السؤال: تتصاعد هذه الأيام في وسائل الإعلام، وبخاصة الأوروبية والأمريكية، تحليلات حول الرئيس المقبل لمصر بعد حسني مبارك الذي نُقل عنه عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة سنة 2011م، وتتردد أسماء جمال مبارك، أيمن نور، محمد البرادعي، عمرو موسى... وآخرين، غير أن أكثر ما يعلو السطح من أقوال هي عن حظوظ جمال مبارك، وكذلك أيمن نور...
نحن نعلم أن جمال مبارك كوالده ولاؤه لأمريكا، فهل أيمن نور هو من السرب نفسه، وبخاصة أن إطلاق سراحه الأخير كان قُبيل زيارة أوباما؟ أو أن أيمن نور من رجال أوروبا؟ وإن كان هذا صحيحاً، فهل يعني أن أوروبا، وبخاصة بريطانيا، تطمع في أن يكون لها موطئ قدم في مصر بعد هذه السنين الطوال من نفوذ أمريكا القوي في مصر؟
الجواب: إن المتابعة السياسية لما يحدث في مصر تُرجِّح أن صاحب الحظ الأوفر بعد حسني مبارك هو جمال مبارك، ويدل على هذا عدد من المؤشرات:
أولاً: إن أمريكا مهتمة بأن يخلف جمال والده، ومن مؤشرات هذا الاهتمام:
1- إنه يُفهم من مواقف الأمريكيين أنهم يريدونه، وانه هو مرشحهم القادم، ولكن الدولة الأمريكية لا تظهر ذلك حتى يظهر للناس أن جمال مبارك لم يأت بإرادتها، وإنما جاء عن طريق اللعبة الديمقراطية، وحتى لا تحرقه ويقوى من يُعارضه، فهي تدعو جمال مبارك لزيارتها كما تدعو غيره لتجعل ترشحه طبيعياً! ولو أن أمريكا لا تريده لقامت بحملة شعواء ضده، ولديها أوراق كثيرة لتفضحه، لأنها أولا هي ضد التوريث باعتبار ذلك انه غير ديمقراطي، وثانياً تُخرج ملفات الفساد المتورط فيها وثرواته الهائلة التي استحوذ عليها بحكم وجود والده على رأس السلطة...ونحو ذلك من ملفات.
2- وفي 5/3/2009 زار جمال مبارك أمريكا واجتمع مع عدد من القيادات في مجلس الشيوخ ومجلس النواب منهم السناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ومنهم النائب هاوارد بيرمان رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب.
3- وقد نشرت صفحة "آرابيان بزنس" في 7/11/2009 تقريرا عن الكونغرس الأمريكي انه يتوقع ان يكون جمال مبارك نجل الرئيس المصري حسني مبارك وأمين السياسات بالحزب الوطني هو مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية عام 2011.
4- إن أمريكا تخشى أن يموت حسني مبارك قبل مجيء الانتخابات القادمة، فهي تعد العدة لذلك، وهي تهيئ الأشخاص المحتملين من رجالها، وأكثرهم احتمالية حاليا هو جمال مبارك. وجمال مبارك هو محل ثقة لديها حيث عمل في بنك اوف أمريكا فرع القاهرة وأصبح مدير فرع البنك في لندن. وفي عام 2001 منح العضوية الفخرية في النادي الروتاري وهو ناد ماسوني أمريكي.
ثانياً: اهتمام النظام المصري بإعداد جمال ليكون الرئيس بعد والده، ومن مؤشرات هذا الاهتمام:
1- لقد رقّى النظام جمال مبارك إلى مناصب يتخذ فيها قرارات مثل ترؤسه للجنة السياسات للحزب الوطني، وكذلك ترقيته إلى الأمين العام المساعد للحزب الوطني الحاكم. وقد علت مؤخرا أصوات من أعلى المناصب في الدولة بترشيحه لرئاسة الدولة؛ فقد صرح احمد نظيف رئيس الوزراء المصري قائلا:" إن جمال مبارك مرشح لخلافة والده في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام2011". (صفحة راديو هولندا 28/10/2009).
