ما يسمى شرف العائلة
عبارة مسمومة تخفى وراءها جيشاً من الأفكار
الكاتب: صادق صادق
في أجواء الحملة المحمومة التي يشنها أعداء الإسلام على مفاهيم الإسلام وأحكامه وقيمه في حياة المسلمين، تستعمل مفردات ومفاهيم هجومية، مغلفة بأغلفة مختلفة تخفي وجهها القبيح، فهم يغلفونها بحقوق الإنسان، أو المساواة، أو العدل أو غير ذلك.
ومن المظاهر العامة في هذه الحرب التي يشنها الكفار وعملاؤهم وأدواتهم المحلية على الإسلام ومفاهيمه، إخفاء حقائق القضايا والتمويه فيها والاختباء وراء أعراض ومظاهر خادعة، بحيث يتركز النظر والنقاش عليها وليست هي القضية. من ذلك العبارة الممجوجة التي أصبحت لازمة للحديث عن قتل النساء أو إيذائهن، عبارة "على خلفية ما يسمى بشرف العائلة".
وليس موضوع هذه المقالة قتل النساء على خلفية شرف العائلة، فالقتل والحدود لها أحكام، وفيها تفصيلات كثيرة، ولكن من الضروري التنويه أن قتل الرجل شخصاً وجده يزني بأهله قد أجازه معظم الفقهاء على اختلاف بينهم في التفاصيل، ومن ذلك الحادثة التي حكم فيها عمر رضي الله عنه حين قتل رجل رجلاً وجده مع أهله، وقال له "إن عادوا فعد"، ومنه قول ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (وَمَنْ رَأَى رَجُلًا يَفْجُرُ بِأَهْلِهِ جَازَ لَهُ قَتْلُهُمَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَاجِرُ مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ أَمْ لَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَفَتَاوَى الصَّحَابَة وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ بَلْ هُوَ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُعْتَدِينَ الْمُؤْذِينَ)، ولقد نوهت لهذه النقطة لسبب واحد وهو أن جوقة (حقوق المرأة) العلمانية، تضغط من خلال السلطة وأجهزتها وبشكل مباشر على الأئمة والوعاظ والفقهاء وموظفي الأوقاف ليبتزوهم من أجل أن يصدروا الفتاوى أو المواقف التي تناصر المنظور العلماني والجوقة العلمانية التي تعبث بقضية المرأة، ومن أجل أن يضللوا الناس بأن الإسلام والأحكام الشرعية تمنع الدفاع عن العرض. ويلاحظ أن هؤلاء المشايخ ينبرون لإصدار الفتاوى والمواقف (مثلا بيان المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في 23/9/2013)، ويلاحظ أيضاً أنهم يرون كل الموبقات ونشر ثقافة الرذيلة والدياثة تقع برعاية رسمية وغير رسمية، ولا ينطقون بكلمة بل يسكتون سكوت الموتى، ومسابقات الجمال وكرة القدم النسائية، أمثلة مشهورة وغيرها بالمئات إن لم يكن بالآلاف. كنت سأكون مسرورا جداً لو أصدر المجلس المذكور فتوى بخصوص إقامة مسابقة الجمال وحكم المشاركة فيها والأهم من ذلك حكم من يسمح بحصولها من سلطة وأجهزة ونحوها.
نعود لعبارة (ما يسمى شرف العائلة)، ولنضعها تحت المجهر قليلاً، لنرى ما هي الرسائل التي تحملها، وخاصة إذا فهمناها في ضوء الكلام الكثير الآخر الذي يصدر عن الجوقة العلمانية المشتغلة بـ "قضية المرأة".
إن عبارة "ما يسمى" تدل على أن القائل لا يؤمن بالشيء ولا يقبله ولا يرضى عنه، بل يعتبره خطأ، فنحن نقول مثلاً ما يسمى "دولة إسرائيل" أو ما يسمى "يهودا والسامرة"، فالقول عن الشيء "ما يسمى" يعني الرفض للتسمية ولما تدل عليه.
