المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين

 بعبارات جميلة، مسالمة، ودودة، حاول أوباما التقريب بين المسلمين وأمريكا، وبعد الكلام الذي امتدح به الإسلام والحضارة الإسلامية ليدغدغ مشاعر المسلمين انتقل ليقنع المسلمين بأن صورة أمريكا الحقيقية هي كصورة الإسلام العظيم، مبررا حروب أمريكا ضد المسلمين بأنها ضد "المتشددين"، محاولا إقناع المسلمين بأن مشكلة أمريكا هي مع الإرهابيين والمتطرفين وليس مع المسلمين المسالمين، خطاب رسم فيه أوباما صور الملاك لنفسه ولأمريكا، وكأنه لا يعرف أن جنوده قد قتلوا أكثر من مليون مسلم في العراق، فهل كلهم من "المتشددين"، أم من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين؟! أم أن مئات الآلاف الذين قتلوا في أفغانستان كلهم من المدنيين؟! ألم تقتل قواته منذ بداية عام 2009 وحسب إحصائيات الأمم المتحدة 828 مدني أفغاني؟! ألم تصور الكاميرات أشلاء الأطفال والنساء?!

لعل الأهم في خطاب أوباما ليس الرسائل السياسية التي لطالما كررها حول إيران وحول طالبان وحول الدولة الفلسطينية وحول العراق وحول أفغانستان، بل الأهم هو ما وصفه بقوله : "أنني جئت لأخاطب المسلمين من القاهر حيث الأزهر الشريف والجامعة العريقة". أراد أن يخاطب المسلمين من بلد إسلامي كبير ليغير من صورة أمريكا في أذهان الأمة الإسلامية.

ولكن نظرة خاطفة إلى سياسة أوباما تُري أنه رغم خطابه الذي حاول أن يظهر من خلاله أن أمريكا تغيرت وأنها باتت دبلوماسية ولا تستهدف سوى المجرمين، ورغم شعاره الذي رفعه وروج لنفسه من خلاله وهو التغيير، إلا أننا لا نلمس تغييرا في مواقف أمريكا تجاه المسلمين سوى في الكلام المنمق والكلام الذي يزيّن من خلاله أفعال حكومته.

نرى أنه لم يغير شيئا من جرائم أمريكا بحق المسلمين، فها هي القوات الأمريكية ما زالت تعيث فسادا في أرض العراق، تسجن وتقتل وتغتصب وتعذب وتهدم وتدمر وتسرق نفطه.

وفي أفغانستان أمرها أدهى وأمر، فقد رفع أوباما عدد جنوده المتواجدين هناك، وزاد من العمليات العسكرية وأضاف إليها ملاحقة الآمنين وهدم بيوتهم كما رصدت ذلك شاشات التلفزيون، وما زال يتوعد أفغانستان بمزيد من العمليات والجنود.

بل رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال جورج كايسي قال قبل أسبوع إن وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" قد تبقي قواتها في العراق لعشر سنوات مقبلة إضافية. ونقلت وكالة الأنباء السورية عن كايسي القول في تصريحات له ببغداد إن قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال راي أوديرنو يعمل على إعداد دراسة حول وضع القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان التي قد تبقى هناك لأكثر من عشر سنوات مقبلة.