2- والنظام في مصر يعطي كل الإمكانيات وكثير من الصلاحيات لجمال مبارك لإبرازه بأحسن صورة حتى يجعل الناس يتقبلوه، ويغطي على ماضيه وحاضره السيئين بتلميع صورته بكل أنواع المساحيق الصناعية. فبدأ جمال مبارك يظهر على انه يهتم بمشاكل الناس ويعالجها، فيظهر انه يهتم بالفقراء ويساعدهم وكذلك بالطلاب ويحل مشاكلهم، فبدأ يستخدم الانترنت تقليدا لأوباما ليجيب على مشاكل الشباب. ويفتعل النظام مشاكل حساسة لدى الناس ويتيح المجال لجمال مبارك ليحلها مثل مشكلة البث الحي لنقل مباريات الدوري المصري لعام 2009، ومثل مشكلة دعم الاسمنت عام 2009. وظهرت جماعات تؤيد خلافة جمال مبارك لأبيه مثل جماعة "نعم" يرأسها قبطي اسمه ممدوح زخاري جرجس. وجماعة " أحرار" توزع منشورات وملصقات تحمل عبارة" جمال مبارك.... حلم جميل لبلد أجمل". ويقول مؤسسها عادل سيد وهو طبيب شاب أن الحركة تأسست عام 2006 وأنها تعمل سرا بناء على نصائح الأمن وان عدد أعضائها بلغ 40 ألفا أكبرهم سنا لا يتجاوز الثلاثين عاما وغالبيتهم من طلبة الجامعة" (الجزيرة 10/9/2007) وبجانب ذلك ظهرت "مجموعة شباب يقودهم نائب سابق يرتدون قمصانا كتب عليها" حب وإخلاص ووفاء..... طلائع جمال مبارك". حيث ظهرت في قرية النجاح في محافظة البحيرة وجمال مبارك يلقي كلمة هناك في مؤتمر شعبي وحشد من الوزراء". (الجزيرة 3/9/2009) وكل ذلك يحدث تحت سمع وبصر النظام، بل وبتخطيط منه.
من كل ذلك يظهر أن النظام، ومن ورائه أمريكا، يهيئ الظروف لتسهيل وصول جمال مبارك إلى رئاسة الجمهورية خلفاً لوالده.
أما أيمن نور، فإن خلفيته تؤكد ولاءه لأوروبا "الإنجليز"، ولذلك فمن المستبعد أن يمكنه النظام، ومن ورائه أمريكا، من الوصول إلى رئاسة الجمهورية في مصر ما دام نفوذ أمريكا هو القوي في مصر، ومن المؤشرات على ذلك ما يلي:
1- لقد بدأ أيمن نور حياته السياسية في حزب الوفد وكان مقربا من رئيسه محمد فؤاد سراج الدين، وكان نائبا لرئيس تحرير جريدة الوفد. والمعروف أن حزب الوفد هو حزب انجليزي من عهد الاستعمار الانجليزي. وقد تنقل فيما بعد ممن الوفد إلى حزب مصر إلى حزب الغد الذي أسسه في تشرين أول أكتوبر 2004م، وهي أحزاب تشارك حزب الوفد ولاءاته الرئيسة مع بعض الخلافات الفرعية.
2- لقد بذل النظام الوسع في مضايقة حزب الغد، إلى أن انشق الحزب بعد سنة من تأسيسه، وترأس الانشقاق السكرتير العام للحزب موسى مصطفى وأصبح رئيساً للحزب، ثم أعلن فصل أيمن نور وجناحه، وقال في سبب ذلك: "إن ما يدعو نور له يمثل نية واضحة لتعطيل الدستور والإضرار بالسلم الاجتماعي". (جريدة الجمهورية المصرية 13/10/2009)، وواضح من ذلك أن النظام المصري كان من وراء هذا الانشقاق، فإن ما قاله مصطفى موسى من نية أيمن نور لتعطيل الدستور والإضرار بالسلم الاجتماعي هو اتهام حكومي!