وحين يقتل شخص شخصاً لأنه رأى عرضه ينتهك، فيقتل الرجل أو يقتل المرأة أو يقتلهما كليهما، تنتشر على الألسنة وفي وسائل الإعلام التي تتبنى وجهة النظر العلمانية أن القتل وقع على خلفية ما يسمى "شرف العائلة". ومن يستعملون هذا التعبير، يقولون لنا من خلاله أنهم لا يعتبرون انتهاك العرض اعتداء على الشرف، ولا يعتبرون الزنا له علاقة بالشرف، ولا يعتبرون كشف العورات والمخادنة والمخالّة بين الرجال والنساء، لا يعتبرون أياً من ذلك له علاقة بالشرف.
يكشف هؤلاء العلمانيين من خلال تعبير "ما يسمى شرف العائلة" شيئاً واحداً وهو أنهم ضد حادثة القتل الفلانية، ولكنهم يخفون وراءها أشياء كثيرة.
يخفون أن الزنا لا علاقة له بالشرف، وأن الزانية أو الزاني قد يكونون من الشرفاء، ويخفون أن الرجل إذا زنى ابنه أو زنت ابنته أو زوجته، فليس عليه أن يهيج ويصول ويجول، فشرفه لم يمس.
ويخفون رأيهم في الزنا، والاختلاط الذي نهى عنه الشرع، والصداقات بين الرجال والنساء، وكشف العورات، ومسابقات الجمال والتعري على شواطئ البحار. ربما يقول بعضهم تحت ضغط الرأي العام إنا ضد هذه الأمور، ضد التعري على شواطئ البحار، وضد مسابقات الجمال، وضد الزنا. ولكنهم بهذا يرضون الناس بأفواههم فقط، وهو لا يعبر عن القناعات الحقيقية. لماذا؟ لأنهم يعتبرون القتل دفاعاً عن العرض جريمة، هم لا يكتفون بأن يقولوا إنهم لا يؤيدون القتل دفاعاً عن العرض، بل يقولون إنها جريمة ويقومون بالحملات من أجل تطبيق أقصى العقوبات بحق القاتل. ولكن هذا يطرح عليهم سؤالاً هاماً هو الذي يكشف حقيقة مواقفهم، "هل الزنا جريمة"، فإن قالوا إنه ليس بجريمة فهم المجرمون وهم دعاة الزنا والمروجون له، وإن قالوا إنه جريمة، فأين دعواتهم لإيقاع العقوبات على من يرتكب الزنا ومن يرتكب مقدمات الزنا كذلك. هل سمع أحدكم مشروع قانون يوضع أمام "الرئيس" أو أمام "المجلس التشريعي" لتجريم الزنا ومقدماته، طبعاً لا.
ويخفون رأيهم فيما على الولي أن يفعله إذا انتهك عرضه (طبعاً هم يعملون جاهدين على إسقاط شيء اسمه الولي من قاموس المسلمين)، يعني من زنت إحدى قريباته، ابنته أو زوجته أو اخته، الخ.... "بالتراضي"، فماذا عليه أن يفعل؟! الجواب بسيط، هم يرون أن مثل هذا الشخص الذي وقعت به هذه الكارثة ليس عليه ان يفعل شيئاً ما دام المرأة راضية، يعني هذا الرجل ليس له أن يفعل شيئاً (اللهم سوى الإعراب عن "زعله" منه ومنها)، وكذلك النظام القائم (السلطة مثلاً) ليس له أن يعاقب هؤلاء، فالقانون يكفل لهما الحرية الشخصية. اليس في هذه المعادلة ترويج وتشجيع على الرذيلة، والزنا والدياثة.
ويخفون رأيهم في كل المظاهر التي تدعو إلى الرذيلة والزنا والإباحية، كيف يكون علاجها، يعني يخفون رأيهم في اللباس المقبول في الحياة العامة والخاصة، ويخفون رأيهم في التبرج ويخفون رأيهم في الخلوة والعلاقات الغرامية، ويخفون رأيهم الأنشطة المختلطة التي تشجع الفاحشة كالرحلات والغناء والموسيقى وأشكال الفنون والرياضة. لماذا لا يجاهرون برأيهم في هذه الأمور: السبب بسيط، لأنها تصادم الدين والعادات والتقاليد والتراث، وببساطة تعتبر انقلاباً على دين الأمة وثقافتها وعفتها. هم لا يرون بأساً في كل ما ذكر أعلاه.
