بسم الله الرحمن الر حيم
جواب سؤال
حقيقة المواقف الدولية والإقليمية حول معركة إدلب
السؤال: حشد النظام السوري قواته جنوبي محافظة إدلب وأعلنت روسيا الجهوزية لخوض معركة إدلب "المعركة الكبيرة الأخيرة!" في سوريا، وأقامت مناورات عسكرية هي الأضخم في تاريخها الحديث شرقي المتوسط، وكان كثيرون ينتظرون بدء المعارك بعد القمة الروسية التركية والإيرانية التي انعقدت في طهران 7/9/2018، فظهرت معارضة الرئيس التركي أردوغان للحملة العسكرية على إدلب، وحل محل الهجوم على إدلب اتفاق المنطقة المنزوعة السلاح الذي جرى بين أردوغان وبوتين في 17/9/2018 فما سبب هذا التغيير؟... ثم توعدت أمريكا برد قاسٍ إذا استُخدمت الأسلحة الكيماوية، وتناغمت معها بعض الدول الأوروبية... فما حقيقة المواقف الدولية والإقليمية حول معركة إدلب؟
الجواب: لكي نتبين المواقف الدولية تجاه معركة إدلب يجب استعراض الوقائع التالية:
1- في البداية نقول إن أمريكا غير صادقة في ما تتظاهر به من دعمها للمعارضة، فهي من وراء النظام التركي والسعودي لخداع الفصائل السورية بسياسة الجزرة والعصا وجرها إلى المصالحات والهدن مع النظام، وتسليم المناطق له، بل إن رسالة أمريكا للمعارضة السورية في الجنوب كانت واضحة صريحة بأن عليها أن لا تتوقع دعماً أمريكياً لصد هجوم الجيش السوري. وفي مسألة إدلب فقد قالت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي في مؤتمر صحفي ("هذا موقف مأساوي وإذا أرادوا مواصلة الطريق للسيطرة على سوريا فيمكنهم أن يفعلوا ذلك" في إشارة إلى الحكومة السورية وحليفتيها روسيا وإيران. وأضافت "لكنهم لن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك بالأسلحة الكيماوية..." رويترز 4/9/2018)، فالمعارضة الأمريكية المعلنة هي لاستخدام الكيماوي وليس لسيطرة النظام على سوريا، ومن ذلك أيضاً ما طالب به رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد بـ(مزيد من المباحثات بين الأتراك والسوريين والروس بشأن عمليات أكثر دقة لمكافحة (الإرهاب) ستكون النهج الصحيح على عكس العمليات التقليدية الواسعة النطاق. وقال "أقترح تنفيذ عمليات مكافحة (الإرهاب) بطريقة تخفف من مخاطر فقد الأبرياء أرواحهم"... رويترز 4/9/2018). وأمريكا تستدعي مسألة الكيماوي متى أرادت، وتطلب فعلها من النظام ليكون ذلك ذريعةً لها لتنفيذ سياساتها، والنظام مطمئن بشكل كبير للدعم الأمريكي، إذ لولاه لما جاءت إيران وروسيا، ولولاه لما ضغطت تركيا والسعودية على الفصائل المسلحة لتوقيع الهدن والانسحاب من المناطق ليسيطر عليها النظام السوري، ولولاه لما عاد نظام الطاغية للمجتمع الدولي ومنه مفاوضات جنيف ليكتسب شرعية فقدها في سنوات الثورة الأولى.
2- إن أمريكا سمحت للتدخل العسكري الروسي لدعم النظام وقد أدت روسيا وإيران والمليشيات المهمة وأصبح النظام يسيطر على كثير من الأراضي السورية وأبرز ما بقي من الأراضي ذات الشأن هي إدلب... أما روسيا فهي تعاني في مستنقع سوريا وتريد أن تقتحم إدلب لينتهي مأزقها العسكري وتفرغ للأعمال السياسية، وأما أمريكا فتريد ترتيب الحل السياسي قبل إنهاء موضوع إدلب واستغلال موضوع إدلب لابتزاز روسيا بإطالة مأزقها العسكري أو تقصيره وفق موافقة روسيا على خطة الحل الأمريكي لسوريا التي يترتب عليها إخراج القواعد العسكرية الروسية كشرط للحل السياسي الذي تصوغه أمريكا وتجعل المعارضة تصر على إخراج القواعد كشرط للحل أي أن تكتفي روسيا من الغنيمة بالإياب! وهكذا كانت معارضة تركيا للعمل العسكري الروسي الذي كان معداً لمهاجمة إدلب بدافع من أمريكا...
