جواب سؤال
طلب باكستان الانضمام إلى مجموعة موردي المواد النووية
السؤال: أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية (أنها تقدمت بطلب رسمي للانضمام إلى مجموعة موردي المواد النووية في خطوة من المرجح أن تؤدي لمواجهة داخل النادي نفسه بعد تلقيه أيضا دعوات لضم الهند. رويترز: 20/05/2016م) وكانت قد اعترضت أمريكا على طلب باكستان... وقد سبق اعتراض من الصين على دعوات عدة لضم الهند ولكن لم تعترض أمريكا... أما اعتراض الصين على قبول الهند فمفهوم، وأما اعتراض أمريكا على طلب باكستان دون أن تعترض على طلب الهند فموضع تساؤل لأن النظام في الهند والنظام في باكستان هما حالياً مواليان لأمريكا، فإذن كيف نفهم ازدواجية التعامل هذه؟ ثم ما هو عمل هذه المجموعة؟ أرجو إذا سمحتم توضيح هذه المسألة، وجزاكم الله خيرا.
الجواب: نستعرض هذه المسائل على النحو التالي:
أولاً: إن تعامل الدول الكافرة المستعمرة مع عملائها يختلف باختلاف بلد العملاء، واختلاف الهدف من هذا التعامل كما يلي:
1- أما اختلاف التعامل باختلاف بلد العميل، فهو يتوقف على كون هؤلاء العملاء حكاماً في بلاد المسلمين أو كانوا حكاماً في غير بلاد المسلمين، وذلك لأن تلك الدول تنظر إلى الحكام في بلاد المسلمين بأنهم زائلون، فعند عقد أي اتفاقية مع هؤلاء الحكام يُدخلون في حسابهم أنها ستنقض عاجلاً أم آجلاً عند تغيير هؤلاء الحكام، وأن المسلمين لا يقبلون اتفاقاً مع أية دولة كافرة مستعمرة إلا بالضغط والإكراه وهذا لا يدوم، لهذا فعلى الرغم من أن النظام في الهند والنظام في باكستان هو حالياً موال لأمريكا لكن أمريكا لا تنسى أن الناس في باكستان مسلمون لا يقبلون النفوذ الأمريكي... وأما الناس في الهند فهم في غالبهم كفار مشركون، والكفر ملة واحدة، وهكذا فتعامل أمريكا مع النظام في الهند مختلف عن تعاملها مع النظام في باكستان.
2- وكذلك فإنه على الرغم من أن النظام في الهند موالٍ لأمريكا كما هو النظام في باكستان موالٍ لأمريكا أيضاً إلا أن هدف أمريكا من الدولتين مختلف، فالهدف بالنسبة للهند أن تشكل رأس حربة في مواجهة الصين، وأما بالنسبة لباكستان فالهدف هو أن تقف في وجه المقاومة الباكستانية والأفغانية ضد أمريكا، وبعبارة أخرى الهدف من تسليح الهند هو لإضعاف الصين، والهدف من تسليح باكستان هو لإضعاف المقاومة.
3- لهذين الأمرين فإن أمريكا تدعم النظام في الهند نووياً بقوة وبالأسلحة المتطورة للوقوف في وجه الصين، ولكنها لا تدعم النظام في باكستان بتطوير السلاح النووي، بل إذا دعمتها فبالأسلحة الخفيفة والثقيلة التقليدية للوقوف في وجه المقاومة.