وما زال أوباما يدعم الأنظمة الدكتاتورية والمستبدة الجاثمة على صدر الأمة، بل ويعطي قادتها أوسمة شرف، ويمدحهم من على شاشات التلفزيون. وبالنظر إلى حجم التأييد والمساعدات التي تقدمها إدارة أوباما لحكومة باكستان في حربها على المسلمين في وادي سوات وفي منطقة القبائل ندرك كيف أن أمريكا هي شريكة الحكومة الباكستانية في أعمالها وأن أوباما هو من يقف وراء قتل الآلاف وتهجير الملايين من المسلمين في وادي سوات في باكستان، فأمريكا في عهد أوباما عملت في مؤتمر طوكيو الخاص بمساعدة باكستان، على دفع الدول المانحة لتقديم ما مجموعه خمسة مليارات دولار إلى باكستان خلال العامين المقبلين من أجل مساعدة الحكومة الباكستانية التي تقصف شعبها وتقتل أبناءه بحجة الحرب الأمريكية على الإرهاب، وصرح مسئولون بأن إدارة أوباما ناشدت الصين توفير التدريب بل وحتى العتاد العسكري لمساعدة الباكستانيين في مواجهة التهديد المسلح المتنامي، وقد أحالت إدارة الرئيس باراك أوباما على الكونغرس مشروع قانون ينص على مضاعفة المساعدات للحكومة الباكستانية إلى ثلاثة أضعاف في غضون السنوات الخمس المقبلة لتصل 7.5 مليارات دولار. وبالأمس طلب أوباما من الكونغرس مساعدة إضافية بقيمة 200 مليون دولار لنحو 2,5 مليون شخص نزحوا جراء المعارك ضد طالبان في شمال غرب باكستان.

وحتى معتقل غوانتانامو، فأوباما لا يريد إغلاقه من أجل رفع الظلم عن المسجونين، ولا من أجل حفظ كرامة الإنسان، بل يريد إغلاقه ليحسّن من صورة أمريكا، فوزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس قال أنه لا خيار أمام إدارة الرئيس باراك أوباما سوى إغلاق معتقل غوانتانامو لأن المعتقل يشوه صورة الولايات المتحدة وقال غيتس في مقابلة بثت مع شبكة NBC أن مجرد اسم معتقل غوانتانامو يشكل إدانة للممارسات الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب. فالحديث هو عن تحسين صورة أمريكا وليس أكثر من الصورة، وما يدل على ذلك أن قرار أوباما إغلاق المعتقل خلال عام لن يفضي إلى إخلاء سبيل المظلومين، بل هي عملية ترحيل إلى سجون أخرى. فماذا تغير على السجناء ؟!!

بعد ذلك لا يمكن إلا أن نقول أن أوباما هو امتداد بوش الطبيعي، بل وزاد عليه في باكستان مثلا، فقد كانت أمريكا تنفذ عمليات خفيفة بالطائرات بلا طيار في منطقة القبائل، والآن باكستان تخوض حربا بالوكالة عن الإدارة الأمريكية ضحاياها بالآلاف بدلا من العشرات، فقد تسبب أوباما في المائة وأربعين يوم التي قضاها في الإدارة لغاية الآن في سفك دماء الآلاف.

ولكن هذه الزيارة وهذا الخطاب من مصر تأتي لأن أوباما وإدارته قد أدركوا بأن صراحة بوش في عدائه للمسلمين وتصريحه بأنها حرب صليبية، والعنجهية التي كان يتعامل بها مع العالم كله وخاصة مع المسلمين، كل ذلك سبب مشاكل لأمريكا ومن ضمنها تنامي حالة العداء لها. لذلك عاد أوباما ليتعامل مع المسلمين بشكل دبلوماسي، فيظهر لهم بعض ما يحبون ويكن لهم كل ما يكرهون، لعله بذلك يخفف من حدة العداء الموجودة بين المسلمين وبين أمريكا.

ولا أظن أنه سينجح في محاولته، فترحيب الحكام بأوباما ليس بالأمر الجديد أو ذي البال فهم قد رحبوا من قبل ببوش، بل ورقصوا معه في جولته الأخيرة قبل رحيله.

فالشمس لا تُغطى بغربال، فمهما حاول الحكام تعبيد الطرق أمام أوباما فلن ينجح فكل أفعاله تكذب أقواله. ولو تعلق أوباما بأستار الكعبة لن يغفر له المسلمون جرائمه بحقهم، وستبقى لعنة دماء المسلمين تلاحق أمريكا حتى يُقضى عليها، ولقد ذكرني خطاب أوباما بما أخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: ( لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال " اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة".).

فحتى لو تعلق أوباما بأستار الكعبة وخاطب المسلمين من الأزهر الشريف فلن يغير ذلك من عداوتنا لأمريكا وعداوتها لنا، وسيحفظ له المسلمون كل ما اقترفت يداه ويد جنوده بحق المسلمين.