3- لقد استمرت روسيا تنفذ مهمتها العسكرية في سوريا دون أي أفق لأي مهمةٍ سياسية بعد مجيء إدارة ترامب، فكان الاستيلاء على الغوطة بتعاون تركي كبير، أي برضا أمريكا، وفي السياق نفسه الاستيلاء على الجنوب... وفي الوقت ذاته ترفض أمريكا إجراء مفاوضات مع روسيا بشأن سوريا في إشارة إلى أن إدارة ترامب لا ترى دوراً سياسياً لروسيا على الأقل قبل أن تكمل مهمتها العسكرية! ولما تم حشر الثورة السورية المسلحة في إدلب، وأرادت روسيا الاستمرار في أعمالها العسكرية، فحشدت وتوعدت وناورت في المتوسط ببوارج كبيرة وقاذفات جوية استراتيجية وأغلقت المجال الجوي في شرقي المتوسط للمرة الأولى في تاريخها، فقد وجدت نفسها أمام مأزق كبير حيث شاهدت روسيا أموراً لم تكن في حسبانها، ومن ذلك:
أ- المعارضة التركية لعملية شاملة في إدلب: لم توافق تركيا على حرب شاملة على إدلب، (واعتبر الوزير التركي أنه ينبغي تحديد "الإرهابيين" ومحاربتهم، ولا يصح شن حرب شاملة على إدلب وقصفها بشكل عشوائي.) عنب بلدي 14/8/2018، وقد تجلّت معارضة تركيا للحرب بشكل واضح أثناء مؤتمر طهران بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران، وأبرزت تركيا، بشكل فاجأ روسيا، مخاوفَها من الحرب على إدلب، ومن تدفق اللاجئين إليها، وأحرجت روسيا باعتبار الحرب أداةً للقضاء على الحل السياسي في سوريا، (قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اليوم الجمعة إن استمرار الهجمات على محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة سيؤدي إلى انهيار العملية السياسية في سوريا... اليوم السابع 7/9/2018) ثم ومع ارتفاع النغمة الأمريكية ضد المساعي الروسية للحرب على إدلب، أخذت تركيا تحشو نقاط مراقبتها في إدلب بالسلاح، تلك النقاط التي أقيمت ضمن اتفاقية خفض التصعيد المتفق عليها مع روسيا وإيران، (قالت مصادر ميدانية وشهود لـ"سكاي نيوز عربية"، الأحد، إن رتلا عسكريا تركيا توجه إلى مدينة إدلب، المتاخمة للحدود مع تركيا، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية وجماعات أخرى. وذكرت المصادر أن الرتل العسكري التركي، الذي دخل إلى الأراضي السورية من معبر كفرلوسين باتجاه محافظة إدلب وريفها شمالي سوريا، يضم دبابات ومعدات عسكرية ويحمل ذخيرة... سكاي نيوز عربي 9/9/2018). وبهذا فقد أصبحت تركيا عقبة أمام الطموح الروسي بالقضاء على الفصائل العسكرية في إدلب. ولأنها كذلك فقد استدعى الأمر اجتماعاً ثانياً بين أردوغان وبوتين 16/9/2018 في سوتشي، أي بعد تسعة أيام فقط من اجتماعهما في طهران.