ثانياً: وحتى لا يكون الكلام عاماً سنستعرض كيف تعاملت أمريكا مع الهند وباكستان منذ أصبحت كل منهما دولة نووية:
1- بلغ تنافس باكستان مع الهند ذروته في حربي عام 1965م و1971م، وكان ذلك مصاحبًا لجهود الهند في إقامة برنامجها النووي، الذي يهدد أمن باكستان. لذلك بدأت باكستان في بناء البرنامج النووي السري لخدمة الأغراض العسكرية، وقد تم الكشف عن هذا التوجه لأول مرة من قبل وزير الخارجية الباكستاني (ذو الفقار علي بوتو)، حيث قال: "إذا بنت الهند القنبلة النووية، فإننا سوف نأكل العشب ونموت جوعًا، ونعود ألف سنة للوراء، ولكننا سنحصل على واحدة من جانبنا... المسيحيون يمتلكون القنبلة النووية، واليهود لديهم القنبلة النووية، والآن الهندوس يمتلكون القنبلة النووية، فلماذا لا يمتلك المسلمون القنبلة أيضا؟" (Yasin, Rahil (16 January 2009). "War clouds hovering over South Asia". Weekly Blitz (Dhaka).)، لقد أنشأت باكستان معهدًا للأبحاث النووية، المعروف باسم (مجلس الطاقة النووية)، وكان سعي باكستان هو للحصول على الطاقة النووية السلمية. وفي عام 1965م، بدأ أول مفاعل للأبحاث عملياته، وفي عام 1972م، تم افتتاح أول محطة للطاقة النووية من اليورانيوم الطبيعي، ومحطة للمياه الثقيلة (محطة كراتشي للطاقة النووية)، وقد وضعتا تحت الرقابة الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية... واستمرت جهود باكستان تسير سيراً عادياً في هذا المجال حتى كان التفجير النووي الهندي في 1974 عندها انتفضت مشاعر المسلمين في باكستان فأثَّرت في تسريع الجهود الباكستانية لبناء منشآتها النووية والحصول على "أو إنتاج الوقود النووي" حيث تمكنت منه بحلول عام 1987م.
ونظرًا للتفوق العددي الهندي في الأسلحة التقليدية، كان على باكستان تبنّي سياسة استخدام الأسلحة النووية لوقف دخول وحدات عسكرية داخل الأراضي الباكستانية. وعلاوة على ذلك، فقد شرعت باكستان ببناء برنامج طموح لمجموعة من الصواريخ البالستية(غوري، شاهين، M-11، تارموك... الخ) يمكنها حمل رؤوس نووية(http://www.atomicarchive.com/Reports/India/Missiles.shtml).
وهكذا فقد سعت باكستان بقوة خلال الحرب الباردة وبعدها لتوسيع برنامجها النووي، ليشمل بالإضافة إلى إنتاج الرؤوس الحربية النووية، أنظمة إنتاج صواريخ باليستية، وتعديل الطائرات حتى تكون قادرة على حمل رؤوس نووية.
2- دعمت أمريكا أيضًا خلال الحرب الباردة وبعدها سعيَ الهند لبناء برنامجها النووي، وقد زودتها بمفاعل أبحاث الماء الثقيل(CIRUS)؛ للحصول على البلوتونيوم للتفجير النووي الهندي عام 1974م. وكان موقف أمريكا باردًا بعد التفجير، عندما قررت واشنطن إعادة التفاوض على عقد مدته 30 عامًا، لتقديم اليورانيوم المخصب لمحطة الطاقة النووية في تارابور (خارج بومباي).
إن هذا التفاوض على العقد مع الولايات المتحدة قدم للهند فرصة فريدة لتوسيع قدراتها النووية وآفاقها الدفاعية، وتحرير المواد الانشطارية النووية، وتطوير الدروع المضادة للصواريخ الباليستية والغواصات لإطلاق صواريخ محملة برؤوس نووية، وهو ما يعطي الهند ميزة واضحة... لقد شرعت الهند أيضًا بمسار حربي موازٍ لتصنيع صواريخ (إجني، بريثفي... الخ) ولتطوير بنيتها التحتية العسكرية. (http://www.atomicarchive.com/Reports/India/Missiles.shtml)
3- وهكذا أصبحت الهند وباكستان من الدول النووية، ومع فوز حزب (جاناتا) الموالي لأمريكا في نيسان/ أبريل 1998م في الانتخابات، تغير الجو فجأة، فقام حزب (بهاراتيا جاناتا) بخمس تجارب نووية، تلتها ستة تفجيرات نووية على الجانب الباكستاني الموالي نظامه كذلك لأمريكا. وكان رد فعل إدارة كلينتون هو فرض عقوبات على البلدين مع قرب نهاية فترته الرئاسية، وذلك يدل على اعتراف أمريكا الضمني للقوتين النوويتين في شبه القارة الهندية.
4- في ظل إدارة بوش، تغيرت علاقة أمريكا مع باكستان ومع الهند بشكل ملحوظ، وقد اعترفت أمريكا بإمكانات الهند الهائلة، وأصبحت مرشحة لتكون بمثابة حصن منيع ضد الصين وشراكة استراتيجية مع هذا البلد. في الوقت نفسه، منحت أمريكا باكستان صفة الحليف الرئيسي من خارج منظمة حلف النيتو، حيث طالبت أمريكا باكستان بمحاربة "الإرهاب" نيابة عنها في المناطق القبلية. وقد أصبحت هذه السياسة تُعرف باسم(فصل العلاقاتthe de-hyphenation of relations) أي أن أمريكا اعتمدت سياسة تجاه الهند، وأخرى تجاه باكستان حسب الموضح أعلاه.