وعليه فإن الرجل الذي يطلبون له الإعدام أو قريباً منه الآن، الذي قتل دفاعاً عما يقولون عنه "ما يسمى شرف العائلة"، يضعونه في المعادلة التالية:
- يجب نشر كافة المحفزات والدواعي للزنا وتشجيعها، ويجب السماح بكل الانشطة التي تفتح الباب أمام الرجال والنساء للوقوع فيه
- لا يجوز منع الرجل والمرأة من التصرف بأنفسهم كما يشاؤون، والقانون يحمي حريتهم يفعلون ما يشاؤون، وعليه لا يعاقب الزناة ولا من يرتكبون مقدمات الزنا.
- الرجل الذي يثور ويدافع عن عرضه مجرم يستحق أشد العقاب.
يعني الرؤية العلمانية: هي تشجيع الرجال والنساء على الزنا وبواعثه، وإذا زنت المرأة أو زنى الرجل فلا "الدولة" تعاقبه بشيء، ولا تسمح لمن انتهك عرضه أن يفعل شيئاً تجاه انتهاك عرضه. فملخص الدعوى العلمانية هي تشجيع الزنا وحماية الزناة.
بقيت مسالة:
يقول العلمانيون المنافقون الذين يخفون حقيقة نواياهم وأفكارهم، إذا حصلت حادثة قتل على خلفية ما يقولون عنه "ما يسمى شرف العائلة"، يقولون إن معظم حوادث القتل التي تقع تكون الضحايا فيها بريئة، ويكون الخلاف شخصياً أو مالياً أو بسبب شبهة لم تثبت، ولذلك كان قتلاً ظالماً وإجراماً يستحق العقوبة.
هذا كلام ربما يكون له وجه، وربما يُسمع ليفكر الإنسان فيه، فظاهره جميل وساحر، ولكن حقيقته سامة وهي كشعار "ما يسمى شرف العائلة" تقول شيئاً وتخفي أشياء. فهي تخفي الجواب على السؤال التالي: سنسلم جدلاً أن تلك الحالات يكون فيها ما كان بناءً على شبهة أو لأسباب مالية الخ....، طيب أليس في كل الحالات التي تحصل في فلسطين أو في بلاد المسلمين حالة واحدة صحيحة فيها انتهاك للعرض؟
ماذا تقولون في تلك الحالات الصحيحة التي انتهك فيها العرض أو حصل الزنا، هل تستحق العقاب؟؟ وما عقابها؟؟ هل سبق أن تحدث أحد تلك الأبواق العلمانية عن حالة صحيحة؟ وعن عقوبتها، وعن أنه أو أنها جلبت العار، يعني هل تحدث أحد تلك الأبواق العلمانية عن معاقبة الزاني "بالتراضي" أو الزانية "بالتراضي". لو كان العرض له معنى عند هؤلاء لقالوا مثلاً "يجب سن قوانين أنه إذا ثبت أن القتل أو الضرب أو التكسير الخ....، إذا ثبت أنه بسبب انتهاك العرض فإن القاتل أو الضارب أو من هشم العظام، له ذلك أو ينظر إليه أخذاً بالظرف المخفف كما في القانون، ولكنهم لا يقتربون من هذا، بل دعاواهم هي تجريم دفاع الرجل عن عرضه، وما قولهم عن الحالات التي لا تكون متعلقة بالشرف بل بأسباب أخرى إلا ذراً للرماد في العيون، فعندهم يستوى القتل أو الضرب أو التكسير إذا كان نتيجة انتهاك حقيقي للعرض أو اعتداء آثماً ليس له سبب.
وأخيراً، فإن هذا المقال لم يكن من أجل بيان الرأي في القتل على خلفية شرف العائلة كما يسمونه، فالموضوع فيه ما هو متفق عليه بين الفقهاء وما فيه اختلافات. وإنما كان هذا المقال لبيان ما يخفيه جنود الكافر المستعمر، العملاء الثقافيون، والعملاء الفكريون، والعملاء الأمنيون، وأخيراً وليس آخراً الذين يقبضون أموالا تعمي الأبصار، من المتاجرين بقضية المرأة، دون أي رادع ديني أو أخلاقي أو قيمي.
هؤلاء هم، وتلك حقيقة أفكارهم، وقد آن الأوان للمسلمين ولأهل فلسطين خاصة أن يقولوا لهؤلاء "مكانكم"، فهم أعداء للمرأة وأعداء للأسرة وأعداء للأمة، علموا أم لم يعلموا.
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)آية 27 النساء
24/09/2013