علاء أبو صالح/عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
من يتابع تطورات الأوضاع في المنطقة يدرك أن ملف النزاع في الشرق الأوسط بات يشكل كابوساً يقض مضاجع الإدارات الأمريكية المتلاحقة.
فلقد باتت قضية الشرق الأوسط مفتاحاً لفشل المخططات الأمريكية في المنطقة بأسرها، وعاملاً مهماً من عوامل التأثير السلبي على مختلف ملفات وقضايا المنطقة، وهو ما دعا كل من بيكر-هاملتون إلى التوصية بضرورة حل قضية الشرق الأوسط وإحياء دور الولايات المتحدة في تحريك ما يعرف بعملية السلام وضرورة إفاقة الولايات المتحدة من غيبوبتها في هذا الشأن،
 
 لما يلحقه ملف الشرق الأوسط من أضرار فادحة بكل من قضايا العراق وأفغانستان. وهو ما دعا الجنرال ديفد بتراوس قائد القيادة الأمريكية الوسطى إلى القول في لجنة استماع لشهادته في مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخراً "أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يقوض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط"، وهو ما دعا بايدن كذلك إلى القول ليهود إن سياستهم تعرض حياة الجنود الأمريكيين في العراق وأفغانستان للخطر.
وبرغم أن قضية فلسطين واحتلالها، وإقامة كيان يهودي على أراضيها المغتصبة، كان من أهم أهدافه هو حرف الصراع عن حقيقته وجادته ليتحول من صراع حضاري بين المسلمين من جهة وبين القوى الغربية الاستعمارية بما فيها قاعدتهم العسكرية المتقدمة "كيان يهود" من جهة أخرى، إلى صراع "إسرائيلي" فلسطيني، ومجرد صراع حدودي، وإلى مجرد قضايا مجتزأة كقضايا اللاجئين والحدود والمياه وغير ذلك، ولكي تكون قضية فلسطين مشغلة للأمة عن قضاياها المصيرية التي خلفت احتلال فلسطين وضياع الأمة الإسلامية وسط الأمم،
برغم ذلك كله إلا أن هذه القضية باتت محركاً رئيسياً للمسلمين ينبههم إلى وحدة قضاياهم ويدعوهم إلى التفكر والتدبر لكيفية الخلاص مما يرزحون تحته من احتلال وتبعية سياسية، فباتت قضية فلسطين عاملاً يذكر الأمة بقضيتها المصيرية وبوجودها كأمة، وتستحثها للعمل الحقيقي للتغيير الشامل والجذري، لا مجرد قضية إقليمية ضيقة أو وطنية محلية.
وهذا الخروج بقضية فلسطين عن السياق الذي حددته لها القوى الغربية الاستعمارية يدفع تلك القوى وأتباعهم من الحكام الذين يدينون لهم بالطاعة والولاء إلى التخوف الدائم والمستمر من اشتعال فتيل حرب دينية، أي إلى عودة القضية الفلسطينية إلى سالف عهدها قضية تخص الأمة الإسلامية بأسرها ويتحرك لها المسلمون في شتى أصقاع المعمورة، لا أن تبقى هذه القضية ألعوبة وألهية بيد حفنة زعمت تمثيل أهل فلسطين فتاجرت في هذه الأرض المقدسة كما تتاجر في أي سلعة حقيرة.
نعم هذا الذي تخشاه أمريكا ودول الإتحاد الأوروبي وتخشاه الأنظمة الجاثمة على صدر الأمة، وهذا الذي يقلقهم من تصرفات يهود في القدس وفلسطين، لا حرصهم على فلسطين ولا غيرة على مقدساتها.
لكن يهود قد ضربوا بهذه التخوفات عرض الحائط وأصروا على تصرفاتهم وسياساتهم الاستفزازية، فهم من جانب يسعون لاستغلال الضعف السياسي الذي يعتري الإدارة الأمريكية الحالية وانشغالها في الانتخابات النصفية للكونغرس وبقضايا أكثر إلحاحاً كما سبق أن عبر عن ذلك تقرير صادر عن وزارة الخارجية "الإسرائيلية"، فتريد "إسرائيل" أن تفرض تصوراتها كوقائع جارية. وأمريكا تسعى من جانب آخر إلى ضبط الأوضاع وبقاء إمساكها بزمام المبادرة في هذا الملف الحرج ولجم كيان يهود لكي لا يعطل عليها أهدافها ومصالحها في المنطقة بسبب تعنته وعلوه واستكباره، لتتفرغ هي لقضاياها الأكثر أهمية.
لكن أمريكا، ولا سيما في عهد الإدارة الأمريكية الحالية، تتسم بالضعف الشديد الذي يمنعها عن ممارسة أي ضغط يذكر على كيان يهود، يمنعها من ذلك مشاكل هذه الإدارة الداخلية وقوة اللوبي اليهودي هناك وقرب حلول انتخابات الكونغرس النصفية. مما ينبأ أن هذا الكيان المغتصب ماض في علوه واستكباره، وماض في اعتداءاته على أهل فلسطين ومقدساتهم، وماض في سعيه لتغيير الوقائع الجارية.
إن القوى الغربية الاستعمارية تخشى من أن تؤدي تصرفات يهود في القدس وفلسطين إلى تحرك إسلامي يصطدم بحائط الأنظمة العميلة لها فيطيح بها ويقلب الأوضاع على غير ما تشتهيه، وهو ما عبر عنه ديفد بتراوس بقوله "إن الغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية يحد من قوة وعمق الشراكات الأميركية مع الحكومات والشعوب في المنطقة ويضعف شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي".
 
إن على الأمة إن هي أرادت أن تحرر فلسطين أن تغذي السير لاقتلاع أنظمة الجور التي وطدت أركان كيان يهود في فلسطين وحمته ورعته كما يرعى الأب ابنه، وتمسكت بما يسمى بالمفاوضات والسلام كخيار استراتيجي ووحيد، كما على الحركات العاملة فيها أن تغير مفردات الخطاب الموالي للأنظمة والداعم لها، فبدون اقتلاع هذه الأنظمة والاستبدال بها كياناً يلم شعث الأمة ويوحد كلمتها فيزحف في جيش جرار نحو فلسطين فيحررها من رجس يهود، بدون ذلك ستبقى فلسطين ترزح تحت نير الاحتلال، فالطريق إلى القدس لمن فقد البوصلة يكون من قاهرة المعز ومن الأردن وسوريا ولبنان بل ومن طهران وإسلام أباد واسطنبول.
 
20-3-2010