5- وبناء على هذه السياسة الأمريكية بأن تكون الهند خطاً أمامياً أمريكياً تجاه الصين، وأن تكون باكستان خطاً أمامياً أمريكياً تجاه المقاومة... ولأن الناس في باكستان مسلمون في الأغلب الأعم، والناس في الهند في غالبهم كفار مشركون... لذلك كانت أمريكا:
أ- تدعم باكستان بأسلحة تقليدية لقتال المقاومة، وليس دعماً نووياً... حتى إنّ المساعدات الاقتصادية والعسكرية لباكستان التي ازدادت في ظل إدارة ريجان كانت وسيلة للحدّ من البرنامج النووي الباكستاني، وقد تحدث وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للنواحي الأمنية والعلوم والتكنولوجيا (جيمس باكلي) بإيجاز قائلا: "بدلًا من العقوبات الفعالة على البرنامج النووي الباكستاني التي فرضتها الإدارة السابقة، فإننا نأمل علاجه من خلال الوسائل التقليدية، لطمأنة مخاوف دولة مثل باكستان، حتى لا تفكر في بناء قدرات نووية في المقام الأول" (Quoted in Akhtar Ali, Pakistan's Nuclear Dilemma: Energy and Security Dimensions (Karachi: Economic Research Unit, 1984), p. 10)، وتعني بالوسائل التقليدية المساعدات الاقتصادية والعسكرية التقليدية، واستمرت هذه السياسة الأمريكية بعدم الدعم النووي بل بالحث على عدم تطوير برنامج باكستان النووي (... وحث الرئيس الأمريكي باراك أوباما باكستان في تشرين الأول/أكتوبر على تجنب تطوير برنامجها للأسلحة. رويترز: 2016/05/20م)
كما أن الولايات المتحدة رفضت مرارًا عقد اتفاق نووي مع باكستان ورفضت دخولها إلى مجموعة موردي المواد النووية... لقد كان الاعتراض على دخول باكستان إلى مجموعة موردي المواد النووية، حتى تجبر أمريكا إسلام أباد على زراعة الأسلحة النووية التكتيكية من خلال استخدام البلوتونيوم المصنع محليًا، وذلك لأن نسبة البلوتونيوم المستخدم لنسبة الوزن يجعلها مناسبة لتصغير الرؤوس الحربية النووية(http://www.dawn.com/news/1248033)
ب- ولكنها تدعم الهند بالأسلحة التقليدية والنووية كذلك، ولبيان ذلك نستعرض بعض أحداث هذا الدعم:
- في كانون الثاني/يناير 2004م، أعلن الرئيس بوش ورئيس الوزراء الهندي فاجبايي عن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية(NSSP)، التي تقتضي تعاون كلا البلدين في أربعة مجالات مثيرة للجدل: الطاقة النووية المدنية، وبرنامج الفضاء المدني، والتجارة في التكنولوجيا المتطورة، والدفاع الصاروخي... وفي عام 2005م- 2006م، حصلت نيودلهي على وعد من أمريكا للوصول بحرية إلى الوقود النووي لبرنامجها للطاقة النووية المتعلقة بالأسلحة، من دون أن تلتزم بأي اتفاق، مثل معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ومعاهدة (وقف إنتاج المواد الانشطارية)، ودون أي قيود على برنامجها الصاروخي. وفي عام 2007م، حصلت الهند على اتفاقية (123)، التي تسمح للهند وأمريكا بالتعاون السلمي في المسائل النووية. والصفقات النووية تسمح للهند بتخصيب اليورانيوم محليًا لبرنامجها النووي، وهذا يشكل انتهاكًا صارخًا لالتزام الولايات المتحدة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، والتي تنصّ على عدم السماح "بأية وسيلة تساعد أو تشجع أو تحثّ على تصنيع سلاح نووي لأية دولة من غير الدول المسموح لها بالحصول على الأسلحة النووية" (See SIPRI, The NPT: The Main Political Barrier to Nuclear Weapon Proliferation (London: Taylor and Francis, 1980), Appendix A, p.43.).
