تعليق صحفي
السعودية وإيران وجهان لعمالة أمريكية واحدة
أوقفت السعودية حركة الطيران مع إيران وقطعت العلاقات التجارية معها، جاء ذلك بعد الاقتحام الغاضب للسفارة السعودية في إيران، مع الزيادة المتصاعدة للتوتر بين النظامين، بعد إعدام السعودية "لرجل الدين الشيعي البارز نمر النمر يوم السبت الماضي حيث وصفته الرياض بالإرهابي"، كما نقلت وكالة رويترز (4/1/2016) عن سفير الخارجية السعودي.
إن تناول هذا التصعيد السياسي والإعلامي بين النظامين الإيراني والسعودي من منظور الخلاف بين السنة والشيعة هو تضليل فكري وسياسي وإعلامي، فلا السعودية حامية السنة، ولا إيران حامية الشيعة، بل إن النظامين يتآمران على المسلمين بمختلف مذاهبهم، وهما يختلفان في الاصطفاف الطائفي ولكنهما يتفقان في العمالة لأمريكا، وفي تحقيق مشروعاتها السياسية، مما لا يتسع المجال لتفصيله، ولكن يمكن إجماله بما يلي:
لقد مالت في السعودية كفة العمالة لأمريكا مع وصول سلمان للملك، القادم للعرش من مؤسسة وزارة الدفاع، حيث يدرك المتابع أن النفوذ الأمريكي هو الغالب فيها (انظر "استلام سلمان بن عبد العزيز الحكم في السعودية")، وهو الذي يحتضن المعارضة السورية حاليا لتمرير ما يسمّى بالحل السياسي في سوريا، وهو الذي يضرب اليمن ضمن مخطط أمريكا للهيمنة على المشهد السياسي فيها، وهو الذي شكل التحالف العسكري (الإسلامي!) للمشاركة في الحرب الأمريكية على الإرهاب (الإسلام).
أما إيران فقد سارت في مخطط أمريكا في العراق وأفغانستان وقدمت العون اللوجستي للغزو الأمريكي، ولا زالت ترعى المصلحة الأمريكية في الشام في الحفاظ على بشار حتى ينضج البديل عنه، ورغم أن النظام الإيراني نشأ ككيان طائفي صفوي، إلا أن أمريكا ركبت الثورة الإيرانية وأوصلت عملاءها للحكم، وهنالك العديد من شواهد عمالة إيران لأمريكا وثّقت بعضها ضمن مقال سابق: منها ما ورد في تقرير بيكر هاملتون حول أزمة العراق (2006) من تشديد على أهمية الدور الإيراني في إنقاذ أمريكا من وحل العراق، وما أكده التقرير من "التعاون الإيراني-الأميركي في أفغانستان"، (أنظر ملخص نص تقرير بيكر- هاملتون). ومنها ما ذكرته البي بي سي على لسان سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة في 22/2/2009 نقلا عن عضو الوفد الأمريكي الذي أجرى حوارات مع الإيرانيين أن مسئولاً عسكرياً إيرانياً "قام ببسط خريطة على طاولة النقاش وحدد عليها الأهداف التي أراد أن تركز عليها الولايات المتحدة وخاصة في شمال أفغانستان".
لذلك فإن الزاوية السياسية الصحيحة لتناول هذه الأخبار المتدافعة تقتضي استحضار المخطط الأمريكي للشحن الطائفي بين أبناء الأمة الإسلامية الواحدة، ضمن خطواتها لدفع "مشروع حدود الدم" الذي يقوم على "مخططات إعادة ترسيم الشرق الأوسط: مشروع الشرق الأوسط الجديد"، (حسب عنوان الورقة التي نشرتها مؤسسة جلوبال ريسيرش في 19/5/2015)، وكما جاء في التقرير الذي نشرته ساندي ريفيو في 28/9/2013 بعنوان "تخيّل خريطة معدلة للشرق الأوسط" (وقد فصّلت ذلك في مقال سابق بعنوان "خرائط الشرق الأوسط الجديد وخطوط الطائفية والمذهبية والقومية").
لذلك يجب ربط هذا التصعيد الطائفي مع تصاعد الأصوات السياسية في أمريكا حول الحاجة إلى "سايكس بيكو جديدة" في الشرق الأوسط، ومع ما عرضته "مجلة القوات المسلحة الأمريكية" في 1/6/2006، تحت عنوان "حدود الدم – كيف يبدو الشرق الأوسط أفضل؟"
إن الحقائق التاريخية تثبت أن كافة المذاهب الإسلامية قد انصهرت ضمن إطار العقيدة الإسلامية، بل وصهرت غير المسلمين مع المسلمين ضمن تابعية دولة الخلافة. أما العزف على ألحان الشحن الطائفي والقومي في سياق التصعيد بين إيران (ومعها حزبها في لبنان والحوثيون في اليمن) والسعودية (ومعها الخليج) فهو سير ضمن مشروع حدود الدم، الذي تمكر به أمريكا ضد المسلمين لإعادة صياغة المنطقة على أساس طائفي وقومي بما يحقق مصالحها.
ولذلك يتوجب على العلماء والمفكرين والإعلاميين المخلصين أن لا ينجروا خلف هذا المخطط السياسي وأن لا يقبلوا أن يصبحوا أداة في ذلك المشروع، وأن يتنبهوا لخطورة الخطاب الطائفي والمذهبي والقومي، كمحطة في هذا المشروع الأمريكي، الذي يناقض الغايات السياسية الحيوية المتصلة والمتداخلة للأمة، والتي تتلخص في التحرر من الهيمنة الخارجية، والوحدة السياسية، وتطبيق الإسلام، مما لا تتحقق كاملة إلا بتحقيق المشروع الإسلامي المتمثل بالخلافة الحقيقية على منهاج النبوة، فتعيد للمسلمين تماسكهم في وحدة سياسية، مع الوحدة العقدية التي قررها الوحي: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.