغلوبون.

هل تقدم لنا هذه الأخبار عن حسن نية أم عن سوء نية؟ وهل صاحب هذا المنهج مهني أم هو صاحب فكرة يريد أن يمررها أو يبقيها ماثلة في الأذهان؟ الفكرة تقول إن عليكم دائما أن تنتظروا الحل من سيد العالم حتى لو تأخر، أو حتى لو لم يأت، أو حتى لو قضى عليكم حتى

آخركم، فشريعته شريعة الإله في الأرض، الذي لا يسأل عما يفعل، بل يسأل أن يتكرم فيفعل، ونحن ليس لنا إرادة أن نقبل أو نرفض، بل نملك فقط أن نشكو له وندعوه، ذاك هو منهج من أراد منا أن نتخذ الغرب وما يقرر إلها نعبده من دون الله، مع أننا نعبد الله وحده لا شريك له.

 والسؤال مرة أخرى ما هو الذي سيترتب على كل تلك التقارير؟ وما هي القرارات التي ستتمخض عن اللجان وعن المحاكم أو حتى عن كشف المتواطئين في الجريمة من دول أو شركات أو مؤسسات أو جهات؟ كل ذلك، وعلى المنهج المشار إليه، والمطلوب أن نتبعه لا يوقف قطرة دم واحدة في غزة ولا يدخل رغيف خبز، فاليوم لا أمريكا ولا ترامب ولا اليهود ولا نتيناهو يعبؤون بالمجتمع الدولي ومحاكمه، بل يتطلع ترامب إلى معاقبته ومحاكمة محاكمه.

 إن معرفة الأعداء تنفع صاحب الخصومة، ولكنه لا يحتاج لجانا للإثبات، فلم يشكل الرسول صلى الله عليه وسلم لجنة ولا محكمة ليقرر محاصرة بني قريظة، ولم يشكل هيئة باحثة عن أدلة تتعلق بتواطؤ قريش مع بكر على خزاعة، ولم يحتج صلاح الدين سجلات تدين مجازر الصليبيين حتى يتحرك لتحرير بيت المقدس، فكلهم يعلم أن الشكاية والبكاء صنعة الضعفاء والعاجزين.

  نحن اليوم نعرف جرائم اليهود والغرب أكثر مما نعرف أنفسنا، ولكن التوجه في الشكاية إلى غير القوة التي يمكن أن تتحرك ولو تأخرت، وإلى الجهة التي يمكن أن تحاكم المجرمين فعلا ولو تباطأت، هو سير في هاوية الرمال المتحركة التي لا تزيدنا إلا غرقا، أما القوة التي يجب أن نخاطبها فهي قوة الأمة لا قوة الأعداء، ولا يخالف في ذلك كل من كان له عقل، وإن الذي يقرر كيف يكون التحرك هو نحن المسلمين، ولعمري إن من عجب الزمان أن منا من لم يمل منذ ما يدنو من القرن من مخاطبة أعدائه وينكر عليك أنك تنادي أمتك وجندها ولو مرة واحدة!

محمد عبد المنعم الجعبري

25/04/2025