ب- مؤشرات تبدل للموقف الإيراني: أما إيران فقد أظهرت تمييزاً غير معهود في قمة طهران 7/9/2018 بين الفصائل المسلحة المعتدلة والأخرى "الإرهابية" في إدلب، وكأنها تؤازر موقف الرئيس التركي أردوغان الرافض للحرب وذلك ضد الموقف الروسي، ثم أخذت مواقف إيران تتضح أكثر (كشف وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، اليوم السبت، في تصريحات صحفية، عن اقتناع بلاده بأن الحل في سوريا سياسي وليس عسكرياً. وقال ظريف في مقابلة مع صحيفة (ديرشبيغل) الألمانية إن إيران تحاول تجنيب إدلب ما وصفه بـ"حمام دم"، في إشارة لمعارضة بلاده لأي هجوم عسكري على المنطقة... صحيفة زمان التركية 15/9/2018). وهذا الموقف الإيراني إذا ما اكتمل فإن روسيا قد تجد نفسها وحيدةً في حرب إدلب إذا ما أصرت على المضي فيها، وهي لا تستطيع خوضها وحيدةً.
ج- ولعل الأخطر من كل ذلك الموقف الأمريكي، الذي سارع بقرع طبول الضربة العسكرية إذا ما تم استخدام الكيماوي في إدلب، وتعلم روسيا بأن أمريكا وعبر النظام هي من يمسك ويتحكم بالضربات الكيماوية، لذلك سارعت باتهام المعارضة المسلحة بالتحضير لهجوم كيماوي ضد نفسها لتبرير ضربة أمريكية، بل واتهمت بريطانيا بالضلوع في ما أسمته "مؤامرة الكيماوي"، والضربات الأمريكية بشكل عام في سوريا تحرج روسيا كثيراً، بل إن الضربة الأمريكية هذه المرة قد تكون أشد وأوسع! (وقال بولتون خلال رده على أسئلة في أعقاب خطاب بشأن السياسة: "سعينا لتوصيل الرسالة في الأيام القليلة الماضية بأنه إذا تم استخدام الأسلحة الكيماوية للمرة الثالثة، فسيكون الرد أشد بكثير". وأضاف: "يمكنني القول إننا أجرينا مشاورات مع البريطانيين والفرنسيين، الذين انضموا إلينا في الضربة الثانية، واتفقوا معنا أيضا على أن استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى سيؤدي إلى رد أقوى بكثير".) عربي 21، 10/9/2018، وتتخوف روسيا ليس فقط من ضربة أمريكية غربية تحرجها في سوريا، بل وأيضاً من أن تطال قواتها هناك.
د- وأيضاً، فإن الضربة العسكرية لكيان يهود 4/9/2018 على وادي العيون بالقرب من مصياف غربي حماة وبانياس بريف طرطوس، وكل ذلك بالقرب من القواعد العسكرية الروسية (على بعد 50 كلم من قاعدة حميميم الروسية) ومن فوق القاعدة الروسية في طرطوس وأثناء المناورات الضخمة التي أقامتها روسيا في المتوسط من 1-8/9/2018 بمشاركة مجموعة كبيرة من عشرات القطع البحرية الكبيرة والقوات الجوية، تلك المناورات التي روجت لها روسيا باعتبارها المناورات الروسية الأضخم في التاريخ الحديث في البحر المتوسط... فكانت هذه الضربة من كيان يهود تحمل تحدياً غير مسبوق لروسيا. (وأفادت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري بأن الدفاعات الجوية لنظام الأسد تصدت لعدة صواريخ أطلقتها طائرات (إسرائيلية) على منطقة وادي العيون بريف حماة. وقالت سانا إن منظومات الدفاع الجوي تصدت لهجوم (إسرائيلي) بطائرات تسللت على علو منخفض من غرب بيروت واتجهت شمالا مستهدفة بعض المواقع العسكرية بمحافظتي طرطوس وحماة، وقد تم التعامل مع الصواريخ "وإسقاط بعضها وإرغام الطائرات المهاجمة على الفرار"... العربية نت 4/9/2018) ومثل هذه الضربة العسكرية القريبة من القواعد الروسية لا يجرؤ عليها كيان يهود دون التنسيق مع أمريكا، ولعل فيها ما فيها من الرسائل بأن التكنولوجيا الأمريكية لا تعوقها الدفاعات الجوية الروسية (إس 500)، حتى تتمالك روسيا الخشية بعد ذلك أن يطال القصف الغربي قواعدها في سوريا أو طائراتها...
