مؤتمر أمريكا حول الأزمة الإنسانية في غزة لم يكن له من اسمه نصيب

المهندس باهر صالح*

 

عن الراية

نظم البيت الأبيض مساء الثلاثاء 13/3/2018م، مؤتمرا قال إنّه لحل الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وشارك فيه 19 دولة من بينها كيان يهود، وضم كلا من البحرين والأردن والسعودية والإمارات وسلطنة عمان وقطر واليابان والنرويج وكندا والسويد وقبرص وهولندا واللجنة الرباعية التي تضم (أمريكا، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة)، في ظل غياب للسلطة الفلسطينية التي رفضت حضوره.

والمدقق في هذا المؤتمر يجد أنّه قد جاء في ظلال ثلاث معطيات رئيسية تساهم في رؤية غايات المؤتمر على حقيقتها.

فقد جاء المؤتمر بعد تفاقم أزمة قطاع غزة إلى درجة بات الحديث فيها عن انفجار وشيك للأوضاع، إذ أصبح قطاع غزة يعاني من أزمات إنسانية واقتصادية وصحية حقيقية، بسبب الحصار المفروض عليه منذ 11 عاما، والذي ضاعف من أعداد الفقراء ورفع نسبة البطالة بشكل كبير، حيث ارتفعت نسبة الفقر لتصل أكثر من 65%، وبلغت البطالة نحو 43%، فيما بات 80% من السكان يعتمدون على المساعدات الخارجية لتدبير أمور حياتهم، وزاد الطين بلة مؤخرا تقليص واشنطن دعمها المقدم للأونروا التي تخدم أكثر من مليون وخمسمئة ألف لاجئ في غزة، حيث كانت الإدارة الأمريكية قد قررت تقليص دعمها المالي الذي كانت تبلغ قيمته السنوية نحو 300 مليون دولار، ولم تحول في مطلع العام الحالي إلا نصف الدفعة الأولى بناء على قرارها، وقررت دفع 60 مليون دولار من أصل 125 مليون دولار، وربطت واشنطن قرارها بعودة السلطة للمفاوضات مجددا مع كيان يهود.

لذلك فإن أحد الأمور التي دفعت إلى عقد هذا المؤتمر هو الخوف من انفجار الأوضاع في القطاع وهو ما سيؤذي كيان يهود ومشاريع أمريكا في المنطقة، وهو ما هدد به قادة حماس مباشرة وبشكل غير مباشر في أكثر من مرة مؤخرا، وقد صرح سامي أبو زهري القيادي في حركة حماس قائلا: "إن التوجه الأمريكي المتعلق بغزة محاولة لإنقاذ الاحتلال في ظل إدراكه للانفجار الوشيك في القطاع نتيجة السياسات (الإسرائيلية) القاتلة".

وأما الأمر الثاني، فقد جاء المؤتمر بعد الدور المتصاعد الذي بدأ يلعبه الجانب الأوروبي ودعمه لحراك السلطة الرافض لما جاء في صفقة القرن وبخاصة ملفي القدس واللاجئين، فعملوا على التركيز على معاناة القطاع والحالة الإنسانية المأساوية التي وصل إليها، وهو ما أوقع الإدارة الأمريكية في حرج أمام الرأي العام في ظل خطوتها الأخيرة المتعلقة بتقليص دعمها لوكالة الغوث، وهو ما صرح به مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات قائلا "إدارة ترامب تعتقد أن تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة يتطلب اهتمامًا فوريًا". فجاءت هذه المبادرة الأمريكية لمحاولة قطع الطريق على الأوروبيين، ولتؤكد أمريكا على أنها هي من تقود العملية السياسية في الشرق الأوسط عموما، والملف الفلسطيني على وجه الخصوص.

