قضية المرأة مفتعلة وضَع مضمونها وأهدافها الكفار المستعمرون

وينفذها أدواتهم من أبناء الأمة

 

الكاتب: صادق صادق

المطلع على ثقافة الأمة الأصيلة، في كتب الفقهاء والعلماء والأدباء، لا يجد فيها شيئاً يذكر مشكلة أو يوحي بمشكلة تتعلق بالمرأة، فالإسلام قد أنصف الرجل والمرأة على حد سواءٌ، فهو وحي من الله تعالى خالق الرجل وخالق الأنثى، والمسلمون بشر قد تقع منهم مخالفات في أي أمر من أمور الدين، فيأمر بعضهم بعضاً بالمعروف وينهاه عن المنكر، وكذلك تقيم الدولة الإسلامية الحدود وتوقع العقوبات الرادعة على من يستحقها.

 

"قضية المرأة" هي قضية غريبة عن الأمة، هي قضية أجنبية لم تنشأ نشوءاً طبيعياً في بلاد المسلمين، وإنما كان نشوؤها بتأثير الكفار المستعمرين، سواءٌ من خلال سيطرتهم المباشرة على بلاد المسلمين، وعملهم على فرض ثقافتهم، أو من خلال اتصال بعض أبناء المسلمين (من خلال الدراسة في الخارج مثلاً) أو بعض النصارى بالثقافة الأجنبية، ومن ثم تأثرهم بهذه الأفكار.

 

ولو كانت هذه القضية قد نشأت طبيعياً في بلاد المسلمين، لكان موضوعها الالتزام بأحكام الإسلام المتعلقة بالمرأة، أي لكان من يرفعون لواء هذه القضية يقولون للناس "لماذا تخالفون الإسلام في كذا وكذا من شأن المرأة، أليس حراماً عليكم؟" أو يقولون مثلاً "لماذا تحرمون المرأة من الميراث والله تعالى قد أعطاها فقال (للذكر مثل حظ الأنثيين)"، ولكن النقاش لا يدور هكذا بل يدور بأحد شكلين:

إما دون ذكر المرجعية فيقولون مثلاً تعدد الزوجات ظلم للمرأة، أو يجب ان تعطى المرأة حريتها في العمل، هكذا دون ذكر المرجعية (طبعاً في ذهنهم هناك مرجعية ولكنهم لا يذكرونها)، أو يذكرون مرجعية غير إسلامية، فيقولون نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على كذا وكذا، أو تنص اتفاقية سيداو على كذا وكذا، فيجب تنفيذه في حق المرأة.

وهم لا يذكرون الحكم الشرعي ولا يستندون إلى الإسلام، إلا في حالات قليلة، خاصة في الحالات التي أفتى فيها بعض علماء السلاطين بما يوافق خططهم.

 

ومن الشواهد على أن "قضية المرأة" نشأت بتأثير الثقافة الأجنبية، أن من أبرز زعمائها ومنظريها الأوائل المحامي النصراني مرقص فهمي، الذي ألف كتاباً عام 1894، عنوانه (المرأة في الشرق)، نظّر فيه ضد أحكام الشرع الإسلامي المتعلقة بالمرأة، وركز على خمسة قضايا:

1-   القضاء على الحجاب

2-   إباحة الاختلاط دون قيود

3-   تقييد الطلاق

4-   منع تعدد الزوجات

5-   إباحة الزواج بين المسلمة وغير المسلم

 

وكذلك قاسم أمين الذي ألف كتابين في الموضوع (تحرير المرأة) و(المرأة الجديدة)، دعا فيهما إلى أن تحذو المرأة المسلمة حذو المرأة الغربية، ودعا إلى السفور، واستدل على مواقفه بأقوال الغربيين الكفار.

 

وصدرت في ذلك الحين مجلة "السفور" واسمها يعبر عن رسالتها وعمن وراءها أبلغ تعبير.