- نشرت صحيفة الشرق الأوسط على موقعها في 2016/05/07م بأن رئيس الوزراء الهندي مودي قد دخل (في اتفاق عسكري كبير مع الولايات المتحدة بعد مرور 14 عاماً من رفض الحكومات الهندية المتعاقبة التوقيع عليه، هذا الاتفاق يخول لجيوش الولايات المتحدة والهند استخدام القواعد العسكرية لكلا البلدين في تنفيذ عمليات الإصلاح والتجديد والتعاون البحري المشترك، كما تتعاون بموجب الاتفاق المذكور القوات البحرية في كلا البلدين في الحروب المضادة للغواصات وهي مجال من التكنولوجيا العسكرية الحساسة والتكتيكات التي لا تتشارك الولايات المتحدة فيها إلا مع حلفائها التقليديين، وتملك الولايات المتحدة أكبر أسطول للغواصات في العالم في حين تتفوق الصين في أسطول الغواصات لديها على مثيله الهندي...) والغواصات مهمة لتسديد الضربة الثانية في أي حرب نووية بسبب عدم إمكانية رصدها من قبل الرادار. وقد تمكنت الهند مؤخرًا بتسهيلات تلك الاتفاقية من القيام بتجربة ناجحة لصاروخ باليستي من غواصة تسمى (أريانة)، وهذا ما أثار الصين وباكستان لما يدل ذلك على تحقيق الهند تقدماً نحو قدرتها على تسديد الضربة الثانية(http://missilethreat.com/china-concerned-about-indian-submarine-missile/).
- حدثت محاولات لضم الهند إلى مجموعة الموردين بدعم من أمريكا ولكن الصين اعترضت... وكان هدف أمريكا من الدعوة لضم الهند إلى مجموعة موردي المواد النووية أن هذا الضم سوف يوفر للهند المواد النووية اللازمة لتجاوز عدد الرؤوس الحربية النووية الصينية(http://www.icanw.org/the-facts/nuclear-arsenals/)
ثالثاً: أما واقع مجموعة موردي المواد النووية فهو كما يلي:
1- تكونت هذه المجموعة على أثر التفجير الهندي في شهر 05/1974م، وأول اجتماع كان لها في تشرين الثاني/نوفمبر 1975م. وقد بدأت بسبع دول (كندا، ألمانيا الغربية، فرنسا، اليابان، الاتحاد السوفييتي، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة)، وفي 1976-1977م أصبح أعضاؤها 15، ثم تزايدت حتى أصبحت الآن 48 عضوا... ولكن النفوذ الفعلي تتحكم فيه الدول النووية الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
2- وهذه المجموعة تهدف إلى السيطرة على انتشار الأسلحة النووية عبر السيطرة على تصدير وإعادة نقل المواد التي يمكن أن تستخدم في تطوير الأسلحة النووية، وتحسين وسائل الأمان والحماية للمواد النووية الموجودة. فهذه المجموعة تقرر الدول التي يسمح لها بشراء المواد والتقنيات النووية والدول التي يحظر التعامل معها.
3- إن التحكم في الانضمام لهذه المجموعة لا يسلم من تأثير الدول النووية الكبرى وبخاصة أمريكا وفق مصالحها... وكذلك فإن مجموعة الموردين النوويين لا تستطيع أن تشكل مجموعة من السياسات تكون أكثر فعالية لمعالجة الانتشار النووي، وضبط صادرات المواد الصادرة للدول، لا تستطيع دون تحكم الدول الكبرى النووية وعلى رأسها أمريكا عن طريق مراقبة الصادرات وبخاصة ما يصنف من المواد ذات الاستخدام المزدوج، وهذه فيها مجال للاستغلال لمصالح الدول الكبرى وبخاصة أمريكا فتسمح وتمنع بحجة الاستعمال المزدوج...
ولذلك فإنه وإن كان الانضمام لمجموعة موردي المواد النووية يُسهِّل الحصول على المواد النووية ومستلزماتها ما يساعد في سرعة الإنتاج والتطوير... إلخ إلا أن هذا الأمر يجب أن يصاحبه وعي وفطنة على مخططات تلك الدول المتحكمة، وذلك ليكون الانضمام وسيلة للدولة المنضمة لتطوير برنامجها النووي لا أن تستغل من تلك الدول...
الرابع من رمضان 1437هـ
2016/06/09م