وأما الأمر الثالث فيعود إلى ما يتعلق بالرؤية الأمريكية لحل الصراع في فلسطين، وأنّه لا بد من تهيئة حماس وقطاع غزة لما أريد لهما في صفقة القرن، فالمؤتمر لم يكن للدردشة والعصف الذهني كما وصفه جيسون غرينبلات، بل هو لأكثر من ذلك وأبعد، فقد قال غرينبلات في البيان الذي أصدره البيت الأبيض باسمه الاثنين 12/3/2018م: "إن حل الوضع في غزة هو أمر حيوي لأسباب إنسانية مهمة، ولأمن مصر و(إسرائيل)، وأنّه خطوة ضرورية نحو التوصل لاتفاق سلام شامل بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين، بمن فيهم الفلسطينيون في كل من غزة والضفة الغربية".

وكان غرينبلات قد أكد في مقال له عبر صحيفة "واشنطن بوست"، أنه "لا يزال هناك إمكانية لضم حركة حماس في حال اتخاذها ما قال إنها الخطوات الضرورية". وقال إن على حماس "التخلي عن السلاح والالتزام بالمفاوضات التي تتبناها السلطة الفلسطينية، وإعادة جثامين الجنود (الإسرائيليين) المحتجزين لديها، إضافة إلى المدنيين (الإسرائيليين)".

فأمريكا أرادت من المؤتمر أن يكون خطوة في مسيرة تطويق القضية وتطويع حركة حماس نحو صفقة القرن الإجرامية، لذلك ورغم أنّ المؤتمر جاء تحت ذريعة الإنسانية إلا أن حركة حماس والسلطة أدركا شيئا من الأهداف الحقيقية للمؤتمر فسارعا إلى رفضه ورفض مخرجاته قبل انعقاده، لذلك فمن جانب حركة حماس فقد صرح سامي أبو زهري بأن أمريكا تحاول توظيف واستثمار معاناة سكان قطاع غزة لفرض رؤيتها للحل في فلسطين والمنطقة، وقال بأن الحركة عبرت مرارا وتكرارا عن رفضها لمحاولات الإدارة الأمريكية تصفية القضية الفلسطينية من خلال ما يسمى "صفقة القرن".

ومن جانب السلطة التي رفضت المشاركة في المؤتمر فقد أعلن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني أن السلطة الفلسطينية رفضت دعوة من أمريكا، لحضور المؤتمر وذكر أن "اجتماع واشنطن الذي دعا إليه المبعوث الأمريكي جيسون غرينبلات لم يأت من فراغ ولا لدواعٍ إنسانية، وإنما في إطار المشروع التصفوي لقضيتنا".

فالصورة كانت واضحة عند الأطراف بأنّ المؤتمر لم يعقد للناحية الإنسانية وأنّ هناك ما تريده أمريكا غير الناحية الإنسانية لا سيما وأن أمريكا قد كشرت عن أنيابها تجاه فلسطين وأهلها وحتى تجاه السلطة الفلسطينية التي أوجدتها وتجاه حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، وأنّ أمريكا جادة لتهيئة الأجواء والظروف لميلاد صفقة القرن التي تتبناها الإدارة الأمريكية والتي من ضمنها الحملة الأمنية المجرمة التي يقودها السيسي في سيناء وعمليات التهجير والهدم المقصودة في المناطق المتاخمة لقطاع غزة، ولأن السلطة في الضفة وغزة قد التقت مصالحهما هذه المرة في رفض صفقة القرن لذلك كان موقفهما واحدا في رفض هذا المؤتمر المزعوم.

أما أهل فلسطين فهم مجمعون منذ البداية على رفض كل مشاريع التصفية والسلام والهدن والتعايش مع كيان يهود سواء في ظلال "صفقة القرن" أم في ظلال مؤتمر أوسلو أو المخابرات المصرية والمصالحة، والمسألة عند أهل فلسطين والأشراف محسومة بأن أرض فلسطين كلها للمسلمين ولا مكان فيها ولا مقام ليهود ولا لغيرهم من المستعمرين. وسواء أصرت الإدارة الأمريكية على مواصلة سعيها لإنجاح "صفقة القرن" أم أرجأت ذلك كما تردد مؤخرا عبر صحف عبرية، فإن أهل فلسطين والمخلصين سيواصلون سعيهم لاستنهاض الأمة وجيوشها لتحرر فلسطين وتعيد المسجد الأقصى المبارك إلى حظيرة الإسلام.

 

*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير الأرض المباركة فلسطين