ه- وهذا ما كان فقد تم إسقاط طائرة روسية في ريف إدلب ما جعل روسيا في مأزق فعلي: (وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع اللواء إيغور كوناشينكوف، إن الطيارين (الإسرائيليين) عمدوا إلى التستر بالطائرة الروسية مما جعلها عرضة لنيران الدفاعات السورية التي تسببت بسقوطها. وأضاف: "لم يكن ممكنا لوسائل مراقبة الطيران (الإسرائيلي) وطياري "إف-16" ألا يكونوا قد رأوا الطائرة الروسية، حيث إنها اتجهت للهبوط إلى ارتفاع 5 كلم. ورغم ذلك، نفذوا هذا الاستفزاز عمدا"... وسقطت الطائرة، وهي من طراز "إيل-20" وعلى متنها 15 عسكريا، حين كانت في طريق عودتها إلى قاعدة حميميم الجوية قرب مدينة اللاذقية الساحلية التي كانت تتعرض وقتها للهجوم من "صواريخ معادية" مساء الاثنين.. وشدد المتحدث على أن (إسرائيل) لم تحذر قيادة القوات الروسية في سوريا مسبقا، ولم يصل الإبلاغ بعمليتها عبر الخط الساخن إلا قبل أقل من دقيقة من الضربة، مضيفا: "الأمر الذي لم يسمح لنا بإخراج الطائرة الروسية إلى منطقة آمنة"... سكاي نيوز عربية ظهر الثلاثاء 18/9/2018)... (وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف، اليوم الثلاثاء 18 أيلول/سبتمبر، أن (إسرائيل) لم تحذر قيادة القوات الروسية في سوريا بعملياتها بالقرب من اللاذقية. فقد قال كوناشينكوف: "لم تبلغ (إسرائيل) قيادة مجموعة القوات الروسية في سوريا بالعملية المخطط لها. وقد جاء البلاغ عبر "الخط الساخن" قبل أقل من دقيقة من توجيه الضربة، ما لم يسمح بانسحاب الطائرة الروسية إلى منطقة آمنة". وأشار المتحدث باسم الوزارة إلى أن الطائرة (الإسرائيلية) تمكنت من التغطية بالطائرة الروسية، لتتلقى الأخيرة ضربة منظومة الدفاع السورية. وأضاف أن الطائرات (الإسرائيلية) تعمدت خلق وضع خطير في منطقة اللاذقية، مشيرا إلى أن 4 طائرات "إف-16"، تابعة للقوات الجوية (الإسرائيلية) قصفت أهدافاً بالقرب من اللاذقية، يوم 17 أيلول/سبتمبر. وقد تم تنفيذ الضربة من علو منخفض. وصرح كوناشينكوف أن الإجراءات غير المسؤولة أسفرت عن مقتل 15 عسكريا روسيا، وذلك لا يتوافق مع روح الشراكة الروسية (الإسرائيلية)... سبوتنيك عربي نيوز 18/9/2018).
كل هذه الشواهد جعلت روسيا غير قادرة على حسم إدلب عسكرياً لتخرج من مأزقها ولا هي قادرة على تحمل استفزازات كيان يهود بدافع من أمريكا!
4- وهكذا فإن أمريكا تريد لروسيا أن تبقى عالقةً في سوريا، لا تستطيع الخروج منها إلى أن تنتهي أمريكا من تنفيذ الحل السياسي وفق مخططاتها، فقد أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون الأربعاء خلال مقابلة خاصة مع وكالة رويترز ("أن روسيا عالقة في سوريا وهي تبحث عمن يستطيع أيضا تمويلها لإعادة البناء بعد الحرب مشيراً إلى أن هذا يمنح واشنطن أدوات في المفاوضات مع موسكو... وقال بولتون إن واشنطن لديها ذراع في المفاوضات مع موسكو لأن "روسيا عالقة هناك في سوريا في الوقت الراهن" وأضاف بولتون "وأنا لا أعتقد أنهم يريدون البقاء هناك"... المصدر سبوتنيك نيوز عربي 22/8/2018).