 

والغريب أن المشتغلين في "قضية المرأة" من أبناء وبنات المسلمين، يعتمدون التقليد الأعمى بالنسخ واللصق دون تدبر، فيأخذون كل ما يصدر عن الغرب من أبحاث ومصطلحات وقيم ومعايير، ويطبقونها على أمتنا ومجتمعاتنا، دون التفات إلى أن ديننا هو غير دينهم وقيمنا غير قيمهم وعقيدتنا غير عقيدتهم، فدعوتهم وأعمالهم غير قائمة على فهم حقيقي للواقع الذي يشتغلون فيه، هذا على افتراض حسن النية وعدم ادراك هذه المسألة من قبلهم، أما الذين يدركون ويصرون على استيراد مفاهيم الكفر لتطبيقها على مجتمعاتنا وبلادنا ونحن مسلمون، فإنهم عملاء فكريون وثقافيون للكافر، وهم يعملون ضد الإسلام، مهما كانت مبرراتهم.

 

ومن المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها عملهم ما يسمونه "الجندر"، وهو ما يترجم أحياناً بعبارة "النوع الاجتماعي"، ويكفي ملاحظة أن "الجندر" هو لفظة انجليزية، تستعمل كثيراً كما هي دون ترجمة وأحياناً يترجمونها بما ذكرناه. إن استيراد لفظ للتعبير عن قضية فكرية وثقافية يعني أن الفكرة أو المنتج الثقافي هو مستورد أيضاً، فإن الأفكار التي تنشأ في بيئتها الطبيعية والجوانب الثقافية التي تنشأ في بيئتها الطبيعية، يعبر عنها بألفاظ من اللغة السائدة، فإن كان اللفظ أجنبياً فإن الفكرة والمفهوم الثقافي مستورد أيضاً، وعليه فإن كان المفهوم مستورداً في موضوع دور المرأة وحقوقها ومكانتها، فإن مفهوم الجندر أو ما يسمونه أحياناً "النوع الاجتماعي" يعبر عن غزو ثقافي.

 

ولا يلتفت هؤلاء إلى حقيقة هامة، انهم يكررون دون إدراك ولا بصيرة، أن الاتفاقية الفلانية أو الميثاق الفلاني هو ميثاق عالمي وأنه نتاج جهد عالمي وقيم عالمية إلى غير ذلك من العبارات المنمقة ولكنها تقطر سماً زعافاً. فليسأل هؤلاء أنفسهم: هل حقاً الاتفاقيات والمواثيق العالمية المتعلقة بالمرأة (وكذلك المتعلقة بالسياسة والاقتصاد) هي مواثيق انسانية يشترك فيها جميع البشر.

 

فهل شارك المسلمون وهم ربع العالم أو يزيد في أي شيء من هذه المواثيق وهل فعلا وافقوا عليها، وأي جزء منها أخذ من القرآن أو الإسلام، اليست هذه المواثيق والاتفاقات قد وضعتها الدول الكبرى الكافرة المستعمرة، ثم قبلتها الحكومات العلمانية العميلة في بلاد المسلمين. فهل هي فعلا عالمية إنسانية، أم هي فكر غربي علماني يفرض على الناس وعلى المسلمين خاصة. وسؤال آخر لعله يبرز القضية أكثر: هل نحن والفرنسيون والشيوعيون (سابقاً) لنا نفس القيم والمرأة عندنا وعندهم سواء. أليسوا يستحلون الزنا ونحن نحرمه (لأن الله حرمه)؟ أليست المرأة عندهم تتباهى بكشف جسدها كله أو يكاد، فهل نحن سواء؟

 

والخلاصة أن "قضية المرأة وحقوقها وتحريرها وتحررها"، كل هذه قضايا وأبحاث اجنبية تشكل جزءاً من الغزو الثقافي والقيمي، لم تنشأ في بلادنا ولا في ديننا ولا في ثقافتنا، بل هي قضايا مستوردة يرعاها الكفار المستعمرون ويشتغل فيها نفر من أبناء الأمة، بعضهم بحسن نية لا يدرك ما يصنع، وبعضهم لا يعدو كونه عميلاً فكرياً وثقافياً للكافر المستعمر علم أم لم يعلم.