3- تعرض لاعتقالات عدة من النظام المصري بحجج مختلفة، ولكن الواضح أن ذلك كان لأنه يعمل سراً وعلناً ضد النظام وسياساته... فقد كان يطالب صراحة بتعديل الدستور المصري، أو تعيين مرحلة انتقالية لمدة عام واحد تتم فيه الدعوة إلى جمعية تأسيسية لدستور جديد لا يشارك فيها أيٌ من المسئولين عن المرحلة الانتقالية، وواضح منها سعيه الجاد لتغيير النظام، حتى إن شعاره كان "الأمل في التغيير"
4- لقد طالب الأوروبيون بشدة بإطلاق سراحه، واعترضوا على اعتقاله من أول يوم، وكانوا يعملون على الاتصال به وهو في السجن. فقد ذكرت رويترز في 1/2/2007 :" إن البريطاني إدوارد مكميلان سكوت نائب رئيس البرلمان الأوروبي ومقرره لشئون حقوق الديمقراطية وحقوق الإنسان قد سعى أمس لزيارة المعارض أيمن نور ولكنه منع من ذلك بعد انتظار دام ساعة ونصف، ودعا مكميلان سكوت الاتحاد الأوروبي بان يتخذ موقفا أكثر شدة وصرامة تجاه النظام المصري مشيرا إلى أن هذا النظام حرم نور من حريته".وقد أوردت الجزيرة في 11/10/2008 نقلا عن وكالة الأنباء الالمانية أن "أيمن نور قد صرح وهو في السجن أن المدعي العام للمحكمة الدولية لويس مورينو اوكامبو تقدم ببلاغ في 15 أغسطس / آب الماضي ضد مسئولين مصريين على رأسهم الرئيس حسني مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلي والنائب العام عبد المجيد محمود، وذلك حول اعتقاله..." وقد كان هذا البلاغ من أقوى أنواع الضغط الأوروبي على النظام المصري. ومعلوم أن محكمة الجنايات الدولية وراءها أوروبا، ومن ذلك أيضا مؤسسة كونراد اديناور ونشرها سلسلة تقارير في عام 2008 تظهر فيها زيف ادعاءات النظام المصري بحق أيمن نور. وهذا يظهر مدى اهتمام الأوروبيين بأيمن نور وتبنيهم له.
5- لقد كانت تصريحات المسئولين الأمريكان حول قضية أيمن نور تصريحات عادية تقتضيها شعاراتها، ولكن دون موقف جدي لإطلاق سراحه، غير أنه عندما اشتدت حملة الأوروبيين ووصلت إلى المحكمة الجنائية الدولية، خشيت أمريكا على النظام المصري الموالي لها بأن يصبح في أزمة دولية تضاف إلى أزمة البشير... فصارت تركّز على الديمقراطية وحقوق الإنسان قُبيل زيارة أوباما لمصر، وصارت وسائل إعلامها تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وتذكر الدكتور أيمن نور في مطالبها، وأنّ هذا سيؤدي إلى نجاح زيارة أوباما... ثم كتبت صحيفة واشنطن بوست في 6/2/2009 أنه: " يجب الإفراج عن الدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد، وهذا ضروري لو أراد الرئيس المصري أن يحظى بمقابلة باراك أوباما في ظل الظروف الراهنة". وقد أفرج عن أيمن نور بعد يومين من كتابة ذلك من قبل هذه الصحيفة. فكان الإفراج عنه قبل انتهاء مدة سجنه ببضعة شهور لتخفيف الضغط على النظام المصري تجاه الحملة الأوروبية، ولإظهار أن أمريكا هي صاحبة القرار وهي المؤثر وليست أوروبا...
وهكذا يتبيّن أن الراجح في ولاء أيمن نور أنه لأوروبا وبخاصة الانجليز، فنشأته السياسية في حزب الوفد واحتضان زعيمه السابق محمد فؤاد سراج الدين العميل الانكليزي له، وترفيعه ليصبح نائب رئيس التحرير لجريدة الوفد، واهتمام الأوروبيين بسياسيهم وصحفهم ووسائل إعلامهم ومحكمة جناياتهم الدولية. كل ذلك يؤكد ما رجحناه، وهذا يعني أن النظام، وأمريكا من ورائه، لن يمكنوه من رئاسة الجمهورية، وإنما صاحب الحظ الوافر لرئاسة الجمهورية بعد حسني مبارك هو ابنه جمال، ما دام النفوذ الأمريكي هو القوي في مصر.