وقد باتت روسيا تعي هذه السياسة الأمريكية، وربما أدركت توريط أمريكا لها في سوريا، وهي فعلاً عالقةٌ فيها لا تستطيع الخروج إلا بإذن أمريكا التي تمتلك كافة أدوات التأثير في سوريا، لذلك لم تستطع إكمال هجومها الذي أعدت له لإنهاء الأزمة في إدلب على طريقتها لأن تركيا بدفع من أمريكا اعترضت وإيران صمتت... وهكذا فشل اجتماع إيران 7/9/2018 في إقرار خطة روسيا لمهاجمة إدلب وإنهاء الأزمة على طريقة روسيا، ولم يمض سوى بضعة أيام حتى عقد اجتماع أردوغان بوتين وحل محل الهجوم إنشاءُ منطقة منزوعة السلاح! وذلك بمباركة أمريكية، فقد نقلت وكالة نوفستي يوم 18/9/2018 عن مسؤول في الخارجية الأمريكية قوله للوكالة: "نرحب ونشجع روسيا وتركيا على اتخاذ خطوات عملية لمنع الهجوم العسكري من حكومة الأسد وحلفائه على محافظة إدلب..." وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن اليوم الاثنين الاتفاق مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على (إقامة "منطقة منزوعة السلاح" في منطقة محافظة إدلب "شمال غرب"، بحلول الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر، تكون تحت مراقبة بلديهما. وقال الرئيس الروسي في ختام لقائه نظيره التركي في منتجع سوتشي الروسي "قررنا إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح بين 15 و20 كيلومترا على طول خط التماس، ابتداء من الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام". واعتبر بوتين أن هذا الاتفاق يمثل "حلا جديا" يتيح تحقيق "تقدم في حل هذه المشكلة". من جهته، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو للوكالات الروسية أن هذا الاتفاق سيمنع الهجوم المرتقب منذ أيام على آخر معقل للفصائل في سوريا. وردا على سؤال حول ما إذا كان هذا الاتفاق يعني أنه لن يكون هناك هجوم عسكري على إدلب، أجاب الوزير "نعم"، وفقا لوكالتي "إنترفاكس" و"تاس"... وفي المقابل، قال أردوغان في المؤتمر الصحفي عقب الاجتماع بين الرئيسين: "إن روسيا ستتخذ الخطوات اللازمة لضمان عدم حصول أي هجوم على منطقة خفض التصعيد في إدلب". فرانس24 / أ ف ب 17/09/2018).
وهكذا أوقفت روسيا قصفها على إدلب وأعادت سفنها التي ناورت في البحر المتوسط، ولا تزال تستجدي أمريكا مباشرة أو عبر تركيا لحسم موضوع إدلب عسكرياً قبل الحل السياسي... ولكن أمريكا تريد الحل السياسي قبل أي حسم عسكري في إدلب لاستعمالها ورقة ضغط لابتزاز روسيا حول قواعدها العسكرية في سوريا ومن ثم تجعل المعارضة تعرض موضوع القواعد في الحل السياسي... أي أن اهتمام تركيا ومن ورائها أمريكا بمنع هجوم روسيا على إدلب كان في الدرجة الأولى لمصلحة أمريكا وليس لمنع النظام من الوصول لإدلب أو لحماية المدنيين، بل في الوقت الذي تُحكم فيه أمريكا الحل الذي تريد وتخضع له روسيا فحينها تهون عندهم دماء إدلب، مدنيين أو غير مدنيين، منزوعة السلاح أو غير منزوعة السلاح... وسيرتهم تنطق بذلك في مناطق سوريا المختلفة، وجرائمهم تتقدمهم من كل جانب...
5- هذه هي حقيقة المواقف المؤثرة في مسألة الحرب على إدلب، دولياً وإقليمياً... لكن هناك أمراً يمكنه بإذن الله أن يقلب الطاولة على الموقف الدولي والإقليمي وهو بأن يتم إحسان وإتقان دور الفصائل في إدلب، وتفعيل دورها بصدق وإخلاص مع الله سبحانه، وهذه الفصائل نوعان:
الأول: الفصائل العسكرية التابعة لتركيا، وهي تلك التي نفذت الانسحابات والخيانات في مناطق مختلفة، والتي تتداول أفكار المصالحة والهدن بفعل الضغط التركي الكثيف المصحوب بشراء الذمم لقيادات تلك الفصائل وإغراقها بالمال السعودي، وهي الفصائل التي جرتها تركيا لمفاوضات أستانة التي أنتجت مناطق خفض التصعيد، أي سيطرة النظام وتسليم المناطق له. هذه الفصائل اليوم تقف أمام الحقيقة، وهي أنها كانت الأداة لإضعاف الثورة السورية وفقدان الكثير من المناطق بفعل وعود تركية تبين زيفها... ولأن صفوف هذه الفصائل لا تخلو من أفراد مخلصين، فإن همساً ملحوظاً يقترب من الصوت المسموع أصبح يدور في صفوف الفصائل حول خداع تركيا لهم، وقد لاحظ أردوغان هذا الأمر، وهو ما عبر عنه في قمة طهران مع رئيسي روسيا بوتين وإيران روحاني، بقوله (المعارضة تشعر بتعرضها للخداع عقب التطورات التي حدثت بعد تأسيس تلك المناطق "خفض التصعيد"... الجزيرة نت 7/9/2018) فأردوغان يقر بأن خططه في خداع الفصائل السورية قد انكشفت لهم، وهو ما يتخوف أردوغان منه، فهذه الفصائل حتى الآن لم تندفع لقتال الفصائل الرافضة للحل السلمي وفق الخطة التركية... وانكشاف الخداع التركي يمكن أن يستغل لاندفاع هذه الفصائل للقتال بشراسة إذا ما هوجمت...
الثاني: الفصائل الأخرى وهي التي غالباً ما ينعتها الإعلام بـ"الإرهابيين"، وهذه القوة قد زادت بترحيل الكثير من الثوار من مناطق مختلفة في سوريا كالغوطة والجنوب وحمص ومدينة حلب الشرقية وغيرها، وهذه القوة تسيطر على أجزاء معتبرة من المنطقة، وعلى الرغم من الاختلاف في أعدادها ودرجة تسليحها، إلا أن مكمن الخوف منها يمكن تلخيصه بما كانت تذكره التقارير الأمريكية سابقاً عن سوريا، والذي يفيد بأن القوى "المتطرفة" في المعارضة السورية وإن لم تكن الأكثر عدداً إلا أنها هي من يخوض المعارك الرئيسية الكبرى على الساحة السورية. أي أنها قوة صلبة ليس من السهل هزيمتها... خاصة أن منطقة إدلب تعتبر المنطقة الأخيرة التابعة للثوار، فإن القتال فيها عموماً سيكون شرساً من باب أن الثوار محاصرون فيها ولا مخرج آخر منها. لكل ذلك فإن المعركة من الناحية العسكرية ليست بالضرورة محسومة لصالح النظام رغم الحشد العسكري الكبير الذي أعدته روسيا لذلك، بل إن طول المعركة في إدلب وتركيز النظام قواه المحلية والأشياع فيها قد يفتح الباب على مصراعيه لتفلت مناطق أخرى سبق أن سيطر عليها النظام.
ولذلك فإن هذه الفصائل بأنواعها إذا أخلصت دينها لله، واستغلت مأزق روسيا نتيجة ضغوط أمريكا لابتزازها، وانفكت من خدع تركيا ومال السعودية... وقبل هذا وذاك تذكرت دائماً قوله سبحانه ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فلم تخضع ولم تستسلم، ونصرت الله بصدق وإخلاص، فإنها بإذن الله ستُفشل خطط أعداء الإسلام والمسلمين وستردهم عن إدلب خائبين ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
الثاني عشر من محرم الحرام 1440ه
